مشروعنا الوطني
عباءتنا الوطنية.. خطابنا الوطني
زهير سالم*
نحلم بالتغيير. كل أبناء الشعب السوري يحلمون بالتغيير ولا أستثني. حتى الممسكون بالسلطة في وطننا يحلمون بالتغيير، يحلمون به على أنحاء مختلفة كما هي أحلام المحكومين بهذه السلطة. بعض الممسكين بالسلطة في عالمنا يحلمون بشعوب غيرنا!! هم عاتبون على القدر الذي ابتلاهم بنا. شعب مغفل أو مقفِّل كما يقولون. يحلمون أحيانا بمثل الشعب البريطاني أو السويسري أو السويدي، ولكن ما أن يتذكروا أن تلك الشعوب لم تكن لتمنحهم ثقتها، و هي إن فعلت فلن تجددها لأنهم على الأقل سيعيدون تقويم الإنجاز على أساس الأهداف: وحدة حرية اشتراكية، وأين نحن منها؟! وهم في تلك البلاد يملكون معايير دقيقة للقياس، فيصحو الحالم من حلمه على رعب.
نحلم بالتغيير، ونحلم بساحة التحرير، ولكن هل نحن مستعدون؟ هل نحن مستعدون لساحة التحرير بشروطها؟ لقد كان لساحة التحرير في مصر عباءتها الوطنية الموحدة. اجتمع في ساحة التحرير المسلم والقبطي، والليبرالي والقومي والإسلامي، اجتمع ابن الزمالك والمعادي مع ابن بولاق الدكرور، كانت هناك الفتاة المحجبة والمنقبة والمكشوفة، كان هناك الأزهري بعمامته، والقسيس بصليبه، وعازف الغيتار بآلته. وكانوا جميعا قد لبسوا العباءة المصرية فوق جميع العباءات الأخرى. لم يكن مطلوبا من أحد منهم أن يخلع خصوصيته، ولا أن يتنازل عنها، ولكن كان الجميع يعترف بالعباءة الوطنية المصرية، وكانت تلك العباءة قادرة على اشتمالهم برفق ولطف وشفافية. وقف المصري القبطي يحرس المسلمين عند صلاتهم، ووقف المسلم يحرس الأقباط عند صلاتهم، وكان نظام الاستبداد والفساد قد جعل الكثير منهم ينظر بعضهم إلى بعض شزرا..
يقولون إن عباءاتنا في سورية أكثر تعددا وتلونا، لا بأس علينا إذن أن نروض أنفسنا أو أن نوطنها، أو كما يقول المتصوفة أن نجاهدها حتى تجد العباءة الوطنية منا جميعا القبول والرضا والقناعة والحب والإيثار. سيقول لي هو أو تقول لي هي، أو أنت: ولكن.. سأقول لك حسبك لا تكمل علينا إذن أن نضرب سنوات أخرى في التيه، الذي نحن فيه. وقديما قالوا من مأمنه يؤتى الحذر..
وكان لساحة التحرير التي نحلم بها خطابها، ولغتها، وشعاراتها، وأهدافها. كان للمشروع الوطني فيها خصوصياته وكان كل الواصلين إلى الساحة كأنهم ملقنون ملهمون يدركون نواقض هذا المشروع فيمسكون عند خطوطها الحمراء بحزم وكأنهم دبلوماسيون مخضرمون. كانت الكلمات منتقاة على ألسن الجميع، كان كل لفظ أو مصطلح أو شعار مرسوم الحدود والأبعاد كأنه دولة منيعة ذات سيادة. وكانت المطالب تتصاعد بفنية وحرفية وكانت كل كلمة محسوبة بمقدار..
ما زلنا في الساحة السورية نعاني من أشكال من المعاندة والمكايدة، فريق يصر على أن مشروع الحب يمكن أن يرصف بألفاظ الكراهية!! فريق آخر يزعم أنه يؤكد على مشروع الوحدة الوطنية بادعاءات الفوقية!! ثالث يتحدث عن ثأر، ورابع يروي قصص الزير وكليب وجساس في الانتقام..
للمشروع الوطني منطلقاته وآفاقه ومعالمه وحدوده وله نواقضه أيضا. البعض يمعن في تقمص النقيض ليثبتوا شجاعتهم أو ليكسبوا تأييدا عارضا من مواليهم!! إن لم نحسن بعد كل هذا السنين غربلة أفكارنا وطرائقنا وأساليبنا وأدواتنا وشعاراتنا وألفاظنا فمن حق الشيطان أن يضرب على قوافي رؤوسنا: ناموا فإن عليكم ليلا طويلا. تلك التي نقضت غزلها أنكاثا. ما تزال بيننا تغدو وتروح.
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية