الأطفال فريسة سهلة للكلاب البوليسية
هيثم الشريف/فلسطين
الطفل محمد نجم:علاجي الكيميائي من مرض السرطان أثار الكلاب فنهشت لحمي!!
الفتى محمد قاسم:إضطر والدي لأن يحمل جسدي من جهة والكلاب البوليسية من جهة أخرى،وجرني الكلب طابقين!!
رغم مرورعدة سنوات على مجزرة مخيم جنين ، إلا أن الطفل (محمد نجم) ، والمصاب بمرض سرطان الدم منذ نعومة أظفاره، يعاني من مرارة ما جرى له آنذاك، حين إستثارت العلاجات الكيماوية التي كان يتلقاها، كلابا بوليسية مرافقة للقوات الإسرائيلية، فبدأت تنهش لحمه، وذلك ما عبّرعنه الطفل محمد بكلماته العامية البسيطة واصفا ما جرى له حين كان عمره (8 (سنوات " لليوم بخاف من الكلاب، لأني بشوفها في أحلامي. وبنساش كيف صحّونا الجنود الساعة (4) الصبح، وفلتوا الكلاب علينا، وواحد منهم عضّ إيدي اليمين لخمس دقائق، بعد ما حشرني بزاوية، بعيد عن أهلي، مع هيك أمي صفرنت( أغمي عليها)، وبعد ما رحت للمستشفى، أخذوا قطعة من لحم ساقي لتغطية مكان العضّة لان العظم كان ظاهر، وضلّيت بالمستشفى (12) يوم".
أما الفتى محمد فضل قاسم ( (16 سنة، من ذات المخيم، فلا تختلف قصته كثيرا، حيث لا زال يذكر جيدا ما فعلته به الكلاب البوليسية، حين هدمت القوات الإسرائيلية منازل المخيم على رؤوس من فيها، حيث قال " حينها، وزّع الجيش الإسرائيلي الكلاب على المنطقة بحثا عن مطلوبين، وبعد أن أخرجوا كل الرجال من المنازل، بقيت ووالدتي وأخواتي في المنزل ، وإذا بكلاب بوليسية ذات أنياب حادة مزودة بأجهزة كاميرات(وأنتيل)، تقتحم غرفتنا دون دخول أي جندي، وأخذت تشمّني. خوف أختي الصغيرة من ذلك، جعلها تبكي، فحضنتها، وإذا بالكلب يعضّني في قدمي، ورغم محاولة أمي لسحبي إلا أنه لم يتركني، وبدأ يجرّني على الدرج من الطابق الثاني حيث نسكن، فبدأ الدم ينزف من قدمي، وغبت عن الوعي، ثم حضرت قوة صوبت بنادقها نحوي بهدف قتلي، لأن الكلاب مسكت بي، لكن أبي الذي لحق بهم، أخذ يصيح في وجههم، ويقول لهم بأنني صغير ولست مطلوب، وألقى بنفسه فوقي، حتى لا يستطيعوا قتلي".
واستطرد الفتى قاسم يقول " عدت لوعيي، فوجدت القوة الإسرائيلية تصوب بنادقها نحوي، ووالدي فوقي، وبتلك اللحظة سحبني الكلب من قدمي بشدة، فقضم جزء من لحمي، فأخذت أصرخ، ومن شدة الألم والرعب، غبت عن الوعي مجددا، ولكي لا يستمر إرتطام جسدي بالدرج أثناء سحبي ، إضطر والدي لأن يحمل مع كلابهم البوليسية جسدي من طرفي الآخر!!، وأذكر أنني بقيت للعلاج في المستشفى(12) يوم، ومن يومها وأنا أخاف من الكلاب وأحلم بها، لذا تم إلحاقي بنادي تأهيل ضحايا التعذيب في المخيم، والذي كان به أكثر من(( 250 طفل تتراوح أعمارهم بين(10-15) سنة" .
الأخصائي النفسي الإكلانيكي جعفر جرادات، من مركز علاج وتأهيل ضحايا التعذيب، والذي كان قد أشرف وزملاء له آخرين، على العلاج النفسي للطفلين المذكورين، إضافة لأطفال آخرين، قال أن حالة (محمد نجم) المصاب بسرطان الدم، كانت الأكثر تأثيرا، لأن ذلك ترافق مع وضع نفسي وصحي سيء، حيث أن العلاج الكيميائي، نتيجة مرض الطفل بسرطان الدم، ساهم في إستثارة الكلاب البوليسية، وجعلها تنهش لحمه، وبالتالي فقد كانت حالته الحالة الأصعب أثناء العلاج، وأضاف "نتيجة لحالته الخاصة، وأنه لم يكن إجتماعي، لم يكن الطفل محمد يستجيب للعلاج مع الأخصائيين، وهذه الأمور زادت من تعقيد علاجه، لكن من خلال دمجه في مخيمات علاجية صيفية، بدأ يتجاوزهذا الحاجز، ويتعاطى مع الأخصائيين، مع ذلك إستمرعلاجه لأكثر من سنة، من خلال برامج تهدف إلى جعله يتعايش مع الظروف التي مرّ بها".
