"الاعتزال" طريقة فاعلة في التغيير السياسي

عبد الباري الثنيان

محمد جربوعة:

"الاعتزال" طريقة فاعلة في التغيير السياسي

عبد الباري الثنيان

قال الكاتب والمفكر الإسلامي محمد جربوعة أنّ فكرة "الاعتزال" يمكن أن تكون وسيلة ناجعة وفعالة للتغيير السياسي، خاصة وأن لها تأصيلاتها "الشرعية" و"الواقعية العملية".

وحسب جربوعة فإن النمطية تقتل أحيانا "بكارة الفكرة" ، لأنها تفقدها بريقها وإدهاشها وقوة تأثيرها، ضاربا مثلا بفكرة " حرق النفس" التي أشعلت ثورة في تونس لكنها تحولت إلى وسيلة غير مجدية بعد ذلك كونها قد تماهت مع المألوف والروتيني.

مضيفا، إن طريقة "الاعتزال" هي طريقة الأنبياء "وأعتزلكم وما تدعون من دون الله"..وهي المعروفة عند أهل الكهف : " وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله"..

أما عن تحديد شكل التطبيق العملي لفكرة الاعتزال باعتبارها وسيلة سياسية شعبية للتغيير ، فقال:

" ...أن يلزم الناس بيوتهم فلا يخرجون منها .. هو انقطاع شامل وعام عن الحياة..تعلق فيه على الشرفات والنوافذ والبيوت لافتات بالمطالب وبعبارات "الاعتزال".

مبرزا أن هذه الوسيلة تكتسب قوتها من ضعف أي نظام عن قمعها، فما الذي يمكن أن تفعله قوات الأمن في هذه الحال؟ تهاجم البيوت وتقتحم المساكن وتلزم الناس بالخروج؟

ولئن كان بإمكان قوى الأمن مثلا أن تقمع مسيرة أو مظاهرة احتجاجية في الشارع وهو مكان عام، فما الذي تفعله أمام هذه الفكرة الجديدة ؟ كل شيء معطل .. وعمليا لا يمكن اقتحام كل بيوت الناس بيتا بيتا لإخراجهم من منازلهم.

وأكد جربوعة أن هذه الطريقة لا تلحق أذى بالناس ولا بالممتلكات .. إنها فقط تضع "الآخر" أمام واقع "الحصار"، إنها تحاصره وتكشفه وتفارقه ليكون منبوذا وبلا محكومين.

 اللعبة السياسية محكومة بالتدافع ،والأقوى هو الذي يستدرج الآخر إلى معركة في مساحة له فيها المكنة والقدرة والنفوذ.

الأجواء الأمنية السائدة لا تسمح بمساحة واسعة من الرفض ،لذلك لا بد من ابتكار مساحات جديدة للاحتجاج والتغيير.

واستغرب جربوعة "غضب الأنظمة" من التحركات الشعبية مبينا أن هذا الذي يحدث هو "سنة الله في الحياة"، لأن التغيير هو الاستجابة لنواميس الكون، وما هو موجود اليوم لم يكن موجودا بالأمس، لذلك فمن الطبيعي أن تتغير الظروف والمعطيات.. لكن الدول القوية ليست هي تلك التي تقف في وجه التغيير الذي هو طبيعة الأشياء، بل هي تلك التي تستوعبه وتتبناه بطريقة فيها نفع للجميع ، مؤكدا على أنّ مواجهة التغيير تعني الدخول في خانة "اللاطبيعي" بكل احتمالات "اللامنطق واللامعقول" فيها.

وبالنسبة لموقف الخارج قال جربوعة إن الغرب يفهم هذه الأمور جيدا، لذلك فهو دائما ضد الذي يذهب به التغيير ومع الذي يجيء به..وهو ما يفسر المواقف المتقلبة وغير الثابتة لهذه الدول، فبالأمس كانوا يلمّعون منجزات الرئيس التونسي السابق(رغم أن القمامة لا يمكن تلميعها)، واليوم انقلبوا ضده وحولوه إلى "منبوذ" ومطلوب محتمل للعدالة.