على رأس العام الجديد
قضيتنا المتنحية
من يتقدم بها على الأجندة الوطنية والعربية؟
زهير سالم*
لا تحتل قضية شعبنا، قضية الأمن والعدل والحرية والمساواة في وطننا سورية ، موقعا تستحقه لا على الأجندة الوطنية، ولا على الأجندة العربية. ومع حجم المعاناة العامة بين قوسي الاستبداد والفساد, و امتداداتها وعمقها ؛ فإن هذه المعاناة تظل متوارية عن العقول والقلوب..
ملايين المواطنين السوريين داخل الوطن وخارجه يعانون ، وللمعاناة ألوانها وأسبابها. فهي حقوقية أو اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية ؛ يتسبب بها مباشرة الاستبداد والفساد. دون أن نخلي المكتوين بنار المحنة بحظ من المسئولية غير قليل؛ مسئولية فعل، ومسئولية صمت، ومسئولية ترك على السواء.
أطلق القرآن الكريم على ضحايا المحنة مصطلح ( المستضعفين )، وأوجب على كل صاحب فضل ( فضل قدرة، فكر أو ثقافة أو وقت.. )، تخفيف معاناة المستضعفين، و التضحية لرفع الفتنة عنهم. وللفضل في ساعة العسرة وساحتها أيضا تجلياته وأحكامه. يقول الصحابي الجليل في مثل هذه الساعة والساحة والرسول الكريم صلى الله وسلم عليه يشرّع برد الفضول على مستحقيها.. ( حتى ظننا أن لا حق لأحد منا في فضل ).
إذن كيف يمكن أن يتقدم مشروع وطني على طريق تخفيف معاناة المستضعفين من أبناء هذا الشعب الممتحن؟ وكيف نزيح عن الأفق العام لقطرنا مخرجا على طريقة الشاب التونسي في سيدي بوزيد؟ وكيف يمكننا أن نجعل معاناة شعبنا هماً حاضراً في كل قلب، ومشكلةً قائمة في كل عقل؟ كيف نعطي لهذه المعاناة، ونحن هنا نتحدث عن معاناة شعب وليس معاناة فرد أو جماعة أو حزب؛ الأولويةَََ التي تستحق، الأولويةَ التي لا تسمح لصانع المأساة أن يقزّمها أو أن يغطي عليها، ولا تسمح لأصحاب الأجندات المريبة أن يتواطؤوا على تجاهل شعبنا، وإخراجه من معادلة بناء الذات، والحيلولة بينه وبين المشاركة في مشروع نهضته والدفاع عن أمته وتحرير الأرض والإنسان؟
نبدأ بسؤال وننتهي عنده؛ إن هذا التقدم لن يكون حتى تحتل هذه المعاناة الأولوية على أجندة أصحابها المتضررين منها.لن تكون القضية أولوية عند أحد إن لم تكن أولوية عند أبناء شعبنا!!
عند القبر، وعندما يكون أهل الميت يشرقون في البكاء، يلتفت أحد المشيعيين إلى صاحبه يجامله : ربطة عنقك جميلة..؟!
السؤال الوطني الأول: هل لشهدائنا من بواك؟!!
البواكي الحقيقيون هم النخبة المهتمة التي لا يشغلها هم خاص عن هم عام، و النخبة القادرة التي لا يأخذ عليها الأفق عجز أو كسل، ولا يقعدها هم أو حزن..
إن وجود نخبة مهتمة قادرة هو المدخل الأول للتقدم بمعاناة شعبنا على مستوياتها الوطنية والقومية والإنسانية.
وطرحنا الابتدائي لمفهوم ( الاهتمام ) يعني أن يكون لدى الفرد استعداد للتضحية بوقت أو جهد في إطار( مشروع نهوض وطني) واضح المنطلقات والأهداف والوسائل.
مفهوم الاهتمام يعني أن يستأثر المشروع العام بالقدرة أو بالقدرات لا أن يستأثر بكل هذا المشروع الفردي الخاص.
أما مفهوم ( القدرة) فيتجسد في القدرة على إدراك الواقع بكل معطياته ( السلبية والإيجابية )، وإدراكه في أبعاده الدولية والإقليمية والوطنية، ومن ثم استنباط الطرق الأجدى في عمل وطني إيجابي بنّاء يتقدم بالمشروع إلى الأمام.
ويتجسد مفهوم القدرة مرة أخرى في قدرة الفرد على المبادرة، لتحديد ما هو مطلوب منه وليس انتظار ما يفعله الآخرون، أو مطالبتهم بما يفعلون، أو انتقادهم لأنهم فعلوا أو لم يفعلوا.
يتحدد مفهوم القدرة إذن في تكوين نفسي وفكري، وفي موقف يتجلى في رغبة في فعل، وسعي إلى مبادرة، وحرص على تعاون، وقبول بوجود شريك.
ولمفهوم القدرة هذا بعده الجماعي، لنلمح القوة المتعاظمة والمتولدة من اجتماع قوى الأفراد. وبينما تُعدم هذه القوى بعضها في مركب الشركاء المتشاكسين؛ تحدث مجموعة القوى المترادفة التقدم المطلوب. ولتترادف القوى وتتكاتف لا بد من الوضوح والصدق من أول الطريق.
مسلمات.
* مأساوية الواقع وثقل العبء المقدران لن يكونا مدخلين إلى اليأس والقنوط.
* التعامل مع الواقع بمسلمات سياسية مسبقة تفرض نفسها وكأنها حتمية تاريخية، أو حقيقة رياضية سيؤدي؛ إلى حصار الذات حتى التآكل.
* شعبنا يستحق الأفضل، وهو قادر على إنجازه. و في الفرصة المتاحة على ضيقها سعة لمن يريد أن يتحراها. وأهل الفضل يتحملون مسئولية شرعية ووطنية في التفريج عن المستضعفين، والتوسعة عليهم، ورسم الطريق أمامهم
* لا يتحمل زين العابدين بن علي وحده إثم الفتى المحترق في سيدي بوزيد. كل الساكتين عن الحق تخاذلا أو إخلادا إلى الأرض، أو إيثارا للعاجلة أو رغبا أو رهبا هم الشياطين الخرس شركاء في الإثم حمالون للوزر..
* المجتمع في الإسلام، وأولو الفضل في المقدمة من بنيه، يحمل إثم كل الانتهاكات التي تقع فيه. هل لديك طفلة في عمر طل .. تصورها مثل طل في وكر ذئاب، وتفرج صامتا!! ترى كيف نحن في عيني طل وأم طل ووالد طل..( فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ.. )
كيف..؟ وعلى ماذا..؟ يمكن أن نتعاون هو السؤال الأساس الذي يشكل مشروع العمل، ومفهوم التعاون الجماعي يعني المشاركة في تقديم العون..
والنخبة المهتمة القادرة هي التي تستطيع أن تضع مشروع الخطوة على طريق الألف ميل. الخطوة التي تمثل النجاح المحدود فتنعكس على الروح و النفس بالمزيد من الإشراق .
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية