امة ضاقت بحاضرها فانتفضت ثم انتصرت

امة ضاقت بحاضرها فانتفضت ثم انتصرت

الشيخ خالد مهنا *

[email protected]

قديما قيل : ومن يعش ثماني حولا ....لا أبى لك يسام...ولكن مبارك المخلوع _ وما أزكاها من كلمة_ رغم أن عمره تجاوز ال( ثمانون) ظل إلى الرمق الأخير عاضا على السلطة ، حريصا ومجاحشا عليها يظن أنه خالدا مخلدا وانه بمنأى عن العقاب ، وغير مبال باتساع أحزمة الفقراء ، ومدمنا على التسول الخارجي دافعا من تسوله ثمنا باهظا من الذل السياسي ....وما بين غمضة عين وانتباهها تلفت حواليه وإذ ببركان الغضب يتفجر ، ليس ضد المغتصب الخارجي بل ضد" أنصاف الآلهة "الذين سرقوا قوت شعبهم، وكفروا بهم وسخروهم مطايا ، وساروا بهم عكس حركة التاريخ ...ولتثبت مصر التي ظننا بها سوءا ولتثبت  ثورتها التي لا تبقي ( أن كل جبار إذا ما طغى وسار في طغيانه يعصف ، أرسله الله الى مصر فكل جبار بها يقصف)....

ما حدث في مصر وقبلها تونس ولا ندري على من الدور ؟؟؟؟؟ اظهر أن كل الفراعنة والقارونيين  مجرد ديكور من خشب ، وان أحلافهم الورقية سرعان ما تنهار أمام إرادة شعب ............ 

ألا أيها الظَّالِــمُ المستَبِدُّ *           حَبِـيـبُ الظَّلامِ عَدُوُّ الحيــاهْ!

سَخِرْتَ بأنّــاتِ شَعْبٍ ضَعيفٍ *    وكفُّكَ مخضوبةٌ من دِمـاهْ!

وَسِرْتَ تُشَوِّهُ سِحْــرَ الوجودِ *    وتبذُرُ شوكَ الأسَى في رُبـاهْ!

رُوَيدَكَ لا يَخْدَعَنْك الرَّبِيــعُ *     وصَحْوُ الفَضاءِ وضَوْءُ الصَّباحْ

ففي الأفُقِ الرَّحْبِ هَوْلُ الظَّلام * وقَصْفُ الرُّعُودِ وعَصْفُ الرِّياحْ

حَذارِ فتَحْتَ الرَّمـادِ اللهيـبُ *    ومَن يَبْذُرِ الشَّوكَ يَجْنِ الجراحْ

تأمَّلْ هنالِكَ أنَّـى حَصَــدْتَ *     رؤوسَ الوَرَى وزُهُـورَ الأمَلْ!

ورَوَيَّت بالدَّم قَلْــبَ التُّرابِ *     وأشْربتَه الدَّمـعَ حتَّى ثَمِـلْ!

سيَجْرِفُكَ السَّيْلُ سَيْلُ الدِّماءِ *      ويأكُلُك العاصِـفُ المشتَـعِلْ

ولقد أظهر طاغية مصر الراحل أنه الرئيس الزعيم الذي لا يضاهيه أحد في وطنيته وولائه وأن الله يؤيد فلسطين والأمة به..واستطاع لفترة من الزمن أن يستميل الشعب إليه وكان في ذلك لئيم الكيد،دفيء الحيلة،يهودي المكر،فأظهر ما لا يبطن ثم ظهر باطنه على الملأ،وأفسد ونهب..... ولو استطاع لأبطل العيد وصلاة الجمعة ولشنق من المسلمين كل ذي رأي راجح   ،  وكل ذي عمامة، وكل ذي لسان ولبلغ من عناده وتجبره وتكبره أن يتبجح  ويرى هذا قوة،ولم يعلم أنه لهوانه على الله قد جعله الله كالذبابة التي تصيب الناس بالمرض،والبعوضة التي تقتل بالحمّى،والقملة التي تضرب بالطاعون... وهل فعل أكثر مما تفعل..

لقد جلب لشعبه  الفقر والذلة والأمراض ولهوانه على الله وتعجيلا له بالعقاب الدنيوي لم يشنق او يقتل   لان فعل ذلك  قد يجلب عليه بعض الرحمة.....لقد فّر من قصره الذي اشتراه من قوت الغلابا ... ومدّ الله في عمره... وأحياه في التاريخ ايام اخرى... كي يظل مصدر شماتة  وهو حي،ويتفرج وهو  يدبج له كل يوم النكات التي تغيظه.. ...

لقد اَصبَحَ كَثِيرٌ مِنَ المصريين َ يَعِيشُونَ غُربَةً وَهُم في أَوطَانِهِم وَبَينَ أَهلِيهِم وَإِخوَانِهِم، حُورِبُوا في دِينِهِم، وَاستُبِيحَت حُرُمَاتُهُم، وَتُجُسِّسَ عَلَيهِم في عِبَادَاتِهِم وجامعاتهم ، وَرُوقِبَت حَرَكَاتُهُم وَسَكَنَاتُهُم، وَفُرِضَت عَلَيهِم عَادَاتُ الكُفَّارِ فَرضًا، وأُطِرُوا عَلَى البَاطِلِ أَطرًا، وجُوِّعُوا بَعدَ ذَلِكَ وَاسَتُؤثِرَ بِالأَموَالِ دُونَهُم، وَهُضِمُوا حُقُوقَهُم وَضُيِّقَ عَلَيهِم في أَرزَاقِهِم، فَعَاشُوا مُصِيبَتَينِ عَظِيمَتَينِ تَعَوَّذَ مِنهُمَا النَّبيُّ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: مُصِيبَةُ الإِبعَادِ عَنِ الدِّينِ، وَمُصِيبَةُ الفَقرِ وَالقِلَّةِ.....وقد أحسن الشاعر وصف تلك الحقبة المظلمة حين قال بقلب يتفطر ألما وأملا :

حملناك يا مصر بين الحنايا....وبين الضلوع وفوق الجبين

عشقناك صدرا رعانا بدفء

وإن طال فينا زمان الحنين

فلا تحزني من زمان جحود

أذقناك في هموم السنين

تركنا دماءك فوق الطريق

وبين الجوانح همس حزين

عروبتنا هل ترى تنكرين؟

منحناك كل الذي تطلبين

سكبنا الدماء على راحتيك

لنحمي العرين فلا يستكين

وهبناك كل رحيق الحياة

فلم نبق شيئا فهل تذكرين؟!

فيا مصر صبرا على ما رأيت

جفاء الرفاق لشعب أمين

سيبقى نشيدك رغم الجراح

يضيء الطريق على الحائرين

سيبقى عبيرك بيت الغريب

وسيف الضعيف وحلم الحزين

سيبقى شبابك رغم الليالي

ضياء يشع على العالمين

فهيا اخلعي عنك ثوب الهموم

غدا سوف يأتي بما تحلمين

منذ أيام لم نذق طعم النوم إلا هنيهات نخطفها..

اليوم أسلم نفسي بخضوع مطلق لسريري كي يسيح بي في عالم عجيب..

اليوم أتقدم للتاريخ لأمشي معه مرفوع الرأس والهامة، كما أمشي في طريق مزهرة..بورقة..خضرة..أتقدم معه في الطريق الممتد علّ وعسى أن أعود إليكم وفي جعبتي كل جديد أخضر...

وقد روي عن الرسول الكريم قوله:  :

" إذا فتح الله عليكم بعدى مصر فاتخذوا منها جندا كثيفا فذلك الجند خير أجناد الأرض "  البخارى ، مسلم  وفى رواية أخرى .

فقال أبو بكر : ولما ذلك يا رسول الله

قال :   لأنهم فى رباط إلى يوم القيامة .

**وعن عبد الله بن عمر، قال : البركة عشر بركات؛ ففي مصر تسع، وفي الأرض كلها واحدة؛ ولا تزال في مصر بركة أضعاف ما في جميع الأرضين......

2 ***الحبل على الجرار

و لَقَد عَاشَت كَثِيرٌ مِنَ الشُّعُوبِ الإِسلامِيَّةِ غُربَةً شَدِيدَةً ولا تزال ، وَاقتَادَهُمُ الحُكَّامُ بِالقُوَّةِ وَالقَسوَةِ، حَتَّى عَادَ المَظلُومُ يَصرُخُ فَلا يَجِدُ مُجِيبًا  ولا يجد صدى ..واذا بالصمت المطبق يلف الكون وتحبس في الصدر الانات وتحبس الدموع رهبة من الجدران ..فلكل جدر اذان ، وَحَتَّى عَادَ المَلهُوفُ يَستَغِيثُ فَلا يَلقَى مُغِيثًا، فَنَشَأَت فَجوَةٌ سَحِيقَةٌ بَينَ الحُكَّامِ وَالشُّعُوبِ، جَعَلَت تِلكَ الشُّعُوبَ تَفُورُ غَلَيَانًا، فَلَم يُستَنكَرْ أَن تَخذُلَ حُكَّامَهَا مَرَّةً بَعدَ أُخرَى؟ ، وَأَصبَحَ مِنَ الطَبِيعِيِّ أَن تَتَحَوَّلَ تِلكَ الجَمَاهِيرُ مِن وَلائِهَا لرَئِيسِهَا الأَوَّلِ، وَتُسرِعَ بِالوَلاءِ لِمَن يَنقَلِبُ عَلَيهِ، وَأَصبَحَ النَّاسُ يَألَفُونَ مَنظَرًا لا تَقبَلُهُ العُقُولُ الرَّاجِحَةُ وَلا تَستَسِيغُهُ الفِطَرُ السَّلِيمَةُ، فَضلاً عَنِ الدِّيَانَةِ وَمَحَاسِنِ الأَخلاقِ وَدَوَاعِي المُرُوءَةِ، إِنَّهُ مَنظَرُ ذَلِكَ الرَّئِيسِ المُتَبَجِّحِ المُتَكَبِّرِ الظَّالِمِ، تَهتَزُّ لأَمرِهِ القُلُوبُ، وَتَرتَعِدُ لِنَهيِهِ الأَفئِدَةُ، وَيَخطُبُ الكَثِيرُونَ وُدَّهُ خَوفًا مِن بَطشِهِ وَسُلطَتِهِ، وَيَتَلَمَّسُونَ رِضَاهُ خَشيَةَ عُقُوبَتِهِ وَنِقمَتِهِ، وَتَأتي أَفوَاجُ المُتَزَلِّفِينَ إِلَيهِ فَتَركَعُ بَينَ يَدَيهِ، وَتُحَيِّيهِ في الشَّوَارِعِ وَتَهتِفُ بِاسمِهِ في السَّاحَاتِ، وَلا تَألُو في التَّقَرُّبِ إِلَيهِ بِكُلِّ وَسَائِلِ التَّقَرُّبِ، ثُمَّ لا يُفَاجَأُ وَدُونَ سَابِقِ إِنذَارٍ إِلاَّ وَتِلكَ الشُّعُوبُ الهَادِئَةُ الوَادِعَةُ تَتَحَوَّلُ بَينَ عَشِيَّةٍ وَضُحَاهَا إِلى أُسُودٍ ثَائِرَةٍ وَوُحُوشٍ كَاسِرَةٍ، وَتَنقَلِبُ بُحُورًا مِنَ الغَضَبِ هَادِرَةً مَائِرَةً، فَتَرمِيهِ بِحُمَمٍ مِن غَيظِهَا، وَتَصُبُّ عَلَيهِ جَامَّ غَضَبِهَا، فَإِذَا الَّذِي كَانَ بِالأَمسِ يُهَدِّدُ وَيَتَوَعَّدُ يَستَجدِي رَعِيَّتَهُ أَن يُخَفِّفُوا مِن ثَورَتِهِم عَلَيهِ وَيَعُودُوا إِلى رُشدِهِم، وَلَكِنْ هَيهَاتَ وَقَد فَاتَ الأَوَانُ وَتَخَلَّى الجَمِيعُ عَنهُ، لَقَد أَبعَدَ الظُّلمُ عَنهُ كُلَّ الأَصدِقَاءِ، وَلم يُبقِ الجَورُ لَهُ أَعوَانًا وَلا أَولِيَاءَ أَوفِيَاءَ، وَفَرَّقتِ المَصلَحَةُ عَنهُ كُلَّ مُنَافِقٍ كَانَ يَتَقَرَّبُ إِلَيهِ مِن أَجلِهَا، فَمَضَى إِلى عَالمِ الضَّيَاعِ وَحِيدًا، وَخَرَجَ مِن بَلَدِهِ وقصره وعاصمته  مُشَرَّدًا طَرِيدًا، لا تَذكُرُهُ الأَلسِنَةُ بِخَيرٍ وَلا تُثني عَلَيهِ، وَلا تَأَسَى عَلَيهِ القُلُوبُ وَلا تَأَسَفُ عَلَيهِ الشُّعُوبُ، لَكِنَّهَا أَنَّاتٌ المَظلُومِينَ تُنَغِّصُ عَلَيهِ عَيشَهُ، وَدَعَوَاتُهُم تُطَارِدُهُ قَائِمًا قَاعِدًا، وَلَعَنَاتُهُم تُلاحِقُهُ حَيًّا وَقَد لا تَنقَطِعُ عَنهُ مَيِّتًا.

فَسُبحَانَ مَن أَحيَا بِالعَدلِ القُلُوبَ وَأَنَارَ بِهِ الصُّدُورَ، فَانشَرَحَت لأَئِمَّةِ العَدلِ وَأَحَبَّتهُم، وَوَالَتهُم وَأَطَاعَتهُم وَدَعَت لَهُم، وَضَيَّقَ بِالظُّلمِ صُدُورَ المَظلُومِينَ وَقَسَّى بِهِ قُلُوبَهُم، فَلَعَنُوا وُلاةَ الجَورِ وَأَبغَضُوهُم وَقَاتَلُوهُم، وَصَدَقَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ حَيثُ قَالَ: ""خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُم وَيُحِبُّونَكُم، وَيُصَلُّونَ عَلَيكُم وَتُصَلُّونَ عَلَيهِم، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبغِضُونَهُم وَيُبغِضُونَكُم، وَتَلعَنُونَهُم وَيَلعَنُونَكُم"" الحَدِيثَ رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ.

في ظِلِّ العَدلِ يَعِيشُ الإِنسَانُ آمِنًا في سِربِهِ، مُطمَئِنًّا عَلَى أَهلِهِ وَمَالِهِ، عَابِدًا رَبَّهُ في هُدُوءِ نَفسٍ وَرَاحَةِ بَالٍ، مُؤَدِّيًا شَعَائِرَ دِينِهِ بِحُرِّيَّةٍ تَامَّةٍ، يُعطِي مَا عَلَيهِ كَامِلاً، وَيَأخُذُ مَا لَهُ وَافيًا، وَمِن ثَمَّ يَشعُرُ بِانتِمَائِهِ الحَقِيقِيِّ لِمُجتَمَعِهِ الَّذِي يَعِيشُ فِيهِ، وَفي ظِلِّ هَذَا الانتِمَاءِ يَعِيشُ المُجتَمَعُ مَتِينًا مُتَمَاسِكًا، شَدِيدًا عَلَى الأَعدَاءِ عَصِيًّا عَلَى المُتَرَبِّصِينَ، لا يَستَطِيعُ النَّيلَ مِنهُ أَحَدٌ بِسُهُولَةٍ؛ لأَنَّ كُلَّ فَردٍ فِيهِ يَعلَمُ أَنَّهُ إِنْ لم يُدَافِعْ عَن مُجتَمَعِهِ، فَإِنَّ الأَعدَاءَ سَيَسُومُونَهُ الذُّلَّ وَالهَوَانَ، وَمِن ثَمَّ يَقِفُ كُلُّهُ في مُوَاجَهَةِ أَيِّ تَجَاوُزٍ لِلنِّظَامِ أَو خُرُوجٍ عَلَى الأَحكَامِ.

