خطاب مفتوح لأوباما
حسام مقلد *
بسم الله الرحمن الرحيم
فخامة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية/ باراك أوباما الموقر
أحييكم بتحية الإسلام، وهي السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد:
بداية فخامة الرئيس دمتم بخير، وأسعد الله أوقاتكم بالمسرات الدائمة، وبقيت بلادكم منارة للعدالة والحرية والمساواة، واسمحوا لي فخامة الرئيس أن أعرفكم بنفسي فأنا إنسان عمره الحضاري أكثر من سبعة آلاف سنة، وقد أدركت وتعلمت وعرفت خلال هذه المسيرة الطويلة ما لم يتسَنَّ لغيري أن يدرك ويتعلم ويعرف، وانغرست خبرة هذه الحقب المديدة في جيناتي الوراثية التي أتقاسمها أنا وكل أبناء شعبي العريق.
فخامة الرئيس: بالطبع لا يخفى عليكم انبهار كثير من الشعوب بتجربة بلدكم الرائدة في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، وما أنجزتموه للبشرية من تطور تقني هائل، كما لا يخفى عليكم كذلك أهمية ما قدمه المصريون للبشرية من إسهامات حضارية عظيمة ـ مبكرا وعلى مر التاريخ ـ في مسيرة الحضارة الإنسانية، وقد اطلعتم شخصيا أثناء زيارتكم الشهيرة للقاهرة عام 2009م على جزء من الإرث الحضاري العظيم الذي تمتلكه مصر عبر عصورها المختلفة.
فخامة الرئيس: لقد سمعنا وسمع العالم كله خطابكم المؤثر الذي وجهتموه للعالم الإسلامي عبر جامعة القاهرة، وزاد من تأثيره في نفوسنا ما تتمتعون به فخامتكم من كاريزما خاصة تأسر السامعين، وقد سمعنا مرارا وتكرارا عن اهتمامكم واهتمام بلدكم الكبير بحقوق الإنسان، وحرصكم على أن تصبح جزءا من منظومة القيم العالمية التي تطبقها كل دول العالم، كما رأينا مؤخرا دعمكم غير المحدود لانفصال شعب جنوب السودان، وشاهدنا كيف قدمتم كافة وسائل المساندة والدعم السياسي واللوجستي لأبناء هذا الشعب لتحقيق رغبته في الانفصال، والآن دقت ساعة الحقيقة!! فهل ستنصفون الشعوب العربية وتساندون إرادتها الشعبية ورغبة الملايين العارمة في تحقيق الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية أم ستدعمون الأنظمة المستبدة التي تسحق شعوبها وتهين كرامة الناس وتعاملهم بكل أساليب القهر والقمع والجبروت، وتنشر فيهم كل صنوف الفساد والإفساد؟!
فخامة الرئيس: أنتم الآن أمام فرصة تاريخية ربما لن تتكرر لتثبتوا للشعوب العربية والإسلامية وتثبتوا للعالم أجمع أنكم عملا وقولا مع حرية الشعوب كل الشعوب دون انتقائية أو كيل بمكيالين، وتبرهنوا أنكم مع تحقيق الرخاء والتنمية، وتوفير العدل والمساواة والديمقراطية الحقيقية لكل بني البشر بغض النظر عن الدين والعرق واللون والجنس.
فخامة الرئيس: حقيقة أنتم أمام اختبار مصيري صعب ستقررون من خلاله موقف كافة الشعوب العربية والإسلامية بل وموقف كل أحرار العالم منكم، فها هو الشعب المصري بملايينه الثمانين وعراقته ورقيه وتاريخه وحضارته ـ التي ما تزال تلهم الشعوب قاطبة ومن بينها الشعب الأمريكي ـ ها هو يخرج عن بكرة أبيه مطالبا بحقه في حياة كريمة، وها هم ملايين المصريين: أطفالا ونساء وشيوخا وعجائز وشبابا ورجالا تردد حناجرهم في صوت واحد هتافا واحدا كتبت له العالمية "الشعب يريد تغيير النظام" لماذا؟! لأنه نظام ديكتاتوري ظالم مستبد يقمع شعبه ويكبته ويحرمه من حريته وحقوقه الأساسية، ويسلبه عزته وكرامته الإنسانية، وها هي الملايين من أبناء مصر الحضارة والتاريخ تعلنها مدوية: نريد دولة مدنية عصرية توفر لشعبها بكل أطيافه وشرائحه العدالة والحرية والمساواة، وتحقق الرخاء والتنمية، وتوفر له سبل الحياة الكريمة... فما موقفكم من هذه المطالب المشروعة التي يطالب بها ملايين المصريين؟!
