نشر الوعي والفكر التنموي
لبنى شرف / الأردن
[email protected]
تجربة شبابية رائدة وفريدة، قلبت حال قرية من الفقر المدقع إلى
الإنتاج والتصدير والقضاء على البطالة. كان ذلك عندما اجتمع عدد من الشباب المتعلم
الواعي، الذي أهمه أمر قريته، وأيقن أن التغيير لا يهبط هكذا من السماء دون بذل ما
في الوسع وأخذ بأسباب النهوض والارتقاء، ولا بالاستسلام والاتكالية وإلقاء اللوم أو
انتظار المعونات من هذه الجهة أو تلك، وإنما بالبحث أولاً عن مقومات النهضة
والتنمية من موارد القرية نفسها، المادية والبشرية، واستثمارها، ثم التفكير في
الاستفادة من البرامج المؤسسية المطروحة لخدمة القرى.
كانت البداية بحصر فقراء هذه القرية، لإعانتهم بمشروعات صغيرة
تعفهم عن السؤال، ودعم غير القادرين على الكسب، وكذلك قام الشباب بحصر الأغنياء،
لأخذ الزكاة منهم ودفعها إلى مستحقيها من الفقراء والمحتاجين، وكذلك حثهم على
التبرع والصدقة، والمشاركة في المشروعات الخيرية المنوي عملها.
كان العمل منظماً، وانتظم الشباب على شكل لجان، والخطط التي
وضعوها لتنمية قريتهم كانت مدروسة بعناية، ومن الركائز التي اعتمدوا عليها في تأدية
مهمتهم، تآزر وتجميع الجهود لتكون النتائج أكبر وأنفع، وذلك بإشراك أهالي القرية في
مناقشة المشروعات التنموية والخيرية التي تخدم قريتهم، والمساهمة فيها بالمال
والجهد، فالقرية ليست للشباب وحدهم، وإنما ينبغي أن يشعر كل فرد فيها بأن له دوراً
يقوم به، ويتحمل جزءاً من المسؤولية تجاه قريته، وهذا أثمر نهضة وتطويراً شمل جميع
جوانب الحياة في القرية: التعليمية والدينية، ومحو الأمية، وكذلك الجوانب الصحية
والبيئية، وتوفير شبكات المياه النظيفة، والصرف الصحي، واستثمار الثروة الحيوانية
والزراعية في الإنتاج والتصدير، وكذلك التدريب على الحرف اليدوية والصناعات
المنزلية والحاسوب، وإنشاء محطة لسكة الحديد، ومكتب بريد، إلى غير ذلك من مشاريع
تنموية وخيرية كثيرة تعدت إلى القرى الأخرى أيضاً، فتغيرت ملامح القرية وقلبوا
صورتها رأساً على عقب، وحتى مدخل القرية الذي كان محل تجمع النفايات والقاذورات،
جمّلوه وصار كأنه حديقة غناء.
ومن النتائج التي جنتها القرية أيضاً، القضاء على البطالة
والفقر، بتوفير فرص عمل للقادرين على الكسب، ودعم غير القادرين.
لكُم أن تتخيلوا كيف ستكون مجتمعاتنا لو أن هذه التجربة
التنموية انتشرت وطُبِّقت في كل قرية وكل حي وكل مدينة، وكان هذا الوعي والفكر
التنموي والخيري، وهذا الجهد المنظم المتناسق، وهذا الإحساس بالمسؤولية، ثقافة عامة
يتربى عليها كل فرد؟
إن الشباب فيه طاقات هائلة لا ينبغي أن يُستهان بها، ونحن إن
لم نحسن استخراج وتوجيه هذه الطاقات واستثمارها في البناء، صرفت في الهدم.