كيف ستحدث الثورة في سورية
محمد زهير الخطيب/ كندا
أسباب الثورة في سورية كثيرة منها الظلم والفساد والفقر والبطالة والتمييز الطائفي...،
الظلم، ويتجلى باستمرار إعلان حالة الطوارئ والاحكام العرفية والمحاكم الاستثنائية لعقود طويلة، ولعدم استقلال السلطة القضائية وفسادها، ولوجود قوانين جائرة مثل القانون 49 بخصوص الاخوان والمرسوم 49 بخصوص الكرد، والمادة الثامنة من الدستور بتسلط البعث على الدولة والمجتمع ووجود مئات المعتقلين وآلاف المفقودين وعشرات الآلاف من المهجّرين وأبنائهم وأحفادهم، غير ذلك...
الفساد: باطلاق يد عائلة أسد وأقاربه من آل مخلوف وشاليش ومن لف لفهم في نهب المال العام وتحويل البلد إلى مزرعة خاصة بهم، فرفعت أسد لم يخرج من سورية الا وخزينتها فارغة مما اضطر أسد الاب إلى أن يتسول له بضع ملايين من القذافي –على ذمة طلاس وزير الدفاع السابق- ، وجميل أسد مات عن خمسة بلايين تقاتلت عليها زوجاته حتى انفضح الامر وشاعت القصة، وباسل أسد قتل في حادث سير مريع وخلف وراءه بضعة بلايين في المصارف الغربية لا نعلم ما تم استرداده منها وما لم يُرَد، ورامي مخلوف شريك الرئيس يده محشورة في كل مشاريع ومناقصات الدولة التي يحصل عليها باسعار خلبية دون منافسة حقيقية ويمارس فيها الاحتكار وامتصاص دماء الشعب...
والبطالة التي ضربت أرقامها أعلى المستويات وخاصة في صفوف الشباب الذين يشكلون أكثر من نصف تعداد السكان...
والتمييز الطائفي الذي وضع جيش الدولة ومخابراتها ومفاصلها بيد حفنة من طائفة الرئيس العلوية، وإن كان أبناء الطائفة العلوية الكريمة مبرؤون من فعلته، ويشاركون باقي الشعب فقره وبؤسه وبطالته ولا ذنب لهم في التسلط العائلي الطائفي الذي سنّه الاب وتابعه به الوريث الابن.
هذه ستكون اسباب الثورة، ولكن كيف ستكون الثورة؟
خيار التدخل الاجنبي كما حدث في العراق يرفضه الشعب السوري واتفقت المعارضة السورية بكافة أطيافها على رفضه وإدانته وخاصة إعلان دمشق الذي مثل أكبر ائتلاف للقوى الوطنية الديمقراطية في سورية.
خيار العنف لم يعد مطروحا كذلك لان العنف يتولد عندما تُحرَمُ الضحيةُ من حقها في الدفاع عن نفسها ومن حقها في الاعتراض والتظاهر وعندما يريد سفاحها أن يذبحها بدم بارد في وضح النهار، عندها تلجأ الضحية إلى العنف -من حلاوة الروح- كما يقولون، وهذا لم يعد واردا في عصر الفضائيات والانترنت والفيس بوك، لقد شاركت الحضارة والتكنولوجية الحديثة في توجيه الضربة القاضية باقل الخسائر في ثورتي الياسمين في تونس ومصر، فلم يزد عدد الضحايا في تونس على مائة وخمسين وفي مصر على ثلاثمائة، بينما سقط في الثورة الايرانية عام 1979 ثلاثة آلاف قتيل، وسقط في حماة عام 1982أكثر من عشرين ألف شهيد، وقتل في ساحة تيانمين في الصين عام 1989 ثلاثة آلاف متظاهر، وقتل في ثورة اندونيسيا عام 1998 قرابة ألف شخص. ولا غرابة حيث أن الطغاة المجرمين كانوا يقومون بجرائمهم في تعتيم إعلامي شديد ولا يدري عنها العالم إلا بعد أيام ولاعن تفصيلاتها إلا بعد أسابيع.
لكم سرني أن أرى في مظاهرات المصريين في ساحة التحرير صوراً لمتظاهرين فتحوا كومبيوتراتهم وهم يتابعوا تغطية الجزيرة للاحداث التي يصنعونها هم بأيدهم، كان وجود التغطية يعطيهم الشجاعة والامل والصبر.
خيار التظاهر السلمي هو المرشح الاكثر احتمالا وخاصة بعد أن رسمت تونس ومصر لطالبي الحرية خارطة الطريق، غير أن هامش الحرية في سورية لا زال ضيقا إن لم نقل معدوما، وهذا يعني أن الانفجار سيكون قصيراً وقويا يتناسب مع إجرام السلطة وجاهزيتها للبطش.