فخامة الرئيس: لقد سمعتم وسمع العالم أجمع الشعب المصري: بمسلميه ومسيحييه، وأطفاله وشبابه، ورجاله ونسائه، وعلمائه وأدبائه، ومثقفيه وفنانيه، ونخبته وعامة الناس فيه ـ لقد سمعتموه يغني للحرية ويرفض القهر والظلامية والاستبداد، أيا كان نوعه، وأيا كان مصدره... فهل تقفون مع مطالب هذا الشعب العريق؟! هل تصطفُّون إلى جانبه ومعكم المجتمع الدولي وكل أحرار العالم أم ستقفون مع جلاديه وتدعمون نظام حكمه الغاشم المستبد الذي دهس بسياراته عشرات المتظاهرين في الشوارع، وقتل قنَّاصتُه المجرمون الأطفال والفتيات والشباب العزَّل ـ قتلوهم بالرصاص الحي، وبدم بارد بلا رحمة ودون وازع من دين أو خلق أو ضمير، كما هجموا عليهم بالخيول والجمال بعد أن أرهبوهم بدباباتهم وطائراتهم!!
فخامة الرئيس: إنكم بصفتكم الشخصية ومعكم بلادكم والعالم أجمع في اختبار حقيقي ينتظر نتيجته مليار ونصف المليار مسلم ومعهم مليارات أخرى من الأحرار المؤمنين بحرية الإنسان وكرامته في شتى أنحاء الأرض، فهل ستنصرون الحق والعدل وتثبتون أنكم حقا دعاة تحرر وعدالة ومساواة؛ فتكسبوا بذلك الموقف العادل تعاطف الشعوب معكم أم أنكم ستقفون الموقف الخطأ، وستدعون البراجماتية والانتهازية وعقلية القرون الوسطى تتحكم فيكم وتُمْلِي عليكم ما تفعلونه فلا تنظرون إلا إلى ما تتوهمون أنه مصالحكم ومصالح إسرائيل الإستراتيجية؛ فتتنكروا للأطفال والشيوخ والعجزة، وتمحوا بموقفكم هذا من نفوسنا وإلى الأبد ما تزعمونه من حرصكم على توفير العدالة والحرية والمساواة لكل بني البشر؟!
فخامة الرئيس: هذه ليست دعوة مني لتتدخلوا في شؤون مصر الداخلية، فأنا والمصريون جميعا نرفض ذلك رفضا قاطعا بكل حزم، ولن نسمح به لأي إنسان فوق هذه البسيطة، ودون ذلك دماؤنا وأرواحنا، لكننا جزء من هذا العالم ونريد تحقيق الخير والسعادة للبشرية جمعاء، ومن هنا نطالبكم بإرساء مبادئ العدالة والحرية والمساواة وتوفير حقوق الإنسان لكل الناس في جميع أنحاء العالم، كما تقضي بذلك كافة المواثيق الدولية... فهل ستقفون الموقف الصائب الذي ترتضيه الضمائر الحية، وتفرضه الأخلاق النبيلة، وتنتظره منكم جماهير الأحرار في شتى أنحاء المعمورة، أم ستنحازون لزمرة المتعصبين المتكبرين ضيقي الأفق الذين يعتبرون أنفسهم فوق البشر، ولا يرون في هذا العالم إلا مصالحهم، ولا يقيمون للأخلاق وزناً فيناصرون فقط كل من يظنون أنه سيحقق مصالحهم مهما كان ظالما أو فاسدا؟!
هذا وتفضلوا فخامتكم بقبول وافر التحية والتقدير، واعلموا أنني وملايين الناس من أمتي نتابع مواقفكم بكل دقة، ونأمل أن تكونوا مع حق كل الشعوب في الحرية والديمقراطية والكرامة كي يسود الخير والعدل والجمال كل ربوع العالم، "وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" [يوسف : 21].
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،،،
حسام مقلد
أحد شبان الثورة المصرية
* كاتب إسلامي مصري