في مسألة طل الملوحي

معن البياري

تحت وقع دويّ استهجانٍ ثقيلٍ، في خارج سورية، لحكم محكمةٍ عسكريّةٍ في دمشق على الشابة طل الملوحي (19 عاما) بالسجن خمسة أعوام، بتهمة إفشاءِ معلوماتٍ لدولةٍ أجنبية، حاولت وزارة الخارجية السورية، في مؤتمرٍ صحافي، إقناع الرأيِ العام الخارجي بأَنّ الحكم لم يكنْ لأنّ المذكورة كانت تكتبُ ما تكتب في مدوّنتها، بل لأنّ ضابطاً نمساوياً في قوات حفظ السلام الدولية في الجولان جنّدها، قبل خمسة أعوام، للتّجسّس على السفارة السورية في القاهرة ودبلوماسيّ رفيعٍ فيها، ولأنها زوّدت موظفة في السفارة الأميركية في القاهرة بأسماء عاملين في مقرّاتٍ أمنيةٍ سوريةٍ ومعلوماتٍ عنهم، في أثناء إقامتها وأسرتها في العاصمة المصرية، وتمّ لاحقاً تكليفُها بإقامة علاقاتٍ مع ضباط أمنٍ ومسؤولين في بلادها. وسردت مديرة الإعلام الخارجيّ في الوزارة، بشرى كنفاني، تفاصيل هذه الرواية، دفعاً لحرجٍ ربما ألمّ بدمشق، سيّما وأنّ من غير المعقول أن يكون في وسع بنتٍ في الثانوية أن تحوز على "أسرارٍ ومعلومات" عن الدولة لتقدّمها للأميركيين، فيما هي مجرد مدوّنةٍ تنشر خواطر، وكتاباتٍ طالبت بالديمقراطية ووقف الفساد في بلدها، وذكّرت الرئيس بشار الأسد بوعوده في بدايات عهده. وفي المقابل، ثمّة روايةٌ مغايرةٌ لدى عارفي طل، توضح ما يقوله أصحابها مقادير التلفيق الكثيرة في الذي قالته كنفاني، وتفيدُ بأنّ ذلك الموظف في السفارة السورية في القاهرة، لأسبابٍ تخصّه، تعرّض لإيذاءٍ من حراس تلك الموظفة في السفارةِ الأميركية، ثم عمد إلى "تركيب" الاتهامات للملوحي.

ما يُضاعف من عجائب الحكاية هذه في روايَتيْها، وهي أشبه بفيلمٍ مسلّ ومثير، أنّ القاضي في المحكمة العسكرية لم يُعلنْ أياً من الدلائل التي تسوّغ حكمَه، في الجلسة المغلقة التي لم يشارك ممثلُ ادعاءٍ فيها، واقتيدت إليها طل معصوبة العينين ومكبّلة. وكان الأولى من إشهار وزارة الخارجية ما أشهرتْهُ أن تتوفّر مجرياتُ المحاكمة التي ظلت سريةً على كل موجبات الشفافية، بوجود مراقبين وحقوقيين ودبلوماسيين ووسائل إعلام، ليتيَسّر اقتناع العالم بوجوب معاقبة طل الملوحي، وهي التي اعتقلها جهاز أمن الدولة، قبل أزيد من عام، لسؤالها عن مقالٍ في مدوّنتها، بدل أنْ تتولى مهمة الإقناع هذه وزارة الخارجية التي لم تُبادر، سابقاً، إلى تنوير الرأي العام بشأن وقائع شديدة الأهميّة، منها جريمة اغتيال عماد مغنية التي لم ينطقْ مسؤولٌ سوري بشيءٍ عن تحقيقاتٍ جرت عن كيفية تمكّن الإسرائيليين من اقترافها في وسط دمشق، واغتيالُ العميد محمد سليمان، أحد أبرز مساعدي الرئيس الأسد، على شاطئ طرطوس، وقصف إسرائيل موقع الكبر في مدينة دير الزور، واختطاف العلامة محمد معشوق الخزنوي ثم مقتله.

تُسْتدعى هنا هذه الحوادث، وثمّة غيرُها، صدوراً عن محبةٍ وفيرةٍ فينا لسورية وشعبها، وعن تفهمٍ مؤكدٍ لخيارات الحكمِ فيها بشأن الصراع مع إسرائيل، فتحصينُ هذا البلد، الشديدُ الأهمية الإستراتيجية لكل العرب، وتقويةُ مناعاته الداخلية في مواجهاته كلّ صنوف استضعافِه وجرّه إِلى مواقع معاديةٍ للأمة، تتطلبان أن يُغادر صنّاع القرار فيه صيغ التكتّم والتحفظ إياها، وقد فوجئْنا، مثلاً، بأنّ "فيسبوك" و"يوتيوب" كانا ممنوعيْن، فتمّ السماح بهما، قبيل أيامٍ من الحكم على طل الملوحي الذي أساء لصورة سورية كثيراً، سيّما وأن أحكاماً أخرى واكبتْه على ناشطين ومثقفين سوريين، يُعبِّرون عن آرائهم بكل سلميّة. نقول هذا، لأننا لا نحبّ لسورية هذا الحال، ونراهنُ على متانتها وحصافةِ قيادتِها، لكنّ "حدوتة" طل الملوحي زادت قلقنا عليها، نشتهي زواله، وقد قال الرئيس بشار الأَسد، محقاً، بُعيد انتصار الثورة المصرية، إنّ الشعوب العربية أثبتتْ قدرتها على الإصلاح.