ليست وهما ولا فرقعة
أ.د. حلمي محمد القاعود
[email protected]
قتل
أمين شرطة شخصا غير مسلم في قطار المنيا عند سمالوط ، وأصاب آخرين ، وقد تصدى له
شاب مسلم فأوقفه وتعرض للإصابة ، و قلل من الخسائر التي كان من المتوقع أن تصيب
آخرين بينهم العديد من المسلمين .أمين الشرطة المختل كما وصفته وزارة الداخلية ، لا
يعرف شخصية من أطلق عليهم النار ولا ديانتهم ولا بلدانهم ، ولكن اللوثة التي أصابته
جعلت حظه العاثر يقع في شخص غير مسلم .. فقامت القيامة ولم تقعد ..
رئيس الكنيسة بوصفه رئيس دولة ؛ قطع زيارته إلى أميركا وقرر العودة ليتابع الحدث
الخطير .
السلطة المذعورة قامت من فورها بتجنيد كل مستوياتها وأتباعها لتعالج الحدث ، وتقسم
بأغلظ الأيمان أن الحادث ليس طائفيا لترضي دولة الكنيسة ، وأرسلت في بادرة هي
الأولى من نوعها طائرة إسعاف ( الإسعاف الطائر ) لإنقاذ المصابين الذين ليسوا
مسلمين ! والتضامن الاجتماعي أعلنت عن رعاية أسرة القتيل والمصابين الذين ينتمون
إليه . ومعالي النائب العام قدم المتهم على الفور إلى محكمة أمن الدولة العليا ..
ومجلس الشعب طلب تقريرا عاجلا حول الموضوع .
على
المستوى الآخر فإن غير المسلمين في سمالوط قاموا بمظاهرات صاخبة ، وذهبوا إلى
مستشفى سمالوط العام ووقفوا هناك يعلنون احتجاجهم ، ويسبون النظام الذي يضطهدهم
ويقتلهم ، وقالوا في السلطة ما قاله مالك في الخمر ، ولكن كلاب الحراسة من أبواق
النظام وصفوا ما فعله المحتجون بأنه غضب مشروع أو غضب زائد يُغفر لقطعان التمرد
والتعصب ويسمح لهم بقول ما يريدون وفعل ما يشاءون !
قطعان الزرائب في منطقة المقطم التي تبعد عن المنيا أربعمائة كيلومترا لم تقصر في
أداء المطلوب فخرجوا للمرة الثانية يقطعون طريق الأوتوستراد ويحطمون السيارات
المارة ، وقاموا بالاعتداء على السادة الضباط والجنود الذين نقل بعضهم إلى المستشفي
مثلما ضربوا ضباطا وجنودا وأصابوهم في المرة السابقة عند تفجيرات القديسين
بالإسكندرية ، ولم يهدءوا أو يسكتوا مع أن مدير أمن القاهرة حضر بنفسه للتهدئة
والترضية ( على ماذا ؟ ) .
كلاب الحراسة في الصحف الطائفية والرسمية والتجارية ، راحت من جديد تعلن الحرب
بقسوة وجرأة على الإسلام والمسلمين ، وفتحت المجال للمتمردين الطائفيين ليكتبوا
كلاما له نغمة جديدة تعبر في أبسط ملامحها عن التحدي السافر للأغلبية المسلمة
ودينها ، ثم ساندتهم للمطالبة بقانون يسمى عدم التمييز ، وقانون موحد لبناء دور
العبادة ، مع الإلحاح على أن الأقلية مضطهدة ومظلومة ، وتعاني من المسلمين الظالمين
المفترين ؟!
كل
هذا يحدث في ظل الإعلان عن الدولة الطائفية التي يسمونها الدولة القبطية ، وقد
ترافق هذا الإعلان عن الدولة المنتظرة مع زيارة رئيس دولة الكنيسة إلى أميركا ،
وإجراء استفتاء الانفصال في السودان الشقيق .
بالطبع كان من المتوقع أن يرد رئيس الكنيسة في بيان رسمي يرفض هذه الدولة ، ويشجب
من أعلنها ويقرر حرمانه على الأقل مثلما يفعل مع من يعارضونه من الأساقفة
والعلمانيين ! ولكنه لم يفعل !
السلطة أيضا ، أعطتنا الأذن الصماء ( الطارشة بالمفهوم العامي ) ولم تشر من قريب أو
بعيد إلى هذا الأمر الذي يهدد الأمن القومي فيما يفترض ، فكل الذين أعلنوا عن دول
في المنفى منذ القرن العشرين أقاموا هذه الدول على أرض الواقع بمساندة الغرب
الاستعماري الصليبي ، الأكراد أقاموا دولتهم ، والمارون أقاموا دولتهم في جنوب
لبنان؛ وإن كانت الأحداث قد فكّكتها وهرب حكامها الخونة إلى كيان الغزو النازي
اليهودي ، وخونة الجنوب السوداني أوشكوا على فرش السجاد الرسمي في مطار جوبا عاصمة
الدولة الفاصلة بين مصر وإفريقية وليس السودان وحده لاستقبال الرؤساء العرب
والأفارقة للتهنئة وإعلان الولاء للمنتصرين الجدد ! وقريبا ستعلن دول أخرى على أرض
الواقع كما تشير الأحداث .
