الفرق بين "القداسة" و "السمع والطاعة"

الفرق بين "القداسة" و "السمع والطاعة"..

أيهما أخطر على الوطن؟

كيف تتعامل الدولة مع أتباع الفريقين؟

ممدوح أحمد فؤاد حسين

[email protected]

بينت في مقال (المشركون بربهم يسوع) كيف إن إطفاء القداسة على رجال الدين يوقع الإنسان في أكبر الكبائر (الشرك) بجعله لله ندا, وأن الله سبحانه وتعالى – حسب العقيدة الإسلامية, أو ربهم يسوع حسب العقيدة الكنسية - لن يغفر للإنسان ذلك, وأن عاقبة من جعل لله ندا الخلود في النار.

وقد استخدمت في المقال المشار إليه الدليل العقلي للبرهنة علي أنهم جعلوا لربهم ندا, واليوم أقدم دليلا نصيا على ذلك, مستخدما أسلوب: وشهد شاهد من أهلها.

((قال القس مكارى يونان،صاحب الشعبية الأوسع بين كهنة الكنيسة القبطية شعبية، أن "التطاول" على البابا شنودة الثالث يعتبر هجوما على كل المسيحين وعلى المسيح نفسه.

واضاف خلال عظته الإسبوعية بالكنيسة المرقسية الكبرى بكلوت بك"..... فمن العيب أن انسان أو اثنين او ثلاثة يتطاولون على البابا والتطاول عليه تطاول على كل المسيحيين وعلى المسيح نفسه"))

النص السابق بين القوسين منقول من الرابط التالي :

http://www.elbashayer.com/news-115149.html

إيضاح مهم:  المسيح – عليه السلام – حسب عقيدتهم هو الله ذاته, وقول القس مكاري أن التطاول علي البابا شنودة يعتبر هجوما علي المسيح نفسه يساوي تماما في العقيدة الإسلامية أن يزعم زاعم أن التطاول على شيخ الأزهر – مثلا – تطاول على الله نفسه. – استغفر الله العظيم.

قد يقول قائل: ما لك وعقائد الآخرين, ولماذا تشغل نفسك وتشعل الفتن بمناقشة عقائد الآخرين؟ والحق إن هذا الاعتراض وجيه ويجب فعلا البعد عن الخوض في عقائد الآخرين إلا في حالة واحدة فقط وهي أن تكون هذه العقائد خطر على الوطن ومفسدة له, خصوصا عندما لا تقتصر القداسة على الأمور العقائدية والتشريعية فحسب, بل تمتد لتشمل جميع نواحي الحياة من أمور سياسية وخلافة. هنا يجب الخوض فيها والتصدي لها وبيان خطرها وفسادها أيضا, وهذا ما تم مع المتطرفين الإسلاميين حيث تم مواجهتهم فكريا وأمنيا. فكريا من خلال الندوات والحملات الصحفية والأعمال الفنية, وأمنيا من خلال محاكمات عسكرية وأمن دولة عليا.

وفي هذا المقال سأوضح كيف إن مفهوم قداسة رجال الدين يؤدي إلى فساد الدولة والمجتمع, وسأبدأ بعرض نموذجين لرجلين من الوجهاء, النخبة, أحدهما من كبار رجال القضاء والأخر من رجال السياسة يفخر بأنه ليبرالي, علماني, يدعو إلي مدنية الدولة وفصل الدين عن الدولة, ومع ذلك وقع كل منهما فيما لا يقع فيه محامي مبتدأ, أو تلميذ في مدرسة الليبرالية والعلمانية.

النموذج الأول: الأستاذ المستشار لبيب حليم نائب رئيس مجلس الدولة نشر إعلان مدفوع الأجر بالأهرام بتاريخ 23 سبتمبر 2010 – أي بعد وصف بيشوي للمسلمين بأنهم ضيوف- يقول فيه: (بيشوي "أحد القلائل الذين يجود بهم الزمان" وكلامه "يعيد إلى النفوس ذكريات الآباء الأولين").

المحامي المبتدأ يعرف تماما أن قصر الجنسية على أتباع دين محدد, وأن تقسيم أبناء الوطن الواحد إلى مواطن أصلي ومواطن تيواني, مزاعم دفنت مع العصور الوسطى, عصور الظلام.

النموذج الثاني: الأستاذ منير فخري عبد النور الذي يتغني ليل نهار بالدولة المدنية, وينادي بعلمانية الدولة, وفصل الدين عن السياسة. أعترف بمشاركته في تسليم السيدة وفاء قسطنطين للكنيسة حيث غابت وراء الشمس في المعتقل الكنسي – من عدة سنوات وحتى الآن-.

التلميذ في مدرسة الليبرالية والعلمانية والدولة المدنية يعرف تماما أن تقييد الحرية مخالفة دستورية, ولا تستطيع الدولة ذاتها أن تقيد حرية مواطن إلا من خلال حكم قضائي.

إذا كان هذا حال رجال النخبة, فقهاء القانون والدستور, أنصار الدولة المدنية, الداعين لفصل الدين عن الدولة من الