إصلاح الإعلام
صالح خريسات
أكدت الدراسات والبحوث، أن الذي يطالع الصحف، ويستمع إلى الإذاعة، ويشاهد التلفزيون، يشعر بأنه يشارك بصورة أو بأخرى، في الأحداث المنقولة. كما أوضحت هذه البحوث، أن الذين يواظبون على متابعة الأخبار والأحداث،عن طريق أجهزة الإعلام، هم الذين يشاركون أكثر من سواهم، في الحياة الاجتماعية والسياسية، ويحققون نجاحا ظاهرا في الناحية الاقتصادية، وهذا يعني ضرورة ضبط التوجهات، والممارسات الإعلامية، ومعالجة المعلومات، ووضعها في الإطار الملائم، لكي يتمكن متلقي الخبر، من الوصول إلى وضع يسمح له باتخاذ القرار السليم.
هذه الوظيفة، تستوجب الأمانة في دقة بث الخبر, وإذاعته, وسلامة المعلومات دون زيادة أو نقصان. فالثقة بين المواطن, وبين أجهزة الإعلام, يجب أن لا تهتز بأي حال من الأحوال، وهي تزداد قوة, كلما اقتربت من الحقيقة أكثر.
فلا بد إذن من التخطيط الواعي المسبق, والبعيد المدى, الذي يصاحب عملية التطور في وسائل الإعلام, من أجل الوصول إلى رؤية متكاملة, للاستفادة من التقنية الحديثة, في إبراز هذه الوسائل, بإسلوب يقوى على المنافسة والتأثير, ويسمح بفهم أوسع, للظروف الشخصية, والبيئية, والدولية. فالإعلام العربي في الداخل والخارج، ما زال معتمدا على الوكالات العالمية المسيطرة، وعلى الأقمار الصناعية الغربية، وعلى التلفزة الغربية، وهي مشكلة تظهر هيمنة الإعلام الغربي، والاحتكارات الرأسمالية، وقدرتها على توجيه الرأي العام العالمي.
فإذا أضفنا إلى هذه الظاهرة، الفوضى التنظيمية في الإعلام وأجهزة الاتصال والانترنت، أمام مغريات الإعلام الغربي، وفراغ الإعلام العربي، ندرك مدى الحاجة إلى عمل مؤسسي مدروس، لإنقاذ المواطن العربي من هذه الهيمنة.
إن نسبة عالية من المواطنين العرب، لا يحسنون اللغات الأجنبية، ولا يستطيعون بمفردهم تتبع الإعلام الأجنبي، واستظهار الحقيقة من مصدرها، فيقعون فريسة الشائعات والخطأ في تدبر الأمور، وقد يكون ذلك، سببا في إثارة المشاكل الداخلية، والصراعات، بسبب انهيار الثقة، بين المواطنين وبين وأجهزة الإعلام، وتعدد مصادرها.
إن التطور المزعوم الذي حصل في أجهزة الإعلام، كان في الجانب التقني المستورد، على حساب الأهداف والغايات، بينما طغى الاهتمام بالجماليات، والبحث عن الغرائب، وعن العيوب، لغايات التسويق والإثارة، وجذب الانتباه،على الوظيفة الرئيسية للإعلام.
لقد تأسست في الوطن العربي، أكثر من مئتين وخمسين محطة فضائية، متخصصة في الفيديو كليب، والألعاب الترفيهية، والتسلية، وبرامج الموضة، والأفلام والطرب.
هذه المحطات، تفرض صورة سلبية على المجتمع، ولا تعكس ما فيه من تناقضات ولا ترتبط بالواقع، بل إنها لا تقدم فيه، إلا ما يتلاءم مع تصورات فئة اجتماعية محدودة، تمتلك القدرات المالية وقوة التأثير، ولا دور لها في السياسة، والاقتصاد، والهموم الوطنية، وقضايا المجتمع.
إننا لا نجد الآن، من يتناول هذه المسائل بالعرض والتحليل، وان كان الجسم الثقافي والإعلامي، لا يخلو من غيورين، بمقدورهم تسخير وقتهم، لقضايا أمتهم وهموم شعوبهم.
فالواقع الآن يظهر عجز الإعلام العربي، عن ملئ الفراغ الثقافي والسياسي والاجتماعي، ناهيك عن انحدار الخطاب الإعلامي برمته.
إن الوسائل الإعلامية في وضعها القائم، لا تعوض الحياة الثقافية والفكرية والسياسية، بل تساهم في أضاعفها وتلاشيها، فإذا بالشاشات تعزل الأفراد، وان جمعتهم، لأنها في مواضيع تلهيهم عن واقعهم، وتفاعلهم مع الحياة والناس، كالتحمس الأعمى للمشاعر الرياضية، أو التعلق بالمسلسلات المبتذلة، والبرامج الهابطة التي لا تكاد تتوقف أبدا.
في تصوري أن وسائل الإعلام العربي، ما زالت قاصرة عن تحقيق أهدافها، ولم تتمكن بعد، من أداء رسالتها، أو استيعاب دورها على الوجه المأمول، مقارنه بمستوى الإعلام الغربي، واتساع نطاق تأثيره في الرأي العام الدولي. فكل محطات التلفزة الأرضية، والفضائيات، ليس من بينها محطة الجزيرة الفضائية ، وفوق ذلك، الكوادر الإعلامية المسئولة عن إدارة تلك الوسائل، فشلت في إدارة الأزمات السياسية، والفكرية، التي عصفت بالوطن العربي، في العقدين الأخيرين، ولم تتمكن من الدفاع عن الحقوق العربية، والوطنية،أو التأثير في الرأي العام العالمي.