كان
يفترض أن يتكلم أحد في النظام المصري عن الدولة القبطية المعلنة ، ولكن يبدو أن
النظام مطمئن إلى أن هذه الدولة لن تمثل له قلقا ، وسيكون حالها مثل حال جنوب
السودان حيث قام الرجل المحترم الحاج جيمي كارتر – الرئيس الأسبق لأميركا – بطمأنة
النظام المصري وأقنعه أن الدولة الجنوبية السودانية ستكون طيبة وبنت حلال ، ولن
تتدخل في حصة المياه ، ولن تكون مركزا للغزاة النازيين اليهود يواصلون منه إمداد
الحالمين بإنشاء دويلات جديدة في النوبة ودارفور وشرق السودان وجنوب مصر !
أيضا ؛ فإن كلاب الحراسة الذين يعملون على شطب الإسلام والحرية من حياة الشعب
المصري سكتوا ، وقال بعضهم إن الدولة المعلنة خرافة ، وإنها وهم وفرقعة إعلامية ،
وشاركهم في الأمر عناصر من التمرد الطائفي في الداخل ، وانبرى بعضهم ليحرض الدولة
على السلفيين أو من يسمون بالسلفيين بوصفهم خطرا مرعبا ، ومصدرا للتعصب والظلامية
يهدد مصر ووجودها ، وقال بعضهم إن تجفيف منابع الطائفية – يقصدون الإسلام ! - يقتضي
التصدي للتطرف الإسلامي الذي يتمثل في اللحية والنقاب والمناهج التعليمية الدينية
الإسلامية والفكر الذي يصنع التعصب والوهابية القادمة إلينا من الصحراء ، والانترنت
الذي يشحن الناس بكراهية الآخر غير الإسلامي ... إلخ .
كلاب الحراسة تجاوزت كل الحدود بينما المسلمون يقتلون بلا ثمن ، ويموتون مجانا
سواء تحت التعذيب أو في الطرقات التي تقتحمها التريلات والمقطورات المملوكة لحيتان
النظام ، وتعجز السلطة عن اتخاذ موقف حازم يمنع تدفق الدم الإسلامي غزيرا على
الأسفلت !
في
يوم الأربعاء 12/1/2011 وحده – يوم قتل غير المسلم في قطار المنيا - قتل 36 ست
وثلاثون عدا عشرات المصابين ؛ من البسطاء المسلمين على الأسفلت في محافظة الشرقية
وحدها ، فما انتفضت السلطة ، وما أرسلت الإسعاف الطائر ، ولا قامت النيابة العامة
بتوجيه الاتهام إلى المسئولين عن الدماء الرخيصة المهدرة فوق الأسفلت !
وقتل سيد بلال بعد أربع وعشرين ساعة بعد وصوله إلى أمن الدولة الذي ذهب إليه سليما
معافى على قدميه ، ولكن أحدا في السلطة لم يشف صدر الناس ببيان عن الحقيقة ، ولم
يتحرك معالي النائب العام ليقول للناس إن من قتلوا سيد بلابل سيقدمون إلى المحاكمة
عاجلا أو آجلا ؟ ما أرخصك أيها المسلم في بلدك .. بلد الأزهر وعقل الإسلام وموطن
العدل والحرية كما يفترض !
لا
تسمح إمبراطورية الإعلام والصحافة التي تسيطر عليها الطائفة أو التي تملكها السلطة
للناس أن يعبروا عن آلامهم ، أو ينفسوا عن الكبت الذي يعتلج في صدورهم ، ولكنهم
يسمحون للمتمردين الطائفيين أن ينشروا ما يشاءون ، ولكلاب الحراسة أن يحمّلوا
الرئيس السادات سبب التمرد الطائفي فيقولون : إنه قال إنه رئيس مسلم لدولة مسلمة ،
وكان يجب أن يقول أنه رئيس مصري للمصريين . يا للعار! نبيع الإسلام ونحن الأغلبية
الساحقة لترضى حفنة من المتمردين الخونة باعوا بلادهم للغزاة اليهود والمستعمرين في
أميركا والغرب ؟ ياللعار أيها المرتزقة !
إن
المتمردين الخونة لا يسمحون بفرضية أن يكون حادث تفجير القديسين من تنفيذ خونة
المهجر بدعم من الموساد ، فتنشر المقالات والبيانات والشتائم والبذاءات لإرهاب كل
من تسول له نفسه أن يقارن بين عملية لافون وعملية تفجير القديسين ، وقد كتبت طائفية
متمردة تشرشح أساتذة فضلاء وتردح لهم على صفحات صحف معروفة ، في الوقت الذي تغلق
هذه الصحف وغيرها صفحاتها في وجه كل قلم متوضئ يخاف الله ويرفض الاستبداد والظلم !
رفض
الفرضية ينبع من واقع يقول إن الدم غير الإسلامي هو الأنقي والأصفى والأغلى ، أما
الدم الإسلامي فهو المغشوش والملوث والأرخص!
وهكذا تبدو الأمور مهيأة لإقامة الدولة القبطية الموعودة في جنوب مصر حقيقة واقعة
لا محالة وليست وهما أو فرقعة ، انطلاقا من واقع قهر المسلمين وإذلالهم على يد
السلطة الفاشية وإجبارهم على الصمت وتجفيف منابع الإسلام والبقاء في موقف المتهم
دائما والمطلوب لاحقا أو عاجلا ، فضلا عن تغوّل المتمردين الطائفيين وتحديهم
للأغلبية في صفاقة وبجاحة غير مسبوقين ، ثم سيطرتهم على الإمبراطورية الإعلامية
والصحفية ، فضلا عن الإمبراطورية الاقتصادية التي راحت تشتري كتّاب الحظيرة
ومثقفيها بالجوائز والمنح والامتيازات المرئية وغير المرئية !
ترى
هل يتحرك أحد من أجل أن تكون مصر دولة موحدة كما تسلمناها من مينا موحد القطرين ؟