المثقف موقف

شاكر فريد حسن

[email protected]

الثقافة في مدلولها وجوهرها العام هي موقف ذا طابع جدلي ، انها سباحة ضد التيار السائد وخلخلة البنى الاجتماعية الهيكلية القائمة، بهدف بناء وتأسيس بنى جديدة تتماشى وتتلاءم مع روح العصر ، ومن يسبح مع التيار تنتفى عنه سمة الثقافة.

وللمثقف دور هام ، ايجابي ومؤثر، تصب حصيلته المعرفية التنويرية في مجرى التحول الاجتماعي والثقافي والفكري واحداث التغيير الديمقراطي المنشود. ولا قيمة للمثقف الذي يزعم انه مثقف ولا يملك موقفاً تجاه الأحداث والتحولات الجذرية العميقة في مجتمعه ووطنه .

فكم من مثقف غاب عن ساحة الفعل النضالي الكفاحي والمواجهة مع المؤسسة السياسية الحاكمة من اجل مصالحه الخاصة؟!. ان هؤلاء ينتمون الى مجموعة المثقفين المزيفين والمنافقين والمدجنين الذي لا تتوفر لديهم الشجاعة والاستعداد لمثل هذه الصدامات والمواجهات.

وفي خضم الثورة المصرية المباركة التي فجرها وقادها شباب 25 يناير وقف القاص والروائي المصري البارز بهاء طاهر كالمارد، معلناً بصوت مجلجل انه يرد جائزة مبارك للآداب  ـ وهي أرفع الجوائز الثقافية في مصرـ  التي كان قد قبلها في العام 2009 ، وكما قال ، انه يردها بكل راحة الضمير بعد ان اهدر نظام مبارك الاستبدادي والاضطهادي دماء المصريين في ميدان التحرير.

وبهاء طاهر هو قاص وروائي مجدد ،ومبدع متميز ، ومثقف متنور حر وصادق، ينتصر للحرية ومواجهة قوى الطغيان والقهر والتسلط ، ثقافية كانت أو سياسية أو اجتماعية.،ولم يتخل يوماً عن ايمانه الراسخ بدور الثقافة المعرفية وحاجة الناس اليها ، حيث يرى فيها أداة للتغيير والتنوير ، ورسالة سامية ، وقضية انسانية ، والتزام وطني وأخلاقي ، ومرادفة للحرية والوعي والعطاء الشريف والنظيف الطاهر.

ان هذا الموقف الجريء الذي صدر عن مثقف مصري حقيقي يستحق آيات الاعجاب والثناء والتقدير ، ويضعه على الضفة الأخرى من النهر ، وعلى طرف نقيض من أشبه المثقفين وأيتام العهد البائد ومرتزقة الفكر ، الذين داهنوا وتملقوا النظام الدكتاتوري الفرعوني ، مثل جابر عصفور الذي تسلم وزارة الثقافة ، وحين رأى انبثاق خيوط فجر الثورة قدّم استقالته لأسباب صحية!.

فكل التحية والاحترام والاجلال لبهاء طاهر ، مع التأكيد على اننا بحاجة الى مثقفين أمثاله ، أصحاب مواقف،يمارسون دورهم التحريضي الفاعل والحقيقي في قيادة التغيير والحراك الثقافي والعمل النضالي الثوري بغية تحقيق الانصلاح السياسي والاجتماعي وتغيير الواقع. ومن الضروري ان يعيد الكثير من المثقفين العرب النظر في ممارساتهم ومسلكياتهم ومواقفهم ، لكي يدخلوا خانة المثقف الحقيقي ، والنزول الى مجتمعاتهم والعمل مع شعوبهم، والارتباط بهمومهم ،ومشاركتهم معاركهم الوطنية والطبقية الحضارية من اجل انجاز التحول الديمقراطي الجذري المأمول في كل المنطقة العربية.