قطر تقود الثورات العربية بلسان الجزيرة
سلمان السلمان /أمريكا
[email protected]
أن أول الغيث قطر.
من خلال هذه العبارة سنحاول قراءة الواقع العربي من زاوية قد تدهش القارئ وتحرك
فيه عبارات التهجم أو المديح إذا تقاربت هذه الرؤيا من عقليته أو تباعدت.
أن الأمة اليوم تقود حالة من التفكير المتقدم والراقي في فهم الواقع الذي تعيشه
الأمم الأخرى ومستوى البعد النفسي في فهم قيمة الإنسان وأحقيته في اختيار النظام
الذي يتناسب وعقليته الرائعة في الانطلاق نحو الإبداع والاكتشاف ولكي يكون ضمن
أبجدية المعرفة الكونية واستخدامات التقنية العالية التي يتمتع بها المجتمع
المتقدم.
لذا عندما يرى الإنسان العربي مستوى الانحطاط في منظومته الحكومية والعقلية التي
تتحكم في إدارة شؤونه يتألم كثيرا ويحاول أحياننا أن يتهرب منها إلى بحبوحة أخرى
عله يتناسى هذا الفكر الهزيل الذي يهيمن على ثرواته ومصادره الحيوية وهو يدرك عمق
الفساد الذي يحط بهذه المقدرات كما انه يمتلك فكرا أوسع وحجما أعمق من فكر النفعيين
والوصوليين.
لذا كانت باحة الإنترنت ملتقى هذه العقول وساحة تبادل أفكارهم فأصبحت بديلا عن
مقاهي الخمسينيات للعهد الماضي .
كما أن هذه البحبوحة لم تكن بعيدة عن عين الرقيب العالمي و الحكومي.
أما الحكومي فكان يراقب من باب التنفيس لهذه العقول وكذلك كانت بوابة الإنترنت مصدر
يجني منها أرباحا كلما ازداد عدد الوافدين، ومن خلال هذه الأبواب وباب ثقته بسلطته
الحديدية غض الطرف عن ما يجري من حوارات داخل القرية العنكبوتية.
أما الرقيب الدولي فلم يكن متغافلا عن هذه النوافذ فكان يتابعها ويحاول أن يرسم
خارطة جديدة للأمة من خلال دراستها ووضع الاستراتيجيات على ضوئها لأنه اكتشف أن
الأنظمة الدكتاتورية بدأت تشيخ وسقوطها بات حتميا.
وعلى حين غفلة من جميع القنوات العربية الرسمية والأهلية ظهرت قناة الجزيرة
الفضائية تدعمها دولة قطر وبحرية دون حدود وبدولة خليجية تمتلك من الثروات التي
تؤهلها لأن تواكب متطلبات البث الحي وكثرة المراسلين في العالم دون وجل (وجع كلب)
كما يقول المثل العراقي.
استطاعت هذه الفضائية استقطاب كل الشخصيات المثقفة والأكاديمية والصحفيين البارزين
إليها.
فنجحت في كسب قلوب الجماهير العربية بتبنيها الرأي الآخر الذي يخالف منطق الأنظمة
العربية فكانت ملتقى التشفي العربي من الأنظمة الدكتاتورية الشمولية.
حتى أصبح تقديم طلب للعمل بفضائية الجزيرة يتم عبر (واسطة) وبأشراف متخصصين في
إدارة فن الحوار وخلق الفكرة ونقيضها.
نعم لقد انبثقت من المحظور لتشكل هيكلية عالية في الجودة والفن والرقي المتميز في
متابعة الأحداث بل واستطاعت أن تفرض فكرها في أحياننا كثيرة على الشارع العربي
وتسوقه نحو الأفق الذي ترمي إليه دون حرج أو خوف من الأنظمة.
لذا نحن نرى أن كل العرب مدينون لهذه الإطلالة النوعية، لأنها سوقت الإعلام العربي
بشكل حضاري وراقي في طرح المواضيع أمام العالم المتحضر، وهذا إنما يدل على وعي
المثقف العربي وقدرته على صياغة فن الإبداع والتألق وغسل الأدمغة.
كما استطاعت وبجرأة المحارب أن تنتقد النظام العربي الهزيل دون وجل أو خوف من توتر
في العلاقات العربية العربية.
فمن أين جاءت، وما الغاية من ظهور فضائية بهذا المستوى وبهذه الحرية وهذا الأفق
الواسع وفي بلد خليجي لا يتمتع بالتعددية ويحمل كل جينات النظام العربي المتسلط؟
قد يتفق معنا البعض أن للجزيرة أجندة غريبة.
أما أن تكون نابعة من فهم ووعي عميق من الأمير القطري حمد بن خليفة وزوجته الشيخة
موزة للواقع المزري للأمة العربية، أو قد يكون لديهم تصور ودراسة مستقبلية شاملة
للخروج من دائرة الخضوع والقنوع لرغبات الدول الكبرى، والدولة التي لا تمتلك رصيدا
شعبيا لن تكون قادرة على التعبير بحرية ومنطق.
