"غير محافظ" على القاهرة
"غير محافظ" على القاهرة
د. أحمد الخميسي. كاتب مصري
قضت محكمة جنح عابدين بحبس محافظ القاهرة سنة مع الشغل وعزله من وظيفته ، لأنه لم يعلن نتائج انتخابات المجلس المحلي لدائرتي السلام والبساتين رغم إخطاره قانونيا بضرورة ذلك . هذا ما نشرته جريدة الأهرام وغيرها . والحكم مفاجأة ، ذات شقين ، الأول : لأننا لم نألف أن يطبق القانون على كبار المسئولين بينما يطبق بحزم على حرامية حلقات الذكر وشبابيك المنازل الريفية المهجورة . مرة واحدة تم اعتقال غالبية المسئولين الكبار في مايو 1971 . ولسبب ما كان من بينهم الساخر الكبير محمود السعدني الذي قال للقاضي من داخل القفص : لقد تعرضت للسجن من قبل لأني كنت معارضا للنظام ، وعندما خرجت من سجني قررت ألا أكون معارضا وأن أصادق كل الوزراء ورجال الدولة، صادقتهم فاعتقلتموهم جميعا ، وها أنا معتقل ثانية ! سجنت مرة للمعارضة ومرة للموالاة ! أعارض الدولة أم أصادقها سيدي القاضي ؟! . الشق الثاني من مفاجأة الحكم على محافظ القاهرة جاء فيما تضمنته حيثيات الحكم من أن المحافظ : " تقاعس بصفته موظفا عاما عن أداء مهام وظيفته " . وقد أدهشني جدا أن يكون التقاعس عن أداء مهام الوظيفة سببا للسجن والعزل ! خاصة أن " التقاعس " لم يؤرق محكمة ولا رأيا عاما إلا في موضوع انتخابات مجلس محلي . أما تقاعس المحافظ عن أداء مهامه الحقيقية الكبرى فإنه يمر مر الكرام بلا محاكمة ، ولا عتاب ، ولا يحزنون . وعلى مدى ست سنوات تقريبا – منذ أن تولي عبد العظيم وزير منصبه محافظا على القاهرة في يوليو 2004- ظللنا نتوقع من محافظ مثقف– كان عميدا لكلية الحقوق بجامعة المنصورة – أن ينجز الكثير ، لكن شوارع القاهرة خلال فترة عمله زادت وساخة وضوضاء وتضاعفت أزمة الحركة والمرور فيها ، وتفشت الأحياء العشوائية ، وتشوهت معالم تاريخية كثيرة بعمارات شاهقة لاعلاقة لها بالطراز المعماري المحيط بها . وفي اعتقادي أن المحاكمة ينبغي أن تكون ليس بسبب ما فعله المحافظ ، لكن بسبب ما لم يفعله ، أي بسبب " تقاعسه بصفته موظفا عاما عن أداء مهام وظيفته " . ولايعد إعلان نتائج انتخابات مجلس محلي من مهام المحافظ الكبرى ، لكن من مهامه الكبرى أن يجعل القاهرة – إحدى أعرق العواصم في العالم – نظيفة وجميلة ، وهو ما لم يفعله المحافظ ، ولم يقم في سبيل ذلك بأي جهد ، ولسنا نذكر حديقة واحدة تم إنشاؤها في عهده ، ولا عملا أو إنجازا ذا قيمة . وإذا لم يكن تجميل القاهرة وتشجيرها وتنظيم المرور ومعالجة الأحياء العشوائية من مهام المحافظ بصفته موظفا عاما ، فما هي وظيفة المحافظ إذن؟ وما هي مهامه التي ينبغي القيام بها ؟ ولا يجوز التقاعس عنها ؟ . أليست أكوام القمامة الملقاة في كل مكان دليلا على تقاعس عن أداء المهام ؟ ، أليس تحويل القاهرة من حضارة إلي حجارة دليلا على تقاعس؟ . أليس القبول بتفشي التلوث السمعي والبصري والأنفي دليلا على تقاعس؟ أليس ترك دور العرض القديمة التاريخية دون ترميم أو اهتمام دليلا على تقاعس؟ . أريد صادقا أن أذكر أو أتذكر إنجازا واحدا هاما مرموقا للمحافظ عبد العظيم وزير ، لكني لا أرى ، لا أرى سوى قسوة وسائل المواصلات العامة ، والأتربة التي تكسو جدران العمائر ، ورائحة العاصمة التي تزكم الأنوف ، والضوضاء التي تتوحش دون رقيب ، وغياب الحدائق العامة الجميلة المرتبة، وحفر الشوارع القادرة على إبتلاع أي سيارة، و مرور الحمير والخيول في منتصف الطرق، دون أي جهد لتشجير أو تجميل أو تنظيف أو تنظيم القاهرة التي يزيد عمرها على ألف عام وعرفت أقسام منها أيام الفراعنة بالمدينة الجميلة ، ثم اشتهرت بأنها " جوهرة الشرق " . جوهرة عزيزة كتلك لا تستحق كل هذا التقاعس عن أداء كل تلك المهام . الحق أن عبد العظيم وزير كان " غير محافظ " على القاهرة ، كما كان " غير المحافظين " السابقين من قبله .