الصراع المستمر
بين نقيضين فاشلين مع الأمل ببلورة نقيض ثالث
د.عبد الغني حمدو /باحث وأكاديمي سوري
لو تطرقنا لأنواع الفشل في حياتنا لكان من الصعب علينا إحصاؤها , ولكن عندما نحصرها في مجموعات , المجموعات المؤثرة والتي ينعكس أداؤها على الجميع , تبدأ من قمة الهرم في المجتمع , يصادفنا في طريقنا مجموعتان رئيسيتان
الأولى النظام الحاكم
والثانية المعارضة بكل أطيافها
فالنظام الحاكم عندنا لو قسنا أداؤه بمقياس أو وضعنا أداؤه الناجح بكفة ميزان , وأداؤه السلبي بالكفة الأخرى
فلن نجد في أدائه الناجح إلا, أنه استطاع الحفاظ على كرسي الحكم وللمحافظة على هذه الكرسي وتوارثه بشكل غير دستوري , وصنع الفشل في كل جوانبه الأخرى في الكفة المقابلة للنجاح , فكان التأثير على كل مفاصل الحياة في الدولة , لأن المحافظة على النظام لم ينطلق فيها من ضمير الشعب وحبه في مقابل تفانيه في خدمة مواطنيه , وإنما فرض ذلك بالقوة والقهر والقتل والتغييب والتشريد , وتحول لشخص شرس خائف من الرعية , جمع حوله شرار مجتمعه وانطلقوا معه بخطة محكمة الأطراف , أساسها الظلم والقهر وعنوانها الاستبداد والتأليه للحاكم والذي يجد من حقه بعد ذلك ملك الوطن بما فيه له ولزمرته وحاشيته ليكون لهم اليد الطّوْلى في الظلم والقهر وسرقة أموال الشعب والوطن
وكانت النتيجة فشل النظام في تقديم أي عنوان لبلده فيما عدا شعارات لا تغني ولا تسمن من جوع وسياسات براقة في ظاهرها , ُمفحمة في داخلها
الفشل الذي أصاب كل مفاصل الدولة وعناصرها ومقوماتها , انعكس بصورة سلبية على المجتمع , وتبين للكثيرين أن النظام يسير بوطنه للحضيض , وكانت النتيجة ظهور كيانات متعددة , هذه الكيانات تبنت سياسة مفادها , أن النظام فاشل وقمعي ومستبد وعلينا تغييره .
وتعددت تلك الكيانات وتفرعت عنها كيانات ومنظمات وأحزاب , ونادت بحمل السلاح , وهي ضعيفة جدا ولكن قوبلت بحرب طاحنة من النظام , وكان نتيجتها دماء الأبرياء وفشل السجون في استيعاب الأعداد الوافدة إليها , فكانت التصفيات الجسدية والتي بدأت منذ عدة عقود وما زالت مستمرة حتى الآن
وتبلور الوضع ليحمل صيغة كيانين متناقضين , كيان النظام ومواليه , وكيان المعارضة للنظام
فلو رجع كل فريق لنفسه وحلل بشكل مستقل أسباب الفشل وتوابعه والوسائل التي يمكن اتباعها لتقويم الفشل , منطلقا من مبدأ مفاده لولا الفشل ما عرف النجاح , لوصل الفريق حتما لمعرفة الأسباب والتي أدت إلى الفشل في مختلف شؤون الحياة , لكان من السهل عليه أن يقلب الظلم لعدل والسوء لخير والتخلف لتقدم
فنرى فريق النظام مصر على أنه هو الوحيد والمخول بكل شيء ولا ينقصه المعرفة ولا المراجعة , والفريق المعارض ما هم إلا عملاء مندسين همهم الوحيد هو الحكم وبأي صيغة كانت
وبنا فشله على أنه كل من ينتقد سياسة ولو كانت جزئية بسيطة لا تصب في دلو النظام , فهو خائن وعميل ويجب قهره وإذلاله كما نرى عندنا في اعتقال القضاة والمحامين والكبير في السن كالمحامي هيثم المالح والفتيات الصغار كطل الملوحي , لخشية النظام من منافس له على الفشل
وتبنت المعارضة سياسة تناقضها وكانت نتيجتها الفشل الكبير مع الخسائر الفادحة في صفوفها ومليء المعتقلات منها والتصفيات الجسدية والتشريد
أمام هذين الوجهين المتناقضين , النظام والمعارضة
مع تقاطعهما في نقطة عدم البحث عن أسباب الفشل , وكأنهما وجهان لعملة واحدة , فلا المعارضة استطاعت أن تكتشف أسباب فشلها ومحور ارتكازها كان على خطيئة النظام التي لا تغتفر , مع إهمال خطئها هي وفشلها الكبير في أنها لم تستطع تغيير النظام , أو الحد من فساده وظلمه وانتشاره وإنما كانت مرتكز النظام لتبرير الفساد والإسبداد والسيطرة الأمنية المطلقة وجمع كل السلطات بيد شخص واحد مع غياب الدستور وغياب القانون إلا فيما يخص النظام نفسه ورجالاته
نتيجة للإيديولوجيات الحزبية والتعصب الضيق في المجموعات المعارضة , والذي كان نتيجته انفراد كل فريق بما تقتضيه سياسة انتمائه في أن يتشتت الهدف , والصراع يكون متشتتا ً وهذا التشتت يصب في مصلحة النظام وبقائه مدة أطول وأطول بكثير مما كان يحلم فيه.