أما حالة محمد قاسم فقد قال الأخصائي النفسي جعفرجرادات أنها إحتاجت لأكثر من سنة من العلاج النفسي المباشر، عن طريق برامج سلوكية وترفيهية علاجية، وأضاف"في البداية كان الطفل يخاف من النزول للمدرسة لأن أحد جيرانها يملك كلبا، إلى جانب إستمرار أحلامه المزعجة، التي رافقها هبوط حاد في علامات الطفل المدرسية ، وهو للآن على تواصل معنا كلما احتاج الأمر ذلك، بين فينة وأخرى".
بدوره قال مدير وحدة البحث والتوثيق في مركزعلاج وتأهيل ضحايا التعذيب وسام سحويل، أن المركز يعمل من خلال منهجية علمية، على توثيق مثل هذه الإنتهاكات بحق الأطفال، وبما يتعلق بممارسات التعذيب قصيرة وطويلة المدى، بدءا من أساليب الضرب ومناطقها، وصولا إلى بعدها السيكولوجي.
توثّق المؤسسات والجمعيات الحقوقية إذا ، عددا من الإعتداءات التي يتعرض لها مثل هؤلاء ، لكن تردد الأهل في الإبلاغ عما يتعرضون له ، ورفض رفع الشكاوى ضد الجيش الإسرائيلي، تبقى في الغالب عائقا أمام هذه المؤسسات، وهذا ما أشار له منسق الوحدة القانونية في الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال المحامي إياد مسك حيث قال" رغم توثيقنا لعدة حالات اعتداء ، إلا أن المشكلة المستمرة تتعلق بخوف الأهل. الذين يرفضون إجمالا التقدم بشكاوى للجهات المعنية، ورفع القضايا، إما خوفا على طفلهم (إن كان معتقلا، كي لا يتم ضربه)، أو خوفا من أن يتبع ذلك آثارا سلبية عليه وعليهم، وبالتالي، وبشكل عام، لا يوجد عمليا قضايا ترفع بناء على شكاوى أهالي المتضررين مباشرة".
إستخدام الكلاب البوليسية، بحسب المختص في القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان رزق شقير، محظور بحسب إتفاقية حقوق الإنسان، واتفاقية حقوق الطفل، كما يعدّ إمتهانا للكرامة الإنسانية " إستخدام الكلاب البوليسية يخلق حالة من الرعب والفزع والترويع لدى الأطفال، ويؤثر على شخصية الطفل ونموه، وبالتالي هومخالف لأبسط القواعد الإنسانية، وقانون حقوق الإنسان، فترويع الأطفال محظور بحسب الإتفاقية لمن هم دون الـ(18)سنة، إلى جانب أن الأطفال عموما يجب أن يعاملوا معاملة خاصة، حيث أن ما هو مسموح للتعامل به مع البالغين، غير مسموح للتعامل به مع الأطفال، مع التأكيد على أن القانون ينص على منع التعذيب بكل أشكاله".
كما طالب خبيرالقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان رزق شقير بتظافر الجهود الرسمية والأهلية من أجل إستمرار توثيق مثل هذه الإنتهاكات ، وإعداد التقارير القانونية، وتقديمها للمنابر القضائية لمحاكمة مجرمي الحرب في دول غربية عدّه(والتي تزيد يوما بعد آخر)، على الرغم من إقراره بأن ملاحقة مجرمي الحرب ، تعدّ مسالة معقدة لكون انها تخضع لاعتبارات سياسية، تؤدي في كثير من الأحيان لنوع من الحماية والرعاية لإسرائيل، الأمر الذي قد يمنع أي إجراءات فعالة ضدها" .
شهادات طفليّ المخيم، تأتي هنا على سبيل المثال لا الحصر، إذ يصعب حصر وعرض كافة الحالات التي كانت فريسة سهلة للكلاب البوليسية، في مختلف أرجاء فلسطين، كما انحصر تطرقنا للإعتداءات التي يتعرض لها الأطفال من خلال الكلاب البوليسية المرافقة للقوات الإسرائيلية، على الرغم من وجود حالات لاحصر لها من الإعتداءات ذاتها على النساء والمسنين .