التحذير من آثار قصة الإفك
النداء السابع والخمسون
رضوان سلمان حمدان
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } ]النور21[.
يحكى أن عابداً في صومعته كان بجواره رجلان لهما أخت، فسافرا لأمر، وتركا أختهما في حراسة العابد، فكان كل يوم يضع لها الطعام أمام باب الصومعة لتأخذه فوسوس له الشيطان أن يضع الطعام على باب بيتها بحجة أنها لا تتجشم مشقة التعب والحضور إليه، ثم انتقل إلى خطوة أخرى، وهي أن يزيدها إكراماً فيطلبها لتأخذ الطعام ، ثم انتقل إلى خطوة ثالثة ورأى من وسوسة الشيطان أن المرأة في طول مقامها منفردة تلقى مشقة وتعباً فقد يكون من الخير لها أن تجلس معه ليسري عنها بالتحدث إليه فترة وجيزة ففعل، وهنا ينطبق الحديث « ما اجتمع رجل بامرأة إلا وكان الشّيطان ثالثهما »، فلما اجتمعا وقعا في التهلكة، لأن العابد مهما كان فهو رجل، والمرأة مهما كانت فهي أنثى، وفيهما الغريزة الجنسية ! فأنت ترى أن الشيطان جاءهما من طريق مؤثر، وهو في الظاهر خير، فحقّاً لا تتبعوا خطوات الشيطان، إنه للإنسان عدو مبين.
أبعد هذا يتوانى المسلمون في فهم الحقائق البشرية، وتطبيق قواعد الدين ؟! ومن العجب أن ينادى بعض المسلمين بالاختلاط بين الجنسين، ويجره الشيطان إلى هذا بحجة أن الاختلاط يمنع الوقوع في المعصية، وما علم أن الطبيعة البشرية أقوى، ولا يعدلها و يخفف من حدتها، ويوجهها إلى الوجهة العليا إلا الخوف من اللّه، وتلاوة القرآن ومدارسة الحديث، ومجالسة العلماء ، والانضمام إلى الجمعيات الدينية حتى يشغل فراغه ويصرف وقته في النافع، وإن أساس الوقوع في المعصية هو الشباب والفراغ والمال فإذا أمكننا صرف الشباب إلى الوجهة النافعة، وشغل وقتهم وفراغهم بالهوايات الصالحة النافعة كالرياضة البدنية وغيرها توصلنا بهذا إلى التقليل من وقوع الجرائم الجنسية. والنبي صلّى اللّه عليه وسلم قد عالج هذا الموضوع بقوله « يا معشر الشّباب من استطاع منكم الباءة - أى: النكاح - فليتزوّج وإلّا فعليه بالصّوم فإنّه له وجاء ». ولا شك أن في الصوم جنة، ورياضة روحية، وإضعافا للقوة الجسمية.
هداية وتدبر[1]
1. يا أيها المؤمنون المصدّقون باللّه ورسوله لا تسيروا في طرائق الشيطان ومسالكه، ولا تسمعوا لوساوسه وتأثيراته وما يأمر به، في الإصغاء إلى الإفك والتلقي له، وإشاعة الفاحشة في الذين آمنوا، فإن من يتبع وساوس الشيطان ويقتفي آثاره خاب وخسر لأنه- أي الشيطان- لا يأمر إلا بما أفرط قبحه وما أنكره الشرع وحرمه وقبّحه العقل ونفّر منه، فلا يصح لمؤمن طاعته، وهذا تنفير وتحذير صريح.
2. إنها لصورة مستنكرة أن يخطو الشيطان فيتبع المؤمنون خطاه، وهم أجدر الناس أن ينفروا من الشيطان وأن يسلكوا طريقاً غير طريقه المشؤوم! صورة مستنكرة ينفر منها طبع المؤمن، ويرتجف لها وجدانه، ويقشعر لها خياله! ورسم هذه الصورة ومواجهة المؤمنين بها يثير في نفوسهم اليقظة والحذر والحساسية، وحديث الإفك نموذج من هذا المنكر الذي قاد إليه المؤمنين الذين خاضوا فيه. وهو نموذج منفر شنيع. وإن الإنسان لضعيف، معرض للنزعات، عرضة للتلوث. إلا أن يدركه فضل الله ورحمته. حين يتجه إلى الله، ويسير على نهجه.
3. وحكمة تخصيص المؤمنين بالذكر هي أن يتشددوا في ترك المعصية، لئلا يتشبهوا بحال أهل الإفك.
4. كأن الشيطان له خطوات متعددة ليست خطوة واحدة، فإنْ وسوس لك من جهة، فتأبَّيْتَ عليه ووجد عندك صلابةً في هذه الناحية وجَّهك إلى ناحية أخرى، وزيّن لك من باب آخر، وهكذا يظل بك عدوك إلى أنْ يُوقِعك، فهو يعلم أن لكل إنسان نقطة ضَعْف في تكوينه، فيظل يحاوره إلى أنْ يصل إلى هذه النقطة.
5. والشيطان يوسوس للنفوس الضعيفة، ويزين لها الوقوع في المعاصي، عن طريق التدرج خطوة فخطوة حتى يتم له ما أراد، وإن خطوات الشيطان تكون فيما نحقر من أعمالنا « ولكنها تجرنا إلى المهالك ». فأعظم حادثة أو أكبر فاحشة لا تقع دفعة واحدة ، ولكن لها خطوات يضعها الشيطان حتى يتم له ما أراد. نظرة ... فكلام ... فموعد ... فلقاء .. فوقوع في المهالك ... وهكذا.
6. ذكر سبحانه العواقب الوخيمة التى تترتب على ترداد الإفك على ألسنة الناس؛ فإنه يترتب عليه فساد أمر المؤمنين وتشيع الفاحشة فى الذين آمنوا، وفى هذه الآية يشير إلى أنه من وسوسة الشيطان، ومن اتباع مسالكه، ونهى المؤمنين عن ذلك صيانة لأنفسهم، ولعقولهم.
7. قال ابن عباس: {مَا زكى مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً} أي ما اهتدى أحد من الخلائق لشيء من الخير ينفع به نفسه ، ولم يتق شيئاً من الشر يدفعه عن نفسه. وقال ابن زيد: "ما زكى" ما أسلم، قال: وكل شيء في القرآن زكى وتزكى فهو الإسلام.
8. للّه تعالى وحده الفضل في تزكية المؤمنين وتطهيرهم وهدايتهم، لا بأعمالهم.
9. الاستعارة اللطيفة [ لا تتبعوا خطوات الشيطان ] شبه سلوك طريق الشيطان، والسير في ركابه، بمن يتتبع خطوات الآخر خطوة خطوة بطريق الاستعارة البديعة.
10. جواب (مَنْ) الشرطية هنا حُذِف لأنه يُفهم من السياق، ودَلَّ عليه بذكر عِلَّته والمسبّب لَه، وتستطيع أن تُقدِّر الجواب: مَنْ يتبع خطوات الشيطان يُذِقْه ربه عذاب السعير؛ لأن الشيطان لا يأمر إلا بالفحشاء والمنكر، فَمَنْ يتبع خطواته، فليس له إلا العذاب، فقام المسبّب مقام جواب الشرط.
* فيا أيها المسلمون: لولا فضل اللّه عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا وكيف يسير الإنسان على الصراط المستقيم، وهو بين قائد ضال ودافع أضل؟ ولكن اللّه يزكى من يشاء، ويهدى إليه من ينيب، واللّه سميع عليم، ويعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور، وهو يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون. أليس في هذا خير لنا وهداية؟ نسأله التوفيق والسداد.
.......................................
المعاني المفردة[2]
تَتَّبِعُوا: تسلكوا. خُطُوَاتِ: الخطوات جمع خطوة وهي ما بين القدمين والخَطوة بالفتح المصدر. تزيين. طرق وأوامر ومسالك وآثار. الشَّيْطَانِ: هو المتمرد العاصي من الجن، فالجن مقابل الإنس، فمنهم الطائع والعاصي، والعاصي منهم هو الشيطان، وعلى قِمتهم إبليس. بِالْفَحْشَاء: بالقبائح من الأفعال. ما أفرط قبحه. وَالْمُنكَرِ: ما ينكره الشرع ويكرهه الله، وتنفر منه العقول السليمة. زَكَا: تطهر.
الإعراب[3]
لا: ناهية. تَتَّبِعُوا: فعل مضارع مجزوم بلا. خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ: مفعول به. وَمَنْ: الواو استئنافية مَنْ: اسم شرط جازم في محل رفع مبتدأ. يَتَّبِعْ: فعل الشرط. خُطُواتِ الشَّيْطانِ: مفعول به. فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ: الفاء: رابطة لجواب الشرط لأنه جملة اسمية. إِنَّ واسمها وجملة يأمر بالفحشاء والمنكر خبرها. وَلَوْلا: حرف امتناع لوجود امتنع عدم التزكية لوجود فضل الله تعالى ورحمته. فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما: نافية. زَكى: فعل ماض وفاعله مستتر تقديره هو يعود على اللّه. مِنْكُمْ: حال لأنه كان في الأصل صفة لأحد. مِنْ: حرف جر زائد. أَحَدٍ: مجرور لفظا منصوب محلا على أنه مفعول به. أَبَداً: ظرف متعلق بزكى. وَلكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي: الواو عاطفة ولكن واسمها وجملة يزكي خبرها. مَنْ يَشاءُ: مفعول يزكي. وَاللَّهُ: مبتدأ. سَمِيعٌ: خبر أول. عَلِيمٌ: خبر ثان أي أنه سبحانه سميع لمقالهم عليم بنياتهم.
المناسبة في السياق[4]
لما ذكر تعالى حادثة الإفك، أتبعها بالتحذير من سلوك طريق الشيطان المتربص بالإنسان الذي يدعو إلى السوء والشر والفساد.
القراءات
الكلمة |
القارئ - الراوي |
الشرح |
||||||||||||||
|
(خُطُوَاتِ) بضم الطاء حجتهم أن أصل فعلة إذا جمعت أن تحرك العين بحركة الفاء هذا المستعمل في العربية مثل ظلمة وظلمات وحجرة وحجرات وقربة وقربات وخطوة وخطوات وقالوا ولم تستثقل العرب ضمة العين قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا. |
|||||||||||||||
|
(خُطْوَاتِ) بإسكان الطاء وحجتهم أنهم استثقلوا الضمتين بعدهما واو في كلمة واحدة فسكنوا الطاء طلبا للتخفيف. |
[1] . التفسير المنير/ الزحيلي. تفسير الشعراوي. زهرة التفاسير/ محمد أبو زهرة. صفوة التفاسير/ للصابونى. الهداية إلى بلوغ النهاية/ أبو محمد مكي بن أبي طالب. التفسير الواضح/ الدكتور محمد محمود حجازى. في ظلال القرآن.
[2] . صفوة التفاسير ـ للصابونى. مختصر تفسير البغوي. تفسير الشعراوي.
[3] . إعراب القرآن وبيانه/ محي الدين درويش.
[4] . صفوة التفاسير ـ للصابونى.