ولكن علينا أن لا ننسى أن طليعة المتظاهرين ليست إلا العربون الذي سيدفعه الابطال الأحرار ليحرك الشعب ومؤسسات المجتمع المدني والجيش الذي هو من هذه القوى التي تشاطره همومه وتتنتظر القدوة والشرارة التي تلهب مشاعر الكرامة والتحرر والثورة كما حصل في نقابة الشغل وأحزاب المعارضة المتواضعة في تونس، وكما حصل في جامعات مصر وأزهرها وعدد مهم من مفكريها الذين تدخلوا ايجابيا في اللحظات الحرجة وكذلك جيشها الوطني الذي رفض أن يضرب أبناءه وإخوانه من أفراد الشعب، وهنا يحصحص الحق، عندما ينحاز الجيش الوطني إلى أبناء الوطن ويتخلى عن الفئة المستبدة الفاسدة التي ظهر عوارها وفاحت رائحتها وعرف القاصي والداني مقدار البلايين التي سرقتها من أموال الشعب، هذا الجيش الذي لا يستطيع الفساد أن يعبث به كله لان الفساد بخيل طماع يستأثر بالنهب لنفسه وللمافيا القليلة التي تدور حوله، وهذا يتطلب من القوى المعارضة أن تبذل جهدا كبيراً موثقاً في بيان فساد النظام المالي والاخلاقي وتعرية إرهابه وبطشه لكافة شرائح الوطن وأطيافه حتى تكون كلها على قلب رجل واحد عندما تدق ساعة الخلاص التي ما لها من مناص.
أن تصلح السلطة نفسها، هذا هو الخيار الاخير والذي هو أفضل الخيارات، أن تبادر السلطة الحاكمة ألى تدارك الامر باصلاحات حقيقة وليست خلبية كاذبة لان حبل الكذب قصير والعلم والاعلام أبطل سحر الحواة والدجالين، ولكن التاريخ يخبرنا أن نفسية الفرعون عصية على الصدق والاتعاظ ، حتى عندما انشق البحر أمام فرعون القديم فانه لم يتردد في أن يتجاهل دلالة الحدث ولحق بموسى يريد قتله وماعلم بأن في هذا اللحاق حتفه، أما فرعون الجديد (حسني) فقد قال له الصديق والعدو والقريب والبعيد أن عليه أن يستقيل ببعض الشرف فأبى في خطابه الثالث إلا أن يكابر ويفعل كما فعل فرعون القديم، أن يتجاهل أمواج الناس التي غدت كل فرق كالطود العظيم فغرق في لجاتها، وخرج على الناس ليعلن أنه مستمر في غيه وأن أنهار مصر لازالت تجري من تحته، حتى أتاه اليقين، والخزي المبين، وعندما سألته إحدى الصحافيات: ألا ترى مظاهرات الناس، قال: أنا لا يهمني الناس أنا يهمني الوطن!!! وأي وطن هذا أيها الاحمق عندما تحذف منه الناس؟
وسيرة السلطة في سورية لاتبشر كثيرا بخير، فبالامس أتحف الرئيسُ الصحافةَ بأن الشعب السوري منغلق وأن سورية تحتاج إلى جيل آخر ليتحقق الاصلاح!!! أي علينا أن ننتظر حافظ الثاني حتى يبلغ السادسة والثلاثين لينجز لنا الاصلاح!!! ألا يكفينا ثلاثين سنة جدب مع الاب وعشرة عجاف مع الوريث الابن؟ ومع ذلك فكل ما قلناه نبلعه وننساه إذا بادر الشاب الذكي الدكتور بشار إلى الاصلاح بصدق وإخلاص دون لف ودوران وفلسفة أصبحت مملة منه، واليوم الامر بيده، وغداً بيد القدر، ومن أدق التعليقات التي سمعتها عن حسني مبارك أنه كان متاخراً قليلا في كل الخطوات التي أقدم عليها عندما آذنت شمسه بالغياب، وإذا كان لمبارك بعض العذر في أنه كبر في السن وخرّف، فرئيسنا شاب وبكامل قواه العقيلة، وإنما نطلب منه واحدة، الصدق في الاصلاح، وأنا أول من ينتخبه رئيسا في دستور يعطي الرئيس مدتين فقط كل واحدة أربع أو خمس سنوات مع تصفير العداد، والذي لا يعرف معنى تصفير العداد يمكنه مراجعة أدبيات الرئيس علي عبد الله الصالح.