استطراد بعد أوباما

حارثة مجاهد ديرانية

عن تفسير ما يبدو من تألّب العالم على الإسلام والمسلمين

حارثة مجاهد ديرانية

[email protected]

تحدثنا في المقالة السابقة عن الأنظمة البشرية وأثرها على مصائر الناس ومصير أمتنا المسكينة، ومضينا في كلامنا حتى كاد أن ينكشف لنا جواب لغز كبير يُعجز كثيراً من المسلمين، وهو أنهم يتساءلون عن تفسير ما يظهر من تألّب الأمم واجتماعهم علينا، حتى إن الأمم من غيرنا لتختلف وتتناحر ويشنع بعضها ببعض، حتى إذا ظهر الإسلام على الساحة إذا بالأعداء ينقلبون أصدقاء على العدو المشترك الجديد: المسلمين! كثير من المسلمين يتساءلون عن السبب، وأنا أحسب أن عندي الجواب، فهاكم:

المسلمون -يا أعزائي- هم حملة نظام بالغ النشاط، ونحن من حبنا الإسلام ندافع عن دين السلام فنخلط أمرين أحدهما بالآخر، ذلك أننا نقول إن الإسلام دين مسالم، وهو قول عام قد قلناه قبل أن نتشبث من دقته، فدعوني الآن أفصل في هذه المسألة. أسأل أولاً: هل الإسلام دين مسالم مع أفراد الناس وشعوبهم؟ والجواب على ذلك هو نعم، بل إن البشر لا يعلمون نظاماً له ضخامة نظام الإسلام وهيمنته وعراقته ولكن عنده مثل هذه الرحمة والرأفة بشعوب البشر، ولم تبق هذه الرحمة مجرد هواء وكلام في تراث الإسلام ولكن تأثر المسلمون تأثراً حقيقياً بهذه الروح حتى جهل التاريخ ناساً غيرهم غزوا الدنيا ليسودها دينهم كما سادها ثم كانت لهم مثل أخلاقهم وسماحتهم. هذه هي الأولى، وأما الثانية فهي: هل الإسلام دين مسالم مع الأنظمة الأخرى؟ والجواب على ذلك هو لا، بل إن الإسلام دين متمدّد، فأين يتمدد إذن سوى أنه يزيح غيره؟ إن الإسلام نظام يسعى أن يسود على كل نظام آخر على ظهر هذه البسيطة، قد كتب ذلك عندنا واضحاً جلياً[1] ولكن عرفه أعداؤنا وجهلناه! والمسلمون منجذبون أبداً إلى إقامة نظام دينهم كما ينجذب رأس الإبرة المغنطيسي ليشير إلى الشمال، فهل إذا ترك المسلمون وشأنهم حتى يقوم نظام الإسلام ويقوى ويشتد، هل إذا هم صنعوا ذلك تركوا الأنظمة الأخرى وشأنها؟ والجواب على ذلك هو لا (ممطوطة مؤكدة وبالخط الجليل لا الثلث)! إن الإسلام لن يلبث أن يقوم نظامه حتى يبدأ المسلمون بمهاجمة الأنظمة الأخرى من أجل إخضاعها وإذلالها. ألا تقرؤون آية: "أو يدفعوا الجزية عن يد وهو صاغرون"؟ ألا نعرف جميعاً أن مغزى الجهاد هو سيادة الإسلام؟ سيادته على من! على كل نظام آخر في الدنيا، وهذا يشمل النظام الغربي عموماً بالطبع وكل دولة نصرانية وغير نصرانية كافرة. وزد على ذلك أن في الإسلام طبيعة متميزة تختلف عن كل نظام آخر، فهو لا يفهم لغة المحاباة والمصالح والتنازلات، وأما غيره من الأنظمة فهو أعمى عن الخير والشر، ولغته لغة المصالح وأسلوبه الاستغلال وأن الغاية تبرر الوسيلة. فلعل هذا -والله أعلم- يبين سبب اجتماع الأمم على ديننا وأهله. وقد يتوهّم القارئ المنتبه أنني -حتى الآن- أدافع عن أعداء الإسلام لأنني أعطيتهم مبرراً ممتازاً ليعادوه إذ هو يهددهم ولا يرضى بهم أن يكونوا أقوياء أو أعزاء! ولكن كلامي لم ينته بعد، ولا بد لنا -بعدُ- أن نعود فنقف على مسألة بالغة الأهمية -عن أخلاق التنافس في الإسلام- كنا مررنا عليها مرور الكرام من قبل.

لقد قلنا إن الإسلام ليس مجرد فلسفة من الأخلاق أو طقوس تعبدية مثل كثير من غيره الأديان، بل هو نظام جبار ذو ميل دائم للهيمنة والسيطرة، وهذا شأن الكثير من الأنظمة بالطبع، فليس الإسلام مختلفاً عنهم في ذلك، ولكن ما يجعل الإسلام مختلفاً هو أخلاقيات التنافس عند المسلمين، فالمسلمون الحقيقيون يواجهون عدوهم من أمام مكشوفين مواجهة الشجعان الشرفاء، لكن كان شأن عدوه على مدار التاريخ الطعن من الوراء، ولم يكن النظام الغربي استثناء من هذه القاعدة. ومعنى ذلك أن المواجهة لم تعد لا شريفة لا عادلة، فلعدوي أسلحة لا أملك استعمال مثلها، إنه يستطيع أن يخطف امرأتي ويهددني باغتصابها، ولكني لا أستطيع أن أخطف امرأته وأهدده باغتصابها، وهو يستطيع أن يطعنني وأنا نائم وأنا لا أستطيع أن أطعنه حتى أوقظه وأقول له ها أنا ذا أمامك فإما استسلاماً وإما قتالاً! إن هذا يزيد المرتقى الذي يريد ارتقاءه المسلمون صعوبة، فهم يربون على المواجهة الشريفة وأما أعداؤهم فليسوا شرفاء، وهم يستعملون أسلحة لا نلجأ إليها نحن من أجل أي مبرر في الدنيا.

هكذا يدفع المسلمون ثمن قواعد لعبتهم، ليس لأنهم يعدلون حينما يغدر الناس فحسب، ولكن لأن غيرهم يعلمون أن التسويات المادية لا تصلح في وقف اندفاعهم للسيطرة على العالم حتى حين تنفع مع سواهم من الناس لأن المسلمين يحركهم ما لا تساويه كنوز الدنيا كلها، هكذا كان شأنهم لما كان غيرهم يتبع قواعد مختلفة للعبة دافعها الطمع وعمادها المكاسب المادية.

ورغم كل ذلك فإن الإسلام يكمن ولكن لا يموت، هو كالقنبلة الموقوته كامن خطرها أبداً ولا يقدر على إبطالها أحد فيصنعه، يعرف ذلك عنه أعداؤه فلا يهنأ لهم نوم ولا ينامون إلا وهم يرونه في أحلامهم يطاردهم ولا يدعهم حتى يطرد عنهم الراحة والسكينة وهدوء البال، وسيكون له يومه الذي يقوم فيه قومته فيأتي على من عادوه وأرادوا الوقوف في وجهه إتيان جبار فيدمرهم تدميراً، شاء أعداؤه ذلك أم أبوه.

                

[1] والإسلام دين "مفتوح الشفرة" كما صار يقال بالتعبير الرمزي الحديث. إنه مكشوف تماماً وليس لديه ما يخفيه حتى عن أعدائه.