أو قد يكون دافع الأمير نابع من النمطية الانقلابية التي يتمتع بها آل خليفة في
تجديد القيادات وعدم الركون للعقل الواحد والفكر الواحد، وآل خليفة لديهم سجل حافل
بالتجديد وقد كان آخرها تنحية والده الأمير خليفة بن حمد آل ثاني.
وفي كلا الامرين يتولد عندنا انطباعا ايجابيا في التعامل مع ما يصبوا إليه الأمير
لأنها تخلق حالة من الشعور بالمسؤولية تجاه قضايا الأمة.
وقد لمسنا هذا من خلال موقف قطر في حرب لبنان الأخيرة وحرب غزة وحرب صعده في اليمن
وأيضا تقريب وجهات النظر بين الفصائل اللبنانية والفصائل السودانية.
نحن اليوم أمام إرادة جديدة تحاول أن تتخلص من الماضي القديم وتنطلق بإرادة تغيرية
نحوا عالم أكثر حيوية ونشاط وأكثر ديمومة من النمط السائد في الكثير من الأنظمة
العربية.
والمتتبع لما تقوم به الشيخة موزة من أعمال إدارية تطويرية وبأسلوب حديث ولغة
عصرية واضحة دون لبس وهمس لا يستبعد أن تتبنى قطر هذه الرؤيا.
لذا نحن نعتقد أن الدولة القطرية تسير بوعي متقدم .
ولكن مع كل هذا السرد لابد لنا من التساؤل: هل يعقل أن الدول الكبرى وخاصة الولايات
المتحدة الأمريكية تسمح لقطر بلعب هذه الأدوار دون أن تحاول أن تضغط أو تمنع أو
تملي؟
والجواب على هذا السؤال قد يكون نعم ولكن هذه النعم يشوبها التشكيك، لأن دولة قطر
لها علاقة غزلية مع الولايات المتحدة الأمريكية وللأخيرة قاعدة عسكرية كبرى، وهناك
تعاون ثقافي أكاديمي عالي المستوى مع الولايات المتحدة فكيف ستسمح أمريكا لدولة قطر
أن تطيح بحلفائها الاستراتيجيين.
ومن خلال هذا التساؤل نستطيع أن نفهم أن المنطقة مقبلة على تغيرات جذرية سواء كان
هناك تنسيق أمريكي قطري أم لا.
لكي يطاح بالفكر القديم والحكم الفردي ليأتينا حكما يتماشى والمنظومة العالمية في
إدارة الدول من خلال بناء قاعدة ديمقراطية تلف فصائل الشعوب حول حكومة تنبثق من رحم
الأمة تستطيع القوى العظمى أن تبني معها علاقة قوية تضمن سلامة مصالحها.
ولكن هذا التفاؤل قد لا يكون منطقيا لأنه قد ينقلب السحر على الساحر فيكون الخاسر
الأكبر في المنطقة إسرائيل.
لكننا نقول أن لغة المصالح قد تتغير والوضع قابل للتبديل والقوى تتغير والوضع العام
العالمي يشهد تحولات نوعية في ميزان القوى الكبرى.
كما إننا نعتقد أن الولايات المتحدة أصبحت تشعر بعد حرب لبنان وحرب غزة أن إسرائيل
غير قادرة على الصمود إلى ما لا نهاية أمام قوة الشعوب الناكرة لوجود هذه الدولة في
قلب الأمة العربية.
كما أن القيادات العربية التي تحكم الوطن العربي جامدة غير متحركة لا تستطيع أن
تواكب عصر التطور والانفتاح في عالم يزهوا في الإبداع والتألق.
لذا نحن نعتقد أن المنطقة العربية ستشهد تحولات نوعية وأحداث قد تختلف من بلد إلى
آخر إلا أن الشعب العربي يحمل جينات متشابه ستغير المنطقة العربية نحوا الأفضل
والأجمل.
ولكن السؤال الذي لابد أن يكون حاضرا في هذا التحول الذي تقوده قطر بلسان الجزيرة
ألا يشمل هذا التغيير دولة قطر أيضا؟
فنقول في الوقت المنظور لن يكون هناك تعقيدات في قطر لأن الشعب القطري لا يتعدى
المليون وليس هناك جوع أو اضطهاد كما هو في البلدان العربية الأخرى ولكننا نعتقد أن
الجائزة التي ستحصل عليها قطر ستكون تمددا جغرافيا في المستقبل يكون لقطر النصيب
الأكبر في كعكة الأمة العربية وسوف لن يعترض أحد على هذا الدور لأنها ستكون صاحبة
الفضل في التغيير على الشعوب العربية وستكون الرائد الأول في هذه الفوضى لترتيب
البيت العربي.
لذلك نقول للأنظمة العربية أمامكم خيارين أما أن تلحقوا في هذا المشروع ويبدأ
الشروع فورا في بناء ترتيب البيوت حسب اللعبة الديمقراطية أو أن العاصفة قادمة ولن
تستثني أحد ألا أن يحدث حدث عالمي تتقلب فيه الوجوه.
وهنا لابد لنا أن نقول خاتمة القراءة أن الشعب العربي سواء كانت هناك مؤامرة أم لم
تكن سيكون الرابح في هذا الوتر التصاعدي.