واتفقت غالبية فصائل المعارضة وبدون اتفاق كل من مكانه ليعبر عن سياسته في أن ينادي بالتغيير السلمي , وعن طريق الإصلاح البطيء
وكان الفشل أيضا من تبني هذا النمط , ويزداد النظام تمسكه بالفشل , وذهب عنه الخوف في أن معارضيه لن يزيحوه عن الحكم بالقوة , وأصبحت المعركة مجرد كلام بين الطرفين , وأحيانا يقابلها ابتسامات وبوس الشوارب , وأحيانا شتائم وحواشيها
فالمعارضة فشلت في التغير عندما حملت السلاح , وتبعها فشل مماثل في اختيار النهج السلمي , وهي مازالت مصرة على عدم مراجعة ودراسة العوامل والأسباب والتي أدت لهذه النتيجة
والخلاصة أننا وصلنا لحال يدعو لليأس والقنوط , وأن الحال يبقى كما هو عليه , منتظرين معجزة من السماء
ولكن كما خلقنا الله تعالى بشراً ووهب لنا عقولا وحواس ومقدرة على التفكير والحركة والتعلم من التجارب وأن الفشل لا يعني بالضرورة عدم النجاح ,وإنما يعني أن الإنسان لم يصل لهدفه بعد
من بين نقيضي الفشل ظهرت أصوات جديدة تزداد يوما بعد يوم , عندها أمل وأن الوقت لم يفت بعد
بنت إيديولوجيتها على الأسباب والعوامل التي ساهمت في الفشل فرأت , ولخصتها في نقاط قليلة , بعيدة عن التفاصيل المملة والمشتتة , ووضعت أمامها الأهداف الآتية :
1- الوطن للجميع وليس للرئيس وعائلته وحاشيته2- العدالة , الكل متساوون أمام القانون من القمة للقاعدة (فصل السلطات)3- الحاكم يختاره الشعب ويسقطه الشعب في صناديق الانتخابات4- المساواة بين المواطنين بغض النظر عن انتمائه العقدي أو الاثنيهذه الأهداف المشتركة والمهمة للجميع , واجتماع أكبر عدد من المؤيدين لها , فيكون عندها اختيار الوسيلة لتحقيقها
ويجب تحقيقها , فإن تحققت بالوسائل السلمية يكون الربح كبيرا أكثر مما لو تحققت بوسائل أخرى كالحرب على سبيل المثال ,
وهذه الفئة بدأت بالتبلور ولكن ينقصها الدعم البشري والمعنوي في أن يصطف معها لتحقيق أهدافها كل من هو غير راض عن سياسة النظام , وهي لا تسقط من حسابها الثورة الشعبية والعمليات القتالية , وفي نفس الوقت يدها للسلم الأهلي ممدودة ولا هوادة مع هذا النظام , فإن رحل بدون سفك دماء فيكون قد أراحهم من نجاسته , وإن بقي مصراً على فشله فلن يجد من يرحمه عندها , وكذلك المعارضة الفاشلة بصنوفها وأشكالها المتعددة
عليها أن تستفيد من فشل تشتتها وتقلباتها وتتفق على هذه النقاط ليخرج النجاح من قلب الفشل الذي نعيشه.