وَأَمَّا حِينَ يَنتَشِرُ الظُّلمُ وَتَعُمُّ الأَثَرَةُ، وَلا يَجِدُ صَاحِبُ الحَقِّ مَلاذًا، فَإِنَّ الفَردَ لا يَشعُرُ لِذَلِكَ المُجتَمَعِ بِأَيِّ انتِمَاءٍ، وَمِن ثَمَّ يَعِيشُ المُجتَمَعُ مُتَنَافِرًا مُتَبَاغِضًا، يَتَحَيَّنُ كُلَّ فُرصَةٍ لِلإِيقَاعِ بِكُبَرَائِهِ، وَيَفرَحُ بِكُلِّ صَيحَةٍ عَلَيهِم لَعَلَّهَا تَكُونُ المُخَلِّصَةَ لَهُ مِمَّا يُعَانِيهِ مِن ظُلمٍ، وَمِن ثَمَّ يَهُونُ عَلَى الأَعدَاءِ اجتِذَابُهُ إِلَيهِم.

إِنَّ الدَّولَةَ في الإِسلامِ لم تَكُنْ يَومًا هِيَ المَسؤُولَةَ وَحدَهَا عَنِ الأَمنِ وَأَخذِ النَّاسِ بِالنِّظَامِ، غَيرَ أَنَّهَا بِعَدلِهَا في الرَّعِيَّةِ وَحُكمِهَا بِالسَّوِيَّةِ أَشعَرَت كُلَّ وَاحِدٍ مِنهُم بِأَنَّ هَذَا المُجتَمَعَ مُجتَمَعُهُ، وَأَنَّهُ يَستَحِقُّ أَن يَعِيشَ فِيهِ وَيَنتَمِيَ إِلَيهِ وَيُدَافِعَ عَنهُ، وَلَقَد فَهِمَتِ الرَّعِيَّةُ في المُجتَمَعِ المُسلِمِ المَحكُومِ بِالعَدلِ قَولَهُ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: ""اُنصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَو مَظلُومًا""، فَرَدُّوا الظَّالِمَ عَن ظُلمِهِ، وَأَخَذُوا لِلمَظلُومِ حَقَّهُ، فَنَصَرَ بَعضُهُم بَعضًا، وَعَاشُوا مُتَوَاصِينَ بِالحَقِّ مُتَوَاصِينَ بِالصَّبرِ، مُلتَزِمِينَ بِالنَّصِيحَةِ مُقَاوِمِينَ لِلمُنكَرَاتِ، فَأَفلَحُوا بِذَلِكَ وَأَخرَجُوا أَنفُسَهُم مِنَ الخُسرَانِ الَّذِي مُنِيَ بِهِ كَثِيرٌ مِن بَني الإِنسَانِ.

