دور المثقفين في الحراك التغييري في البلاد العربية
دور المثقفين في الحراك التغييري في البلاد العربية
الإمام حسين المؤيد
أنّ المثقفين لم يغيبوا عن لعب أدوار مؤثرة في الحراك التغييري في البلاد العربية . و قبل توضيح ذلك لا بد أن نستثني تلك الشريحة من المثقفين الذين خرجوا عن مقتضيات الالتزام الثقافي و رضوا أن يسايروا الواقع الفاسد و يصطنعوا المبررات للدفاع عنه وتغطيته , فمثل هؤلاء موجود في كل شرائح المجتمع و لا يمكن أن يتم الحكم على الجميع من خلال هذه العينة , وبالتالي يبطل تعميم الأحكام , بل نعتقد أن هذه الحالة تعتبر استثناءً و خروجاً عن السياق العام . كما يجب أن نأخذ بنظر الإعتبار اختلاف مشارب المثقفين ومتبنياتهم الفكرية الحقيقية و لعل بعض هؤلاء له أفكار مغايرة لاتجاهات التغيير وله رأي يجب ان يحترم في اطار حرية الرأي . و ما عدا ذلك فانّ النخبة المثقفة هم أعمدة التنوير والعقل المفكر في الأمة والرصيد الفكري لنهضة الشعوب .
و قد استهدفت الأنظمة الشمولية هذه النخب عبر محاولات التدجين تارة , أو ابراز وجوه معينة و التركيز عليها لانها تخدم توجهات النظام على حساب الوجوه و الشخصيات الحقيقية , أو محاولات القمع تارة اخرى . و قد عانت هذه النخب من القرارات والإجراءات التعسفية الرامية الى كم الافواه وتكسير الأقلام , وهذا دليل على عمق تأثير هذه النخب في المجتمع و قدرتها على التحريك و الانهاض . وقد أثر القمع على المنتج الثقافي و حجم دوره في الحراك باتجاه التغيير فكان هناك تغييب متعمد للمثقفين عن المشهد السياسي و الإجتماعي و ليس الغياب المعبر عن نكوص المثقف العربي عن لعب الدور المطلوب . أضف الى ذلك ان المثقف هو واحد من افراد المجتمع تجري عليه ما تجري على مجتمعه من ظروف قاسية في حياته و معيشته و يعاني مما تسببه هذه الظروف من معوقات . وعلى الرغم من ذلك لعب المثقفون و في ظروف صعبة أدواراً في الحراك التغييري وكانت كتاباتهم و أحاديثهم فاعلة في بلورة الرأي العام و تنضيجه باتجاه التغيير . وحين نلاحظ مشاهد الحراك التغييري في البلاد العربية نجد أنّ النخب المثقفة في الصدارة تناغمت مع ارادة الجماهير , وتفاعلت مع حركتها ولعبت دوراً يمكن أن يوصف بالقيادي في مسيرتها نحو التغيير , ولمعت أسماء بارزة في هذا المجال حتى على مستوى القمع الذي واجهه الحراك التغييري . واذا تعاملنا مع مصطلح المثقفين في دائرته الواسعة نجد أن جذوة الحراك التغييري قد أوقدت على يد المثقفين , والشباب الذي كان رائد حركة التغيير هو الشباب المثقف . نعم النخبة المثقفة لا تستطيع لوحدها أن تحدث التغيير لا سيما في الظروف التي تعيشها الكثير من البلاد العربية الخاضعة للأنظمة الشمولية لانّ التغيير يحتاج الى حركة جماهيرية عارمة , وحين تتحرك الجماهير بعرضها العريض ربما يبدو للناظر في الوهلة الأولى غياب دور النخب المثقفة لانه ينظر الى الساحة في بعدها الجماهيري العام مع أن التدقيق في المشهد يبرز دور المثقفين في صنع هذا الحراك و التمهيد له و العمل على التهيئة والتعبئة ثم القيادة له . انّ مسايرة بعض النخب المثقفة للواقع الفاسد , أو نكوص البعض واسترخاءه عن اداء الدور لا يصحح تعميم هذه الحالة على كامل الوسط المثقف وانما تظل هذه الحالة برأيي استثناء من السياق العام . وأعتقد أن الواقع الجديد الذي ولد و يولد إثر التغيير سيبرز أكثر و بوضوح دور النخب المثقفة في إغناء المجتمع و توجيهه .
مرجعية اسلامية