نقلة في خطاب الأزهر
فهمي هويدي
اعتذار شيخ الأزهر عن عدم حضور مؤتمر الإخاء الإسلامى المسيحى الذى عقد فى دمشق يوم الأربعاد الماضى 15/12، لم يستوقف كثيرين، رغم أنه يعد وثيقة مهمة تستحق أن تقرأ جيدا. حتى أزعم أنه يعد نقلة فى خطاب الأزهر، الذى ظلت مواقفه محل لغط كبير خلال السنوات الأخيرة.
وتكمن أهمية الاعتذار ليس فقط فيما عبر عنه من اعتزاز بسوريا وشعبها ومن آمال كبار معلقة على اجتماع «ركنى الأمة»، وإنما أيضا فى الموقف الذى سجله الإمام الأكبر، وانتقد فيه مقررات سينودس الفاتيكان بخصوص مسيحيى الشرق.
كان وزير الأوقاف السورى، الدكتور محمد عبدالستار، قد دعا الدكتور أحمد الطيب لحضور المؤتمر الذى أقيم فى دمشق بالتعاون مع بطريركية الروم الكاثوليك لعرض ومناقشة مقررات السينودس
(الكلمة يونانية الأصل ومعناها مجمع، والإشارة هنا إلى انعقاد مجمع كنائس الشرق الأوسط الذى رعاه الفاتيكان فى الشهر الماضى وخصص دورته لبحث أوضاع المسيحيين فى الشرق).
لم يتمكن شيخ الأزهر من المشاركة فى المؤتمر بسبب ضغط شواغله، لكنه لم يكتف بالاعتذار عن عدم الحضور، وبعث برسالة قيل لى إنها أودعت ضمن وثائق المؤتمر.
وفى الرسالة التى أتيح لى أن أطلع على نصها ذكر أن المسلمين فى ماضيهم وحاضرهم حرصوا على أن تبقى المجتمعات المسيحية فى الشرق حية ومزدهرة، وأن يظل إسهامها فى البناء الحضارى قائما طول الوقت، وقد اعتبروا ذلك التزاما شرعيا باعتبار أن الإسلام لم يكتف بالاعتراف بالديانات السماوية التى سبقته، وإنما حفظ كرامة كل إنسان وجعل الاختلاف بين الناس سنة كونية، كما جعل العلاقة بين كل بنى البشر باختلاف أجناسهم وأديانهم على أساس من الأخوة التى تعبر عن نفسها بالبر والتراحم.
وفى حين قرر الإمام الأكبر أن الشرق الإسلامى وطن لكل أبنائه بغير تفرقة أو تميز، فإنه ندد بفكرة يهودية الدولة الإسرائيلية واعتبرها من قبيل الغلو وبلوغ «الدرك الأسفل فى مراتب العدوان والاحتلال».
حين تطرق إلى وثيقة المجمع (السينودس) فإنه رحب بما قررته من أن الصراع العربى الإسرائيلى يمثل عاملا أساسيا فى الضغط على المسيحيين، كما رحب بتأكيدها على أهمية أن يشارك المسيحيون بدور إيجابى فى مجتمعاتهم باعتبارهم جزءا أصيلا من مكوناتها جنبا إلى جنب مع شركائهم المسلمين.
لكنه انتقد فى الوثيقة أربعة أمور وصفها بأنها سلبية هى:
1ــ الإشارة إلى أن المسيحيين فى الشرق يواجهون الآن وضعا شبيها بما واجهه المسيحيون الأوائل، حين كانوا يعانون الاضطهاد وتخضع بلادهم لاحتلال الرومان (وهو توصيف غير صحيح وغير صحى).
2 ــ الإيحاء بأن الخطر على الوجود المسيحى يرجع إلى السياسات التى تتبعها الدول الإسلامية وإلى الضغوط الاجتماعية الناشئة عن تزايد الاتجاهات الإسلامية.
3 ــ الإشارات المتكررة إلى أن المسلمين لا يعرفون حرية العقيدة والضمير، وإنما يسمحون بحرية العبادة، وأنهم لا يستطيعون التفرقة بين الدين والدولة ولا يكفلون للمسيحيين فرصا متكافئة.
4 ــ الموقف المائع من القضية الفلسطينية الذى يطالب بإنشاء وطنين قوميين لليهود والفلسطينيين دون أية إشارة إلى الاحتلال الإسرائيلى أو الانسحاب من الأراضى المحتلة، أو وضع القدس.
يضاف إلى ذلك رفض المجمع فى الوثيقة للعنف أيا كان مصدره، فى مساواة بين الضحية والجلاد، وبين المعتدى ومن يدفع عن نفسه العدوان.
هذا كلام جديد على خطاب مشيخة الأزهر، ليس فقط فى تمحيص الوثيقة وموقفه النقدى لمضمونها، ولكن أيضا لما تضمنه من رؤية سياسية ناضجة لامست قضية الاحتلال الإسرائيلى بشكل مباشر. وتجنبت الدخول فى متاهات التفاصيل. الذى لا يقل عن ذلك أهمية أن شيخ الأزهر تبنى موقفا واضحا وشريفا دافع فيه عن المقاومة بمختلف أشكالها، ورفض المساواة بين المعتدى ومن يدفع عن نفسه العدوان.
حين فرغت من قراءة الرسالة خطر لى السؤال التالى:
هل أراد الإمام الأكبر برسالته أن ينبه مؤتمر دمشق فقط إلى مواضع الخلل فى وثيقة المجمع الكنسى،
أم أنه أراد أيضا أن يعالج البلبلة التى تحدثها تصريحات وزير الخارجية المصرى والمتحدث باسم وزارته بخصوص الشأن الفلسطينى، والعصبية التى تنتابهما حين يسمعا كلمة «المقاومة»، التى يعتبرانها رجسا من عمل إيران.