وَإِنَّ أَشَدَّ مَا يَجِبُ أَن تَحذَرَهُ الأُمَّةُ اليَومَ وَتَخَافَهُ تحقيقًا لِلعَدلِ وَاجتِنَابًا لِلظُّلمِ مَا بُلِيَت بِهِ مِن ثَنَاءِ المُنَافِقِينَ وحاشية السوء والبطانة  الكَاذِبِ وَقَلبِهِم لِلحَقَائِقِ، وَمُحَاوَلَتِهِم تَغيِيبَ الوُلاةِ عَنِ الوَاقِعِ، وَآخَرُونَ مِن وَرَائِهِم مِن بِطَانَةِ سُوءٍ فَاسِدَةٍ تَحُولُ بَينَ الوُلاةِ وَبَينَ الاستِمَاعِ لِنَصَائِحِ الأُمَنَاءِ المُخلِصِينَ وَشَكَاوَى المَظلُومِينَ.

وَإِنَّ مَا يَحدُثُ اليَومَ في بِلادٍ عَدِيدَةٍ مِن ثَورَاتٍ عَارِمَةٍ تَعصِفُ بِرُؤَسَاءِ الدُّوَلِ وَتُسقِطُ عُرُوشَهُم، وَتَقتَلِعُهُم مِن كَرَاسِيِّهِم وَتَطرُدُهُم مِن أَوطَانِهِم شَرَّ طِردَةٍ، إِنَّهَا لَتُؤَكِّدُ لِمَن كَانَ لَهُ قَلبٌ أَنَّ القُوَّةَ للهِ وَحدَهُ، بِيَدِهِ المُلكُ يُؤتِيهِ مَن يَشَاءُ وَيَنزِعُهُ ممَّن يَشَاءُ، وَيُعِزُّ مَن يَشَاءُ وَيُذِلُّ مَن يَشَاءُ، وَأَنَّ مَرتَعَ الظُّلمِ وَخِيمٌ وَعَاقِبَتَهُ سَيِّئَةٌ، عَن أَبي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: ""إِنَّ اللهَ لَيُملِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لم يُفلِتْهُ"" قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ "وَكَذَلِكَ أَخذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ" أَخرَجَهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ.

إن حكماً مستبداً كالذي أداره مبارك على امتداد ثلاثين عاماً لا بد أن ينتهي بهذه الطريقة، فنظام التبعية للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بمكونه الرئيسي "أجهزة الأمن والقمع" أنتج أسوأ ما يمكن إنتاجه من أنظمة الفساد، هذا النظام الذي أهان مصر وكبرياءها وجعلها دولة صغرى في المنطقة بعدما كانت تقودها وتوجه سياستها لعقود طويلة.

لقد جرح كرامة وطنه وخذل شعبه ليس في الشأن الداخلي والحريات العامة والاقتصاد فقط، بل وفي عروبة مصر ودورها كحامية لمشروع النهضة العربية التي يحلم بها شباب هذه الأمة منذ عقود، كما في قضية القضايا بالنسبة للمواطن المصري والعربي ألا وهي قضية فلسطين التي لم يتخل عنها فقط بل استخدمها مجرد ورقة يتلاعب بها لحفظ بعض الدور لنظامه المستبد والتابع.

يوم الجمعة الحادي عشر من شباط "فبراير" عام 2011 سيكتب بأحرف من نور في تاريخ مصر والأمة العربية، إنه أشبه ما يكون بصبيحة الثالث والعشرين من يوليو 1952.

نحن على أعتاب مرحلة جديدة بكل المقاييس ويمكن تلخيص المعنى العظيم لإسقاط نظام الردة في مصر العربية بالقول: من الآن سيفتخر المواطن العربي بقوميته وانتسابه لأمة أنتجت ثورة كثورة مصر وتونس و"الحبل على الجرار".

إن احتفالات المواطنين العرب من المحيط إلى المحيط تظهر كم كان شعبنا العربي متعطشاً لاستعادة بعض أحلامه المخذولة من حكام الذل والتبعية؟.

فهل يتعظ الفراعنة الآخرين وهل يعوا أن لكل فرعون موسى ؟؟

                

* رئيس الحركة الإسلامية في ام الفحم وضواحيها..

رئيس الدائرة الإعلامية في الحركة الإسلامية القطرية-الداخل الفلسطيني.