أزمة الفضائيات .. والبعد الغائب

أزمة الفضائيات .. والبعد الغائب!

محمد عبد الشافي القوصي

[email protected]

احتدم الجدل على أشده إثر قرار إغلاق بعض الفضائيات وإنذار أخرى -أقصد الفضائيات الدينية- فانقسم الناس إلى فريقيْن متصارعيْن لا ثالث لهما؛ فريق فرِحٌ فخور، وفريق مكفهر مقطّب الجبين!

وكلاهما لديه حجج منطقية إلى حدٍ ما، وتبريرات مهلبية إلى حد بعيد!

ولعلّ هذا الخلط الشديد مرده إلى التشويش والتسمم الذي أصاب العقل العربي، أوْ هو من تجليات أزمة العقل المسلم في العقود الأخيرة!

فـ(المؤيدون) لمْ تكن حجتهم إلا أنْ قالوا: هذه القنوات استمرأتْ الدجل والشعوذة، وإثارة الفتن والنعرات الطائفية والمذهبية ... لكنْ في المقابل؛ ألا يعلم هذا الفريق أنّ الحكومات العربية بمشاريعها التغريبية، وسياساتها الرعناء مسئولة في المقام الأول عن تخدير شعوبها، وتغييب وعيها حتى وصلت إلى هذا الدرك السحيق ..؟!

أليستْ هذه الحكومات هي التي تحتفي ليل نهار بصبية الملاعب، وكاشفات البطون .. والمُهرّجين والمهرجات الأحياء منهم والأموات .. بينما تتجاهل أبناءها النوابغ والصالحين؟!

أليستْ الحكومات المصرية المتعاقبة منذ انقلاب تموز 1952 -أوْ ثورة يوليو الأمريكية بتعبير جلال كشك!! أقول: أليستْ هذه الحكومات بذلتْ جهوداً جبّارة لتهميش الأزهر الشريف، ومحاصرة رسالته الحضارية .. بلْ وتشويه أعلامه وعلمائه بمختلف الأساليب الشيطانية؟ ألمْ يُطلِقوا كلاب الماركسية في وجه الدعاة والمصلحين؟ ألمْ يُلقوا بالعلماء الأفذاذ في غياهب السجون؟ ويسخروا منهم بأقذع الألفاظ؟ ألمْ يُكمّموا أفواه الدعاة؟ ألمْ يحوّلوا الأزهر الشريف من مؤسسة دعوية عالمية إلى أطلال تحتضن كليات ومعاهد هامدة؟!

أقول: لقد كانت نتيجة هذا التفريغ والتهميش والتخويف والمطاردة للعلماء والمصلحين؛ نتيجةً مؤلمةً جداً، بلْ باهظة الثمن لوْ كانوا يعلمون!

أمّا (المعارضون) لإغلاق الفضائيات الدينية؛ فحجّتهم داحضة -أيضاً- خاصةً عندما يزعمون أنّ الدولة تقف في وجه الإسلام! ويقولون -دونما خجل-: هذا قرار "سياسي" جاء قُبيْل الاستحقاقات الانتخابية في مصر!

فلنسأل هؤلاء المعارضين: أليستْ هذه القنوات "السلفية" ذات الرؤية الأُحادية تتمحور حول أضيق الأفكار وأشدها انغلاقاً؟ لدرجة أن "الأزهر" لم يمنح القائمين عليها أية شرعية! بلْ وصفهم الدكتور/ علي جمعة -مفتي مصر- بـ(شويّة سبّاكين)!!

أليس القائمون على هذه القنوات من عبيد "الفقه البدوي"؟ أليستْ هذه المدرسة التي تُسمّي نفسها (السلفية) هي التي لا تكفّ لحظة واحدة عن الغمز واللمز في الأزهر الشريف ورجاله؟

لدرجة أنه لمْ يسلم من شرهم وشررهم كبار العلماء والمفكرين، أمثال: جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، ورشيد رضا، وعبد الحليم محمود، والشيخ الغزالي، ويوسف القرضاوي، ومحمد عمارة، وغيرهم من أُولي الألباب!!

إنّ الحقيقة التي لا يعلمها كثير من الناس؛ أن النظام المستبد الحاكم قد أخطأ خطأً فادحاً باتخاذه قرار الغلق الأرعنْ .. لأنه لمْ ولنْ يجد أفضل من هؤلاء (السلفيين الجدد) الذين لا يقربون السياسة ولا يفقهون فيها شيئاً، بلْ إنهم يعتبرون الحديث عن القضايا السياسية، والهموم الاقتصادية، والأزمات الصحية، والمشاكل الاجتماعية من "المحرمات" بلْ من "الكبائر" في مذهبهم! إنهم يجيدون بمهارة فائقة تخدير مشاعر الناس وعقولهم بالحديث عن فقه دورات المياه، والجلاليب، والملايات، والجوارب، و...إلخ.

أكتفي بهذا، وأختم بمقولة السيد المسيح الخالدة: مَنْ كان له أُذنانْ فليسمع!