فزّاعة الإسلام
أ.د. حلمي محمد القاعود
[email protected]
في
ثورة الشعب المصري الظافرة – يناير 2011م – سقطت فزّاعة الإسلاميين التي رفعها
الغرب الاستعماري ، وأنصاره من الحكام العرب والنخب الثقافية المحلية التي لا تؤمن
عمليا بالإسلام ، وإن كانت تتسمى بأسماء المسلمين .
جاور الفرقاء المختلفون بعضهم بعضا في ميدان التحرير ، الماركسي والعلماني ،
الأزهري والإخواني والسنى والسلفي ، المثقف والعامل والأمي ، المسلم والنصراني ،
الصعيدي والبحيري والشرقاوي والفيومي ، الرجال والنساء والأطفال .. لم تكن هناك
فروق أو حساسيات تمنع التقارب بين أفراد الشعب المصري الذين خرجوا لإسقاط النظام
الفرعوني الظالم الذي أذل العباد وهزم البلاد!
كان
المصريون يدا واحدة ، سهروا الليل تحت البرد والمطر معا ، ضحكوا معا ، وحزنوا على
الشهداء معا ، وصلوا في الميدان جماعة ، وعاشوا الوحدة في ظل التنوع معا . وتحققت
أمنيتهم في الحادي عشر من فبراير معا ، وسقط النظام ، وتم حل الحكومة ومجلسي الشعب
والشورى ، وألغي جهاز الرعب والترويع ، وتهاوى رموز الفساد والإرهاب الحكومي جماعات
ووحدانا ، وشرفوا سجن طرة بالحق ، بعد أن حشروا فيه الأبرياء بالباطل .
في
خلال هذه الفترة لم يكن الإسلاميون بعبعا مخيفا ، ولم يكن الإسلام يمثل فزاعة مخيفة
لهذا الطرف أو ذاك ، حتى الغرب الاستعماري الصليبي الذي طالما صور الإسلام تصويرا
مرعبا مخيفا ، وسماه تارة بالإرهاب ، وأخري بالتطرف ، وثالثة بالأصولية ، لم يستطع
أن يجد ثغرة يتسلل منها إلى الثورة أو الإسلاميين ، وقد رأى العالم كله كيف أبلى
الشباب الإسلامي بلاء حسنا وهو يدافع عن الثورة والثوار في ميدان التحرير وميدان
عبد المنعم رياض ، بعد أن تقدمت جحافل الغزاة في موقعة الجمل الشهيرة مسلحة بالسنج
والسيوف والمطاوي والحجارة والسياط لقهر الثوار والقضاء على الثورة ، ولكن بسالة
الشباب الإسلامي ، ردت الغزاة على أعقابهم وشجعت بقية الثوار على مطاردتهم وهزيمتهم
.
فجأة انقلب هذا الموقف الموحد الرائع الذي بهر الدنيا وعبر عن التسامح والتحضر ؛
لنجد كلاما رخيصا يدعي أن الإسلاميين أنزلوا شابا من فوق المنصة في ميدان التحرير
بعد صلاة جمعة النصر ، وأن الشيخ القرضاوي يمثل دور الخميني الذي عاد إلى البلاد
بعد نجاح الثورة ، وأن الإسلاميين يخطفون الثورة ، وأن ما يسمى الدولة الدينية
قادمة .. ثم تبدأ حملات رخيصة لتشويه صورة المستشار الجليل طارق البشري ولجنة تعديل
الدستور واتهامها بالأصولية والرجعية والعمل على تقنين الدولة الدينية ، وترتفع
أصوات منكرة لتغيير المادة الثانية من الدستور بحجة إقامة الدولة المدنية وما يسمى
المواطنة .. ثم يبدأ لغط غريب لدعوة الناس إلى رفض التعديلات الدستورية ، واتهامها
بأنها ترقيع لدستور فاسد، وأنها تهيئ لسيطرة الحزب الوطني والإخوان على مجلس الشعب
، ثم صراخ وعويل لأن التلفزيون المصري استضاف بعض الإسلاميين المفرج عنهم في قضايا
سياسية مع التنادي لمواجهة الخطر الإسلامي القادم بتأجيل الاستفتاء ، وضرورة وضع
دستور جديد في الحال ، وتمديد الفترة الانتقالية حتى يتم إنجاز هذا الدستور ،
واتهام الموافقين على التعديلات بالخيانة وموالاة النظام البائد والتحالف مع الحزب
الوطني .. إلى غير ذلك من اتهامات وادعاءات !
