الهم الوطني
ومبادرة التيار الإسلامي الديمقراطي
زهير سالم*
بالأمس كانت الخارجية المصرية تحتج، بحق، على التدخل الأمريكي في الشأن المصري الداخلي. وذلك لاستقبال الساسة الأمريكيين مجموعة من أصحاب المطالب المصريين..!!
لا يوجد مواطن حر شريف يتملكه الإحساس بسيادة وطنه يمكن أن يفكر أن ينشر غسيله الخاص على حبال الآخرين. والوفاء لوصف (مواطن حر شريف) يجب أن يكون متبادلا بين كل الشركاء في الوطن الواحد. حتى على المستوى القومي ، لا يسهل على المرء أن يجلس إلى أبناء عمومته ليحدثهم، لولا الظلم البالغ، عما يقع عليه من تجاوز وعدوان، ولا أن يبسط يده ليسأل وساطة من هنا ومساعدة من هناك. تقول العامة عندنا السؤال ذل ولو في ( دلني على الطريق ). ولا تكاد تخلو أسرة مهما تكن طبيعة تركيبها من مشكلات اجتماعية واقتصادية، والأسرة الناجحة هي التي تكون قادرة على احتواء مشكلاتها..
وحين يعلو صراخ الزوجة أو الولد أو البنت ليصل إلى الجيران أو الأهل أو الأصدقاء أو الأقرباء والبعداء فإن هذا يؤشر بشكل ما على خلل في الإدارة أو في الواقع. هناك طرف ما في المعادلة الوطنية يرى أنه لا مشكلة..!!، أو أنه ليس هناك أحد جدير بأن يُستمع له..!! وأن على الجميع بحق شرف المواطنة أن يتلقى ما ينزل به بصمت..!!
أكتب هذا الكلام في ظلال عيد الأضحى المبارك، وأكتبه في ذكرى مرور أربعين عاما على التصحيح، وأكتبه في سياق مبادرة كريمة تقدم بها التيار الديمقراطي الإسلامي بين يدي العيد؛ لا أذكر أنني خلال الأربعين عاما من تاريخ سورية الحديث شهدتُ دعوة رسمية لحوار وطني، يطرح فيها الممسكُ بالسلطة مبادرة لتبادل الأفكار، أو ربما مجرد جلسة للاستماع. حين يطرح الإنسان الحوار فإنه يحاور مخالفيه الحقيقيين بكل طبقاتهم وانتماءاتهم وتوجهاتهم. الحوار مع الذات أو مع رجع الصدى ليس حوارا، والحوار مع المؤمّنين على قول الأول هو نوع من الهروب من الاستحقاق..
وفي وطننا سورية همٌ وطني، ومحتقِنون كثر، منهم رجال رأي وفكر، ومنهم أصحاب هموم ومظالم وأحزان. وفي سورية أصحاب مشروع أو مشروعات مخالفة، فهل يمكن اكتشاف تقاطعات مفيدة بينها، هل يفكر أحد في تجسير فجوة، أو ردمها؟! وفي سورية أيضا أصحاب اعتراضات كثيرة هل يمكن تَفَهمُ هذه الاعتراضات أو الإجابة عليها؟! وفي سورية ثالثاً مظالمُ تسد الأفق على المظلومين، مظالم يمكن معالجة بعضها بمسحة يد، ما الذي يمنع من هذا؟! إسلاميون وعلمانيون عرب وكرد جماهير غفيرة يشكون وهم يستحقون أن تُسمع شكواهم وأن تُعالج أسبابها..
ما يفعله التجاهل والإصرار عليه، وما يولده الكبت والقهر ليس في مصلحة سورية الوطن والإنسان، ولا سورية الحاضر والمستقبل. وقديما قالت العرب:
لا تحقرنّ صغيرا في مخاصمة إنّ البعوضة تدمي مقلةَ الأسد
والمخاصمون في سورية ليسوا صغارا ولا هم قليلين، وإن تم استضعافهم حتى حين؛ فهم أقوياء بقوة الحق وقوة الغد، وكل العقلاء في هذا الوطن يتمنون أن تتحول هذه القوة إلى قوة بناء وعطاء، ولن يكون ذلك إلا على قاعدة التعاون على البر والتقوى، وليس على الإثم والعدوان..
ولعل المبادرة التي تقدم بها التيار الديمقراطي الإسلامي تصب في هذا الإطار. وهذه المبادرة مع جرأتها وسابقتها تستحق التحية والتقدير والتوسيع، لتكون مبادرة لبساط للحوار الوطني، بساط سوري، وبمبادرة سورية، وفي فضاء سوري، يلتقي عليه كل السوريين بلا استثناء؛ مرة أخرى نقول: إسلاميون وعلمانيون وعرب وكرد، ليقول كلٌ ما عنده، وليُطوى ما يمكن طيّه من صفحات الآلام..
وسيجد القائمون على التيار الديمقراطي الإسلامي وكل الدعاة إلى الخير من الإخوان المسلمين يد ممدودة بالحق والصدق إلى الحق والصدق. (لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ..)
وكل عام وسورية ورجالها ونساؤها وأبناؤها وبناتها بألف خير وطنا عزيزا قادرا على حل مشكلاته، ومداواة جراحه، وصنع حاضره والتأسيس لمستقبله.
* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية