جمهورية برلمانية دستورية

جمهورية برلمانية دستورية

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

في ظل الصلف والاستعلاء ، والإصرار والاستكبار ، يصرّ النظام البوليسي الفاشي المتهالك على مصادرة إرادة الأمة ، واللف والدوران حول مطالبها المشروعة ، والإيحاء بأنه يستجيب مع أن استجاباته هامشية ترقيعية لا تمثل أية قيمة حقيقية ، فضلا عن استمرار تصوراته الإرهابية الاستعلائية تجاه الشعب ، حيث لم يدرك بعد أن آلة الكذب ، والدهاء الاستخباري ، والقمع البوليسي لن تمكنه من تمرير محاولاته الخبيثة لإجهاض الثورة المباركة ، أوتفريغها من مضمونها ، فهدف الثورة المباركة التي بذلت دماء غالية زكية هو إسقاط النظام البوليسي الفاشي الفاشل .

إن تفويض صلاحيات  الرئيس لنائبه ، وتعديل بعض المواد الدستورية ، وتعزية الشهداء بعد قرابة عشرين يوما من رحيلهم ، والإعلان مؤخرا عن وجع القلب نتيجة الإجرام الذي مارسه السافاك المصري المجرم ضد الشباب البريء ، لم يقدم شيئا مفيدا للأمة أو المستقبل ، لأن نظام الاستبداد البوليسي الفرعوني ما زال كما هو ، ولن يتغير بهذه الاستجابات الفرعية ..

إن الشعب يريد إسقاط النظام . أي تغييره وتحويله إلى نظام يضمن حريته بنفسه وبطريقة تلقائية ، وهذا يتمثل في إقامة نظام جمهوري برلماني دستوري ، يقوم على وجود سياسة حقيقية وسياسيين حقيقيين ، وليس على وجود موظفين أو هتيفة أو منتفعين يرتزقون من الانتماء إلى النظام البوليسي الحاكم وتشكيلاته الاستبدادية.

إن النظام البرلماني هو النظام الذي يقوم على وجود سياسيين ينتمون إلى الشارع ، وليس الصالونات المغلقة أو البروج المشيدة أو لاظوغلي بأقبيته الكئيبة ومكاتبه المرعبة أو الأحزاب الكرتونية العميلة التي يتقاتل زعماؤها على الولاء للنظام البوليسي الفاشي !

والنظام البرلماني الحقيقي يقوم على دستور توافقي حقيقي يحرص على مصلحة الأمة وليس مصلحة الفرعون ، وينهض بالسياسيين الذين يختارهم الشعب في انتخابات نزيهة لا تعرف التزوير المشين الفاضح  ؛ الذي كان ينفذه السافاك المصري وعصابات تاجر الحديد . وبعد الاختيار الحر لممثلي الشعب ؛ يتقدم صاحب الأغلبية لتشكيل  الحكومة التي يخضع أفرادها للقضاء مثل غيرهم من الناس ، ولا يتمتعون بحصانة تحميهم من المساءلة والحساب ..

باختصار شديد فإن النظام البرلماني الدستوري ، يقوم على برلمان قوي ينتمي إلى الناس في جموعهم الغفيرة والفقيرة بالدرجة الأولي ، يعرف مشكلات الناس ، ويحفظ آمالهم وطموحاتهم ، ويحقق ما يريدون في إطار العدل ورفع المظالم ، وقبل ذلك كله احترام آدمية الإنسان المصري بوصفه إنسانا كرمه الله ، وأوجب الحفاظ على آدميته من الامتهان والأذى والقهر والتنكيل .

إن تفويض رئيس الجمهورية صلاحياته لنائبه ؛ لن يثمر شيئا ذا بال ،لأن النظام البوليسي الفاشي لن تتغير طبيعته أو خصائصه ، وسيعود الإرهاب الذي يمارسه النظام كما كان بل أكثر بشاعة ، وخاصة حين يجعل الانتقام أحد أهدافه ، لذا فإن على جماهير شعبنا أن تتمسك بالتغيير كاملا ، وإقامة نظام جديد يقون على احترام آدمية البشر في هذا الوطن الصابر الذي تحمل كثيرا من تجليات الفرعنة المجرمة !

وأحسب أن الجماهير الثائرة تستطيع ببساطة شديدة من خلال زعمائها الذين أفرزهم الميدان ، أن تذهب إلى مبني المحكمة الدستورية العليا لتنصيب رئيسها  رئيسا مؤقتا للبلاد لمدة ستة شهور ، وتكون مهمة هذا الرئيس المؤقت محددة في الخطوات الآتية :

* إلغاء قانون الطوارئ الإجرامي الذي حكم مصر على مدى عقود طويلة ولم يستطع حماية الفراعنة من غضبة الشعب الأبي ، ووقف عاجزا في نهاية المطاف عن الوقوف في مواجهة الطوفان .

* حل المجالس النيابية والمحلية ، لأنها قامت على التزوير والولاء للنظام البوليسي الفاسد . ولا يصح أن تقوم بتعديل الدستور ، لأن المزوّر لا يمكن أن يكون حكما عادلا .

* تنظيم وزارة الداخلية من جديد ، بتحويلها إلى مؤسسة لحماية المجتمع وليس ترويعه وقهره ، مع حل السافاك ، ومحاكمة رموزه الذين أقاموا المسالخ الدموية  الوحشية للأبرياء والشرفاء ، وكذلك الضباط والأفراد الذين اقتدوا بالسافاك في تعذيب المواطنين وإذلالهم في أقسام الشرطة ومديريات الأمن والسجون التابعة للداخلية . ثم سحب الحرس الجامعي من الجامعات ، ورجال الأمن السري الذين يحركون الأمور داخل الجامعة ، والكشف عن الأساتذة والموظفين والطلاب الذين كانوا يعملون لحساب هؤلاء الرجال .

ويتوازي مع تلك الخطوات ، خطوات أخرى لتسيير الحياة اليومية وبناء النظام الجديد ، على النحو التالي :

* تشكيل حكومة مؤقتة من الكفاءات المدنية ، تعلم أن مهمتها إنقاذ اقتصاد البلاد والتأسيس لحكومة مدنية تحترم الإنسان المصري ، وتبحث في ترقية شئونه التعليمية والاجتماعية والزراعية والصناعية واليومية ومعالجة مشكلاته المزمنة والمتجددة ، وتحقيق العدل بين المواطنين على اختلاف توجهاتهم وطبقاتهم ، من حيث العمل والأجر والحقوق والواجبات .

* تشكيل لجنة من الخبراء المستقلين لصياغة دستور جديد للبلاد يتخلص من دساتير العصر الفرعوني الظالم ، وأقترح في هذا السياق استعادة دستور 1923م ، وتعديله بما يتلاءم مع النظام الجمهوري فهو أقرب إلى التعبير عن النظام الجمهوري البر لماني ، الذي يتمخض عنه البرلمان القوي الذي يختار رئيسا بروتوكوليا أو رمزيا أو شرفيا ، يملك ولا يحكم ، ويكون رئيس الوزراء هو المسئول أمام البرلمان الذي يحاسبه ويراقبه ويشرع له.

* تجري الانتخابات البرلمانية والمحلية لانتخابات مجلس النواب والمجالس المحلية والمحافظين ( باستثناء بعض المحافظات الحدودية التي تتماس مع العدو ) ، ورؤساء المدن والقرى ، على أن تكون المدة الزمنية لهذه المجالس وأولئك المسئولين هي أربع سنوات فقط ، وهي أربع سنوات لرئيس الجمهورية الرمزي أيضا ، ولا يجدد له أكثر من مدة إضافية واحدة .

وبالطبع على جيشنا أن يضمن هذه التعديلات التي يريدها الشعب ، وأن يتخلى عن النظام البوليسي الفاشي الفاشل ،وأن يعلم أن الشعب يعلق عليه بعد الله – أملا كبيرا ، في تقدير قيمة الدماء الطاهرة التي أريقت من أجل التغيير ، فالطغاة البغاة اللصوص يجب أن يذهبوا إلى حيث ينتظرهم مصيرهم الحق جزاء ما اقترفوه في حق البلاد والعباد !