يحز في نفسي
عابر سبيل
السيد الرئيس المخلوع: أكتب لك هذه السطور فى تلك اللحظة الفارقة من عمر الوطن بينما يتنفس الوطن ويستعد لبداية جديدة متخلصة من إرثك.
السيد الرئيس المخلوع: «يحز فى نفسى» ما فعلته ببنى وطنى خلال ٣٠ عاماً هى عمر حكمك، ومدة تصدرك المشهد، يحز فى نفسى أن تدعى أنك لم تكن يوماً طالب سلطة بينما أنت تقبض عليها منذ ٣٠ عاماً ولم تفكر أن تغادرها، قلت فى البدء إنك ستمضى دورتين وتمضى، لكنك واصلت البقاء، ولم تعلن نيتك مغادرة السلطة طواعية واختياراً، وإنما انصياعاً لإرادة شعب عظيم لم يعد يرضى بغير رحيلك بديلاً.
«يحز فى نفسى» أن تظل تتحدث عن خدماتك للوطن، وكأنك وحدك حاربت، وكأنك وحدك ناضلت، وكأنك وحدك جلبت النصر، فيما كان وراء كل ذلك شعب عظيم وقوات مسلحة باسلة كنت أحد أفرادها، لكن بطانتك الفاسدة ربما أقنعتك بأنه نصرك وحدك، وأنك وحدك من أعطيت للوطن، بينما هناك شهداء أعطوا أثمن مما أعطيت، ولم يأخذوا ذرة مما أخذت.
«يحز فى نفسى» أن تبقى تتحدث عن عطائك للوطن دون أن تذكر مرة واحدة عطاء الوطن لك، وأن تقارن ما منحته أنت للوطن، بما منحه الوطن لك، وما أخذته فوق هذا المنح الاختيارى من أشياء كثيرة لم تكن من حقك، وأن تحسب المكاسب والخسائر بأى معيار حتى لو كان «المقايضة»، لنرى معاً من خرج رابحاً بعد ٣٠ عاماً ومن خرج خاسراً.
«يحز فى نفسى» ما فعلته ببلادى التى تركتها ينخر فيها الفساد الذى تعترف به وأركان دولتك الآن، ويسيطر عليها الجمود، وتتراجع أمام دول العالم الذى مضى فى طريق الحرية وتداول السلطة والصناديق الانتخابية النزيهة، بينما بقيت مصر فى عهدك دولة فرد بصلاحيات مطلقة، ونظامك جهاز كبير لتزوير إرادة الجماهير، وقتل السياسة والأمل والمبادرة، وتراجع التعليم والخدمات والصحة والأخلاق أيضاً.
«يحز فى نفسى» ما فعلته ببنى وطنى، حيث تركتهم لسنوات بلا ظهر ولا سند من حكومة أو قانون، ومنحتهم جملة إلى رجال أعمال فاسدين نهبوا خيرهم، وقهروا إرادتهم، واستولوا على مقدراتهم على مرأى ومسمع منك، ومحاولاتك للإفلات من المسؤولية عن كل ذلك بتقديم بضعة أشخاص للمذبح، وكأنك كنت لا تدرى، تجعل اتهامك بـ«الجهالة» أقسى من إدانتك بالفساد.
«يحز فى نفسى» ما فعلته ببنى وطنى، حين حاولت ورغبت وأردت أن تتركهم ميراثاً لنجلك، وأن تفوض شؤون بلادنا العظيمة إلى شاب مغامر تحوطه الشكوك والشبهات، فيدمج السلطة مع الثروة أمام عينيك، فيما بطانتك تمجد فيه، وتدفعه بإرادة منك ظناً منكم أن هذا الشعب سلم إرادته إلى الأبد.
«يحز فى نفسى» أن تعتذر عن سقوط الشهداء وتعد بملاحقة الجناة، فيما أنت المتهم الأول، وسواك ليسوا إلا أدوات للقتل بين أصابعك.
«يحز فى نفسى» أن تتحدث عن الإصلاحات السياسية، وتعلن عدم الترشح، وتعد بنزاهة الانتخابات، ومكافحة الفساد، فتدين ٣٠ عاماً من عصرك، ولا تأتى استجاباتك اختياراً لتعبر عن قناعة، بقدر ما هى إجبار لإنقاذ الفصل الأخير من مأساة حكمك.
السيد الرئيس المخلوع: من صنع الاستبداد.. لا يمكن أن يصنع الحرية.. لهذا قلنا لك: «ارحل بخيرك الذى تظنه.. وبشرّك الذى نظنه».. ولنلتق على صفحات التاريخ..!