حكم مدافعة البلطجية الذين يعتدون على الناس

أ.د. عبد الرحمن البر

حكم مدافعة البلطجية

الذين يعتدون على الناس

أ.د. عبد الرحمن البر

أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر

وعضو مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين

وعضو الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين

السؤال: من دافع بلطجيا واضطر لاستخدام آلة حادة أو تسبب القتل في مدافعته هل يدخل في الوعيد الشرعي الوارد في قوله صلى الله عليه وسلم: «إذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: إنَّهُ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ».

الإجابة: قال ابن حجر في الفتح (تعليقا على هذا الحديث):

«مَنْ قَاتَلَ أَهْل الْبَغْي أَوْ دَفَعَ الصَّائِل فَقُتِلَ فَلَا يَدْخُل فِي هَذَا الْوَعِيد لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي الْقِتَال شَرْعًا»

 ودفع الصائل هو «الدفاع الشرعي عن الأهل والمال والعرض والبيت أو الوطن، أو هو الدفاع المشروع عن الغير في كل هذه الأمور».

والصّيال حرام، لأنّه اعتداء على الغير، لقوله تعالى: ﴿وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ﴾.

وقول الرّسول صلى الله عليه وسلم: «كلّ المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه».

والاستسلام للصائل حرام لقوله تعالى: ﴿وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾. فالاستسلام للصّائل إلقاء بالنّفس للتّهلكة، لذا كان الدّفاع عنها واجباً. ولقوله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت إنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي، قَالَ: «فَلَا تُعْطِهِ مَالَك، قَالَ: أَرَأَيْت إنْ قَاتَلَنِي؟ قَالَ: «قَاتِلْهُ»، قَالَ: أَرَأَيْت إنْ قَتَلَنِي؟ قَالَ: «فَأَنْتَ شَهِيدٌ»، قَالَ: أَرَأَيْت إنْ قَتَلْته؟ قَالَ: «هُوَ فِي النَّارِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ، وَفِي لَفْظِهِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت إنْ عَدَا عَلَى مَالِي؟ قَالَ: «أَنْشِدْ اللَّهَ»، قَالَ: فَإِنْ أَبَوْا عَلَيَّ؟ قَالَ: «أَنْشِدْ اللَّهَ»، قَالَ: فَإِنْ أَبَوْا عَلَيَّ؟ قَالَ: «قَاتِلْ، فَإِنْ قُتِلْتَ فَفِي الْجَنَّةِ وَإِنْ قَتَلْتَ فَفِي النَّارِ»

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

وَفِي لَفْظٍ: «مَنْ أُرِيدَ مَالُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَقَاتَلَ فَقُتِلَ فَهُوَ شَهِيدٌ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ

وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.

فهذه النصوص وغيرها تدل بوضوح على وجوب الدفاع عن النفس والعرض والمال أمام البلطجية وقطاع الطرق الذين يتعرضون للآمنين.

حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أُرِيدَ مَالُهُ أَوْ نَفْسُهُ أَوْ حَرِيمُهُ فَلَهُ الْمُقَاتَلَةُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ عَقْلٌ وَلَا دِيَةٌ وَلَا كَفَّارَةٌ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَدْفَعَ عَمَّا ذُكِرَ إذَا أُرِيدَ ظُلْمًا بِغَيْرِ تَفْصِيلٍ، إلَّا أَنَّ كُلَّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ كَالْمُجْمِعِينَ عَلَى اسْتِثْنَاءِ السُّلْطَانِ لِلْآثَارِ الْوَارِدَةِ بِالْأَمْرِ بِالصَّبْرِ عَلَى جَوْرِهِ وَتَرْكِ الْقِيَامِ عَلَيْهِ». (نيل الأوطار)

وقد استنهض الإسلام عزائم المؤمنين للدفاع عن المستضعفين من الرجال والنساء والولدان: ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ﴾. (النساء:75)

ومن مسائل الْإِجْمَاعِ : أَنَّ مَنْ شَهَرَ عَلَى آخَر سِلَاحًا لِيَقْتُلهُ فَدَفَعَ عَنْ نَفْسه فَقَتَلَ الشَّاهِرَ أَنَّهُ لَا شَيْء عَلَيْهِ.

وقال في الفتح : «وَقَدْ اِتَّفَقُوا عَلَى جَوَاز دَفْع الصَّائِل وَلَوْ أَتَى عَلَى نَفْس الْمَدْفُوع».

كما ذكر ابن حجر في الفتح مشروعية دَفْع الصَّائِل وَأَنَّهُ إِذَا لَمْ يُمْكِن الْخَلَاص مِنْهُ إِلَّا بِجِنَايَةٍ عَلَى نَفْسه أَوْ عَلَى بَعْض أَعْضَائِهِ فَفَعَلَ بِهِ ذَلِكَ كَانَ هَدَرًا.

قال ابن جرير في قوله : «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَظْلَمَتِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» (أخرجه أحمد عن ابن عباس والنسائي عن سويد بن مقرن):

«هذا أبين بيان وأوضح برهان على الإذن لمن أريد ماله ظلما في قتال ظالمه والحث عليه كائنا من كان؛ لأن مقام الشهادة عظيم، فقتال اللصوص والقُطَّاع مطلوب، فتركه من ترك النهي عن المنكر،  ولا منكر أعظم من قتل المؤمن وأخذ ماله ظلما». (فيض القدير)

التكييف الشرعي لدفع الصائل: اختلفوا هل هو واجب على المدافع، أم هو حق له؟ والقول بالوجوب فيما يتصل بالنفس والعرض قول أكثر أهل العلم. أما الدفع عن المال فأغلب الفقهاء يرونه جائزاً لا واجباً.

والفرق بين الواجب والحق: أن الحق يتضمن التخيير بين الفعل والترك، والواجب لا تخيير فيه؛ كما أن صاحب الحق لا يعتبر آثماً بالفعل أو الترك، أما تارك الواجب فآثم شرعاً.

وبعض العلماء يفرقون بين حالة الفتنة وغيرها، ويجعلون الدفاع جائزاً مطلقاً في حالة الفتنة، أما في غير حالة الفتنة فيجعلونه واجباً مطلقاً.

شروط دفع الصائل: حتى لا يكون الأمر سببا لإثارة فتن في المجتمع فقد استنبط العلماء من النصوص السابقة شروطا لدفع الصائل يجب توفرها حتى يعتبر المصول عليه في حالة دفاع، وهذه الشروط هي:

أولاً: أن يكون هناك اعتداء أو عدوان، أما إذا كانت السلطات العامة تطبق واجباتها من القبض على متهم أو تفتيشه أو تنفيذ عقوبة محددة في محكوم عليه فهذا أمر مشروع، بل قد يكون واجبا.

ثانياً: أن يكون هذا الاعتداء حالاً، أما أن يكون مجرد تهديد لفظي دون وقوع اعتداء فلا يجوز دفعه باستعمال القوة ضد القائم بالتهديد، إلا إذا غلب على الظن أنه سينفذ تهديده فعلا.

ثالثاً: أن لا يمكن دفع الاعتداء بطريق آخر، فإذا أمكن الاحتماء برجال السلطة العمومية في الوقت المناسب أو استطاع المصول عليه أن يمنع نفسه أو يمتنع بغيره دون استعمال القوة والعنف فليس له أن يستعملها.

رابعاً: أن يدفع الاعتداء بالقوة اللازمة لدفعه، فإذا أمكن دفع الصائل مثلاً بالصياح والاستغاثة لم يدفع باليد، وإن كان في موضع لا يلحقه الغوث دفعه باليد، فإن لم يندفع باليد دفعه بالعصا، فإن لم يندفع بالعصا دفعه بالسلاح، فإن لم يندفع إلا بإتلاف عضو دفعه بإتلاف عضو، فإن لم يندفع بالقتل دفعه بالقتل. هذا والله أعلم.