الثورة المصرية .. و.. عنق الزجاجة
محمد المصيلحي عودة
الخروج من عنق الزجاجة .. ليس نهاية المطاف .. ولكنه بداية لحياة جديدة ومختلفة
ويخطيء من يعتقد أن الثورة المصرية قد حققت أهدافها وسنقنع فقط بتغيير النظام
فتغيير النظام ما هو الا وسيلة لتحقيق أهداف أخرى كثيرة والثورة الكبرى التي دعت اليها وأشعلت شرارتها فئة من شباب الوطن فتجاوبت معها باقي فئات الشعب على تنوعها وتباينها على امتداد مصر كلها لم تعد ثورة الشباب فقط بل خرجت من هذا النطاق لتصبح ثورة شعبية قام بها الشعب المصري بكامله .. بكل حضارة وتمدن منقطعي النظير فصارت ثورة عصرية فريدة متفردة في كل سماتها لتتلاءم مع عصرها الحضاري وتتقدم شعوب العالم المتحضر لتأسس لعهد جديد وترسي قواعد جديدة في علاقة الشعوب بحكامها .. وكيف تتقدم لتطالب بحقوقها بالتي هي أحسن وتصمم على ذلك أو تنفض عنها غبار هذا الحكم المستبد المفسد عندما تنفك عرى العهد الذي بينها وبين هؤلاء الحكام الذين ينتشون بأبهة الحكم وتشط بهم الأطماع
وعندما تتداعى قوى الظلم وتنفك خيوط العنكبوت وينطلق المارد من مكمنه ويخرج من عنق الزجاجة .. فليس هذا بالتأكيد غاية المراد .. فحركات الشعوب في مثل هذه الحال تكون كالزلازل الكبيرة .. لابد أن تتبعها توابع مكملة للهزة الكبرى حتى تستقر الأوضاع .. على أقصى ما يمكن من ثوابت ودعائم الاستقرار
وأقصد بذلك الثورات الصغرى المكملة لحركة الثورة الكبرى .. فلا بد لكل نظام فاسد ومستبد من جيش من المستفيدين يمثلون أذناب وكهان ومروجين له في كل جانب من جوانب الحياة وعلى امتداد منافذ توزيع تلك الفوائد التي يؤسسها ويديرها ويشرف عليها ويحركها بأصابعه ذلك النظام البائد .. وكما يقول المثل القديم .. أهل مكة أدرى بشعابها .. فكذلك أهل كل مجال أدرى بما فيه من أذناب وكهان ظلو يكشفون سوءاتهم حتى الرمق الأخير دفاعا عن مصدر نفعهم وخوفا مما سيأتي به هؤلاء الشباب الطائش ( على حسب تصورهم القاصر ) ولهذا خانتهم بلاهتهم وبلادتهم عندما تبادر لذهنهم المريض أنها مجرد مظاهرة عادية كالتي تعودوا عليها وستقوم أفراد النمل المركزي بوخزهم بهراواتهم وأدخنتهم الطامسة للأنظار وسيتفرقون كما تفرق غيرهم من قبل .. ولم يتنبهوا إلى أن الأمر مختلف هذه المرة .. فظلوا متشبثين بغبائهم وأطماعهم كما تشبث كبيرهم الذي علمهم الجبن والخسة والدناءة وانعدام الحس إلى آخر مدى .. فرأهم كل من حولهم يرغون ويزبدون تمجيدا وتحميدا وتهليلا لولي نعمتهم وزعيم عصابتهم .. وهؤلاء هم مطالب الثورات الصغرى التي أقصدها
ففي كل ميدان وفي كل مجال هناك أذناب وكهان معروفون .. وأصحاب مناصب وقيادات في العمل يعرفهم القاصي والداني .. بتبعيتهم العمياء ونفختهم الكاذبة وانحناءاتهم التي قوست ظهورهم وترديدهم كالببغاوات ما كان يمليه عليهم أسيادهم زعماء العصابة أو من يعلونهم في سلم التدرج العصابي .. علينا بهم .. والمناداة بخلعهم وطردهم في توابع الثورة مهما لونوا من جلودهم ووضعوا أحدث المساحيق على وجوههم ليرسموا علم البلاد وينخرطوا في صفوف المؤيدين للثورة المجيدة .. ويترحموا على شهداءالثورة الذين سقطوا ودموعهم تسيل على خدودهم .. وقد كانوا بالأمس ( في نظرهم ) حفنة من الطائشين الغوغائيين
لابد أن نرقبهم ونفرزهم فرزا جيدا ونستأصل شأفتهم ليلحقوا بكبيرهم في غياهب النسيان
وهذا من دواعي تطهير الجراح كي تلتئم .. ويتوقف نزيف الدماء .. وينحسر سيل الأموال الممتصة من قوت الغلابة على أيدي هؤلاء الحواة الدجالين .. وعندها سيحين موعد الفرحة الكبرى لتعم الجميع .. وتكتمل الثورة
فالنشوة والفرحة الغامرة لم يحن وقتها بعد .. لأن الدرب طويل والمسئولية جسيمة .. و طي صفحة الفساد والمفسدين وتنظيف الجراح التي تركها هذا النظام البائد بلا شك سيتطلب من كل مصري سعيد بما تم تحقيقه الكثير من التضحيات وبذل المزيد من الجهود ..
فلنضع خطانا على الدرب الصحيح بهمة جديدة و طاقات متجددة وأفكار سديدة في كل حين
وكلي أمل بأن المصريين على مستوى المسئولية الخطيرة الملقاة على كواهلهم
فلنفتح قلوبنا للحياة .. ولنزرع بذرة .. لتنبت لنا في الغد شجرة تورق وتثمر وتظلل علينا جميعا فيما بقي لنا من عمر ولتضم تحت أفيائها وتنعم بثمارها كل الأجيال القادمة التي رسمت ملامح هذا الغد الجميل ودفعت ثمنا باهظا للخروج من عنق الزجاجة ..
و .. ها نحن قد خرجنا .. وتحررنا من نظام قام على البطش والمحسوبية والرشوة والبلطجة وألاعيب الحواة والدجالين
وعلينا أن نسأل أنفسنا .. ماذا بعد الخروج من عنق الزجاجة .. وهذا هو الأهم
مع خالص تحياتي