جرعة أمل فورية مستحقة

علاء سعد حسن حميده

باحث مصري مقيم بالسعودية

[email protected]

ما كادت تنتهي أفراح الحادي عشر من فبراير، حتى تعالت أصوات تتحدث عن مخاوف أغلبها مبررة.. من حق الشعب أن يحمي ثورته، ومن واجب الثوار ألا يغفلوا عن مسار ثورتهم، وأن نظل جميعا مرابطين حتى يكتمل كل النصر، فكل منا على ثغر من ثغور الثورة، ثغر من ثغور الوطن.. لكننا لا نريد كذلك للخوف أن يتحول إلى فوبيا أو هيستيريا، ولا أن يسرق الفرح من قلوبنا، ولا أن يطرد الأمل من نفوسنا، لقد كان الأمل المستحق وليد نصر عزيز مؤزر.. ولذا يجب أن نتوقف مع أنفسنا وقفة مراجعة سريعة نتزود فيها بجرعة إضافية من الأمل المستحق..

هيا نعود بذاكرتنا للوراء قبل شهرين فقط، وكنا نتابع الاستعدادات لمباراة كرة القدم بين الأهلي والزمالك، وظل الإعلام ( يهلوسنا ) قبلها بعدة أسابيع عن المخاطر المحتملة من مواجهات سافرة بين شباب الألتراس والوايت نايت ، وكأننا في مصر تحولنا إلى ميليشيات مسلحة من أجل كرة القدم..

من كان يتصور منذ شهرين لا أكثر أن شباب مصر المتهم بأنه شباب ( سيس آخر حاجة ) يمكن أن يصنع ثورة؟!

وليست أية ثورة، إنما ثورة ملهمة ومعلمة للعالم كله!

لقد أفقنا فجر العام الميلادي الجديد على كابوس الاحتقان الطائفي بتفجير مجنون أمام كنيسة القديسين لتحف البلاد مخاطر حقيقية ، فإذا بنا بعد أقل من أربع أسابيع نعلن حقيقة ناصعة أن مصر بمسلميها وأقباطها يد واحدة!!

قبلها بأسبوع واحد أجريت الانتخابات البرلمانية، وظهر النظام المصري المخلوع فرعونيا طاغوتيا متماسكا جبارا لا يمكن أن يتزحزح عن مكانه كأنه الجبل الجاثم على نفوس شعبنا ووطننا، وظهرت المعارضة متهافتة آيلة للسقوط، وكان أقصى أماني التيار الأبرز فيها هو فضح تزوير الانتخابات.. ورقصت وغنت أبواق النظام لعز وجمال، وبات مسلسل التوريث قاب قوسين أو أدنى..

ها هي مصر يا شباب وقد أسقطت نظام مبارك.. أسقطته حقا وصدقا.. لا تراجع ولا استسلام ولا تخاذل ولا ثورة مضادة.. سقط مبارك الأب وأخذ في ذيله مبارك الابن..

من كان يصدق ليلة 23 يناير وهو يتابع وقائع الاحتفال بيوم الشرطة، والعادلي يكيل الاتهامات ويتيه علينا بجبروته ، والرئيس المخلوع يطلق يد جهاز الأمن لفعل ما يراه مناسبا لحفظ البلاد. من كان يصدق أنه لن تمر أسابيع ثلاثة ويكون ( هامان ) وزير داخلية الفرعون ، يقبع في سجن طره في انتظار المحاكمة؟

وعز الذي رقصت له قواعد وقائم الحزب الوطني ، وتألمت من ضربته المعارضة في الانتخابات الأخيرة يقبع بجواره؟!

من كان يظن أن يحل مجلسي الشعب والشورى ، وتعاد صياغة أهم بنود الدستور ؟

وأن يتم الاتفاق أو الإعلان أن تجرى انتخابات شاملة في مصر في غضون شهور من الآن ، ليأتي من يمثل مصر عبر الإرادة الحرة النظيفة للشعب المصري..

قولوا لي بالله عليكم وفق نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة حيث لم يحصل ولا حزب معارض ولا قوة سياسية مصرية على النسبة التي تسمح بترشيح مرشح رئاسة، فهل لم يكن الحزب الوطني المحظور سينافس نفسه في تلك الانتخابات .. سبحان مغير الأحوال.. صرنا الآن نناقش الحظوظ الأوفر للمرشحين من بين ( البرادعي – عمرو موسى – حمدين صباحي – عبد الله الأشهل – وربما مرشح اخواني يظهر عما قريب )!!

يا شباب

لقد أنجزنا ثورتنا

ولقد نصرنا الله تعالى {وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ }آل عمران126

إننا أخرجنا للعالم مصر جديدة.. مصر مختلفة.. مصر قائدة ورائدة وقوية وأبية وشابة..

لقد انتصرت ثورتنا بحمد الله تعالى وفضله هذه حقيقة مؤكدة لا ريب فيها.. لم يقتصر الأمر على مصر وشعبها وحدها.. لقد حدث المد الثوري وتصدير ثورة شباب مصر إلى العالم العربي من حولنا، لا ننكر دور ثورة تونس الملهمة فلهم الفضل والسبق، غير أن نجاح ثورة مصر وهي ربع العرب سكانا، وأثقل دوله ميزانا ، أكد الهدف الذي أحرزه الشعب التونسي، ثورة تونس كان يمكن أن تمر دون أن تحدث تلك الهزة في المجتمعات العربية، باعتبارها حالة فريدة لا يمكن تكرارها وفق نغمة تكررت كثيرا قبل 25يناير أن مصر غير تونس ، وليبيا غير تونس، واليمن غير تونس..

ولكن بعد نجاح ثورة مصر الملهمة والمعلمة، أصبحت موازين القوى لصالح الشعوب، وقريبا تتحرر شعوب المنطقة كلها لتدين لشباب مصر وتونس بالفضل والسبق..

أبشروا يا شباب.. فلولاكم لما عاد الأمل، ولما أبصرت عيوننا النور من جديد.. بكم تنفسنا نسائم الصبح ، وعلى أيديكم الشريفة أشرقت شمسنا الغاربة طويلا طويلا، من حقكم أن تتنفسوا نسائم النصر ، وأن تبصروا ألوان قوس قزح بهجة وفرحة وأملا..

أما المخاوف والقلق، فإنما هو خوف الأم على وليدها الذي حباها الله تعالى به بعد طول لهفة وانتظار وترقب، فهو خوف مشروع وقلق مستحب، لكنه لا يمكن أن يتحول إلى يأس أو إحباط أو حزن، فإننا في حالة أمل متنامي وفرح دائم.. فلقد خرجنا لننصر الله، وحقا على الله تعالى أن يتم نصرنا وفرحتنا وطمأنينتنا..

والله غالب على أمره.. { وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ }الحج40