ثم
كان استغلال أيام ما قبل الاستفتاء على التعديلات الدستورية في التشهير بالحركة
الإسلامية ، والتركيز على الاستقطاب الطائفي ، وشحن الأقلية ضد الأغلبية ، والتخويف
من مشاركة الإسلاميين في الانتخابات ، والتحريض السافر على المادة الثانية من
الدستور التي تعني إسلامية الدولة وعروبتها ، وللأسف الشديد فقد قام اليساريون
بقيادة الحملة ضد الإسلام ورفع الفزاعة الإسلامية لإخافة الناس ، وتحقيق الحلم
اليساري الشرير باستمرار الوضع الاستثنائي الذي يوافق هواهم ومصالحهم، ويعوض قصورهم
السياسي وعدم وجود قاعدة شعبية لهم ، وقد تأملت صفحة جريدة يسارية على الشاشة
الضوئية ، فوجدت عناوينها تنضح بملامح هذه الحملة وذلك الحلم الشرير، ولنقرأ ما بعض
هذه العناوين يوم إجراء الاستفتاء 19/3/2011م :
حشود من الطبقة الوسطى في اللجان ..و ” نعم” السلفيين من أجل المادة الثانية.. و
“لا” الأقباط لـ “منع صعود تيارات دينية”
-
إقبال شديد في شبرا الخيمة .. و أصحاب اللحى : الستات العريانين والعلمانيين وبتوع
الوطني بيقولوا “لا” للمادة الثانية -
طوابير على أبواب اللجان في الإسكندرية .. وسلفيون يكفرون من يدعو للتصويت بـ لا
-
إقبال شديد على لجان الاستفتاء بالفيوم .. وتحالف للوطني و الإخوان و السلفيين يدعو
للتصويت بـ نعم
-عبود الزمر لـ”رويترز” : عصر الاحتكام إلى السلاح
ولى في مصر الحرة-
58% من قراء الـ .... يرفضون التعديلات الدستورية .. و 41% يوافقون -50
مثقفاً بينهم ...و ... و... و .....يرفضون التعديلات الدستورية
– ..
لم تتطرق هذه الصحيفة إلى ما فعله ملياردير طائفي متعصب استباقا ليوم الاستفتاء على
التعديلات الدستورية حيث دشن حملة إعلامية مضادة للتعديلات وظف لها صحفًا ومواقع
إلكترونية وفضائيات في إمبراطوريته الإعلامية ، لخلق انطباع بوجود حالة رفض واسعة
بين المصريين لهذه التعديلات، وقد وصف التصويت عليها بأنه سيكون "كارثة"، ونشر صفحة
كاملة مدفوعة الأجر بجريدة "المصري اليوم" التي يملك وعائلته جزءا كبيرا من أسهمها
تظهر نخب الرافضين للتعديلات، مخالفًا تحذير المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي
طالب بالتوقف عن إثارة النقاش حول التعديلات خلال يومي الجمعة والسبت.
إن الملياردير المتعصب يعبر عن توجه الكنيسة الأرثوذكسية الرافضة للتعديلات،
والتي حشدت أتباعها للتصويت بـ "لا" ، في سياق استعراض القوة الطائفية التي تتصور
أنها قادرة على توجيه الأحداث بالطريقة التي تريد .
وهو ما يؤيده قول القمص عبد المسيح بسيط كاهن كنيسة العذراء في مسطرد: "لابد أن
نخرج من بيوتنا لرفض التعديلات التي يدعو لها "الإخوان المسلمون" (؟!) لأنها متفصلة
على مقاسهم، كلنا من سن 18 سنجد خانة خضراء "سيبوها" وخانة أخري سوداء ندون عليها
"علامة صح".
وأضاف قائلا لقناة "الطريق" المسيحية: "هذا رأي قيادات الكنيسة وليس رأيي وحدي،
فالتعديلات ليست من مصلحة الأقباط، وحتى لو واحدة حامل تروح وتمضي وتختار الخانة
السوداء وتقول لا للتعديلات الدستورية".
لقد عبر الملياردير الطائفي الذي قاد الحملة الإعلامية عن خشيته أن تكون الحكومة
القادمة عقب الانتخابات التشريعية من القوتين الرئيسيتين في المجتمع، وهما "الإخوان
المسلمين" والحزب "الوطني" الحاكم السابق؛ حسب مزاعمه. وعدّ إجراء الانتخابات
بمثابة "سرقة" مجهود شباب ثورة 25 يناير وتسليمه إلى هاتين القوتين.
ما يبغيه الرجل صراحة هو إعداد دستور جديد تلغى منه المادة الثانية في الدستور
التي تنص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع في مصر، بعد أن عبر
مرارًا عن رفضه لهذه المادة التي تعكس الهوية الإسلامية للمجتمع المصري الذي يبلغ
عدد المسلمين فيه أكثر من
95%
؟
لقد جهزت الكنيسة حافلات لنقل أتباعها إلى مقار اللجان الانتخابية ، بعد أن أمرتهم
بالتصويت بالرفض للتعديلات الدستورية .
هذا التحالف الذي جمع الكنيسة مع اليساريين مع العلمانيين لرفض التعديلات ، أملا في
إلغاء المادة الثانية من الدستور، والاستفادة من سلطة غير ديمقراطية ؛ يعد
ديكتاتورية غير مقبولة من أقلية مدللة تضم أطراف هذا التحالف الذي يرفع الفزاعة
الإسلامية ، ولا يجد غضاضة في جرح شعور الأغلبية الساحقة واحتقارها وامتهانها
وحرمانها من التعبير عن عقيدتها وشريعتها ،بينما الكنيسة تعلن بصريح العبارة أنها
لن تنفذ القانون لو تعارض مع تفسير رئيسها الشخصي للإنجيل ؟!
إن استخدام الفزاعة الإسلامية من جانب تحالف الأقليات السياسية والطائفية عمل غير
خلقي ، وإهانة للإسلام والمسلمين ؛ يجب التصدي لها ، والوقوف في وجهها من جانب
العقلاء هنا وهناك ، حتى لا تكون هناك مضاعفات ، وطننا في غير حاجة إليها !
يجب أن نعود إلى روح ميدان التحرير ، وأن نتقبل أصول المباراة الديمقراطية ، وأن
تحترم الأغلبية رأي الأقلية ، وأن لا تصادر الأقلية قرار الأغلبية ، وأن تتخلى عن
الإقصاء والاستئصال ، فالتوافق والتفاهم أكثر جدوى ، وأفضل ربحا .