البرلمان العربي وحساب الجدوى

مجلس الشعب السوري

أنموذجا

زهير سالم*

[email protected]

نحن بين يدي دورة جديدة لانتخابات مجلس الشعب السوري. لا أظن أن انتخابات هذا المجلس سترقى إلى أفق مثيلاتها على محور ( بغدان - تطوان ). ومع التقدير المسبق للموقف الإيجابي الفاعل، إلا أن الحسابات في ظل الظروف الراهنة يجب أن تأخذ منحى آخر. الأزمة الاقتصادية العالمية جعلت العديد من الحكومات والأفراد يعيدون حساباتهم. بعض الأصحاب أعلن بأن احتفاله بالميلاد هذا العام سيمر بدون تزيين شجرة العيد الخاصة في منزله. سيقنع أطفاله أن الشجرة التي تقيمها البلدية في الساحة العامة هي للجميع، وأنهم شركاء فيها. في الزمان الصعب يجب أن تعاد حسابات كل شيء.

البرلمان العربي أو مجلس الشعب السوري هو الآخر نوع من (الفانتزيا)، أو الترف الزائد، أو هو نوع من عمليات التجميل التي تكلف الصندوق العام ملايين الليرات.  يقسم الزوج لزوجته التي تطالبه بميزانية خاصة لإصلاح اعوجاج تتوهمه في أرنبة أنفها أنه يراها ملكة جمال العالم، وأن هذا الاعوجاج اللطيف هو الذي جذبه إليها، وحببه فيها، وأغراه بها، وأنه إن يفقد هذا الاعوجاج المميز ربما يختل عقله، وتضطرب أحواله، ويؤكد لها أن عليها ألا تنظر إلى فعل جارتها سمر، أو إلى ابنة خالتها سحر فأولئك بحاجة ملحة إلى ما أغناها الله عنه. حديث ذلك الزوج المطحون بتأمين لقمة العيش ومشتقاتها هو نفسه حديث المواطن العربي أو المواطن السوري حين يحدثونه عن (مجلس الشعب..) وعن ميزانيته ورواتب أعضائه، وكلفة الانتخابات، وورق الملصقات، ومترتبات التشريفات، والوفود والاستقبالات وأذونات السفر وسيارات الضرورة وضرورات القيافة.

لم يشك المواطنون العرب، والمواطنون السوريون أنموذج متقدم لهم، ولو للحظة برشد قياداتهم القومية والقطرية والتقدمية، وهم يعترفون أن شعوبا أخرى في العالم بحاجة إلى برلمانات تشرع وتراقب وتحاسب، برلمانات تدرس بدقة اتفاقيات الحرب والسلم، وتتابع مشاريع التحرير والتنوير، وتراقب عالم الصفقات والتعهدات والمناقصات والمزيدات أيضا !! شعوب لم تُرزق ما أنعم الله به على شعبنا من قيادات رشيدة وأيد نظيفة!! يضيف المواطن السوري المطحون بفاتورة الضرورة ما الجدوى من النصح للرشيد والرقابة على الأمين؟!

ويتساءل المواطن السوري الذي تعود أن يدير ظهره للانتخابات وهو يمر على ( التكية السلطانية )، أو على مبنى البرلمان متى سُمع آخر مرة صوت لتنابل السلطان هؤلاء، يلهجون ولو ببعض الدعاء..

متى قال برلماني سوري  لصاحب الأمر: لمَ...؟ أو: لو... !! أو: نعم ولكن...

في رأي المواطن السوري، وهو أنموذج لشقيقه العربي، أن ميزانية المدرسة الابتدائية في سورية أولى، ورعاية أصحاب الاحتياجات الخاصة الحقيقيين أهم، وتوفير ورق لطباعة كتاب بحرف (برايل) أنفع. و يؤكد هذا المواطن أن قانون السوق الاجتماعي يفرض علينا حسابا أفضل للجدوى، وترتيبا أدق لأولويات المستفيدين، ودراسة أكثر صدقية لمصارف الدخل في دولة يسوح أبناؤها في الأرض بحثا عن لقمة مغموسة بالعرق والذل وفي كثير من الأحيان بالدم أيضا. عامل سوري جديد يقتل بالأمس برصاص الشرطة اللبنانية؛ لماذا كان هناك بالأصل؟! هناك مليون عامل مثله يقال بل مليونين..

أعيدوا الحساب، ووزعوا ميزانية كل المؤسسات العامة التجميلية على الحاجات الضرورية. شعبنا تعود ان يقول: إذا كنا سروال ما في فلمن التكة بأربعة عشر؟!! السروال قبل التكة والحرية والعدل والمساواة والنزاهة والشفافية أيضا قبل مجلس الشعب..

                

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية