حول قرار الإضراب يوم الأرض
الإضراب سلاح إستراتيجي يحتاج إلى تعبئة الجماهير
وليس إلى قرارات فوقية بدون قناعة جماهيرية*
نبيل عودة
كاتب , ناقد وصحفي فلسطيني – الناصرة
تحضيراً للذكرى السنوية ليوم الأرض الخالد، جاء في بيان لجنة المتابعة العربية العليا أن اللجنة ستعمل على تعبئة الجماهير ورفع جاهزيتها بالإضراب ولإحياء الذكرى.
لا أحد يقلل من أهمية ذكرى يوم الأرض وضرورة تحويل هذا اليوم إلى يوم نضالي من أجل حقوق الأقلية العربية في إسرائيل. ولكن، موضوع الإضراب، يحتاج إلى وضع خاص مميز، وليس إلى مزايدة لا علاقة لها بالواقع والظروف السياسية، ومن المهم معرفة مدى جاهزية الجماهير لتنفيذ إضراب تحت شعارات واضحة محددة.وليس اضرابا خجولا مترددا بلا قناعة من المضربين.وارى أن القرار اتخذ في الغرف المغلقة ولا يمثل الروح السائدة في الشارع اليوم.
لا تنقصنا المطالب، ولا الشعارات ولا الغضب على سياسة السلطة العنصرية. ولكن هل هذا لوحده يشكل معياراً صحيحاً لطرح موضوع تنفيذ إضراب؟!
سبق وأن كتبت حول نفس الموضوع في السنة الماضية وما قبلها، قرار الإضراب يحتاج إلى جو سياسي نضالي لا أراه قائما، ولا أرى أن القيادات العربية، أعدت جماهيرها لمعركة سياسية، تتصاعد حتى الوصول إلى تنفيذ إضراب، يكون له رد فعل سياسي في الدولة كلها، وليس مجرد إضراب تلبية لمواقف لم تُعد الجماهير لمواجهتها، وجعلها ترى بالاضراب حقيقة نافذه ، بحيث يكون القرار بالاضراب من لجنة المتابعة هو تحصيل حاصل.
ان أخطر ما في القرارات الفوقية، عدم الحذر بأن لا يتحول الإضراب إلى مجرد كليشية في صدر صفحة إعلانات. ويؤسفني ان هذا شعوري من قرار الاضراب في 30 آذار هذا العام.
لا أجد الشارع جاهزا ، واذا نفذ ، كما في السنة الماضية، فهو نصف اضراب، ونصف التزام، وما ان تدق الساعة الحاديةعشرة تفتح جميع المحال، عدا الكثير من المحلات التي لا تغلق ابوابها .وعدا أن أكثرية العمال توجهوا الى أعمالهم. والأهم ، هل هناك جو ثوري ملح يجعل من قرار الاضراب معلما سياسيا نضاليا يوصل رسالة واضحة لمن يجب ان تصله الرسالة؟
الإضراب هو سلاح إستراتيجي، أي يجب عدم التفريط بأهميته. وعندما يُقرر الإضراب، يجب أن يكون الشارع العربي جاهزاً ليهز أركان السلطة في الدولة كلها. وليس إضراباً لا يؤثر إلا على المجتمع العربي، ويلحق به الضرر سياسياً واقتصادياً.
أن لجنة المتابعة العربية، غائبة عن الجماهير، وهي تذكرنا الآن بنفسها.ويبدو ان الضرورة لوجودها تتقلص وتذوى نتيجة تحولها الى لجنة مكتبية. احاول ان أتذكر ما قامت به منذ اعلان اضراب يوم الأرض من السنة الماضية ، لا أتذكر معلما هاما واحدا يمكن ان يسجل لصالحها.
لا استهتر بأهميتها . السؤال كيف تتحول الى لجنة تقود وتوجه مجمل النضال الوطني للعرب في اسرائيل.
هذا الطرح ليس جديدا، ولكنه بات ملحا في السنوات الأخيرة مع تنامي الفاشية في اسرائيل.. خاصة ظاهرة القوانين العنصرية المتلاحقة،وهو موضوع لا يقل اهمية في مواجهته عن موضوع الأرض.
مثلا كنت اتوقع قرارا بالاضراب العام للجماهير العربية ردا على المظاهرة الاستفزازية لسوائب اليمين الفاشي في ام الفحم. او العمل على سلسلة نشاطات لمواجهة ظاهرة استفزازنا في وطننا وداخل بلداتنا. وقبل فترة قامت مظاهرة سوائب المستوطنين الاستفزازية ضد أهلنا في يافا (تل ابيب). استنكرنا. هل جرى بحث هذه الظاهرة ووضع خطة سياسية نضالية لمواجهتها؟ هل هناك من يظن ان الفاشية ستتوقف في ام الفحم او يافا او كرمئيل او الناصرة العليا؟
لجنة المتابعة لم تقم من أجل يوم الأرض فقط، قضايا المجتمع العربي في إسرائيل كثيرة وملحة جداً، وفي مجالات حيوية تحتاج إلى ملاحقة يومية، وليس إلى لجنة "حاضرة اسما وغائبة فعلا".
ما أراه أن لجنة المتابعة باتت لجنة تشريفات أكثر مما هي لجنة لتوجيه النضال، وطرح الأهداف السياسية وملاحقتها، والإعداد لمواجهة العنصرية المتفشية في مؤسسات السلطة، وفضح التشريعات العنصرية على مستوى الدولة والمستوى الدولي، وخوض معركة شعبية وبرلمانية وقانونية متواصلة لفضح الممارسات والتشريعات العنصرية المعادية للأقلية العربية.
هل سيقنعوني الآن بأن الدعوة للإضراب، ستلقى حماساً جماهيرياً، وكأنها المطر بعد الانقطاع الطويل؟!
ربما حقا الإضراب ضروري، ولكن ماذا أعددنا ليوم إضراب خلال الأشهر الماضية؟! الإضراب ليس قراراً فوقيا، أمرا ينفذ، انما عملية تحضير سياسي واعلامي وفكري عبر برمجة نضالية بعيدة الرؤية.
هل كان هناك إهتمام من لجنة المتابعة لإبقاء الجماهير العربية، يقظة وجاهزة ليوم نضالي نستعمل فيه، أهم سلاح نملكه، سلاح الإضراب؟!
إن قرار الإضراب اليوم سيكون بلا معنى وبلا فائدة ( حتى لو نجح جزئيا) وأشبه بنزهة في الطبيعة. ما جاء في بيانكم ان" اللجنة ستعمل على تعبئة الجماهير ورفع جاهزيتها بالإضراب" هو شعار متأخر ، مقطوع عن الفعل الحقيقي .
كيف ستعدون الجماهير وانتم بانقطاع طويل عنها؟ هل ستعدونها خلال الأسابيع الثلاثة التي تفصلنا عن يوم الأرض ؟ ام ان القرار اتخذ وكفى؟هل القرار لوحده سيرفع الجاهزية ؟
ان القرار بالاضراب يفرض علينا ان نتجند لانجاحه ، بغض النظر عن وجهة نظرنا المختلفة ،لأن فشل الإضراب بعد اتخاذ القرار، يشكل خطورة سياسية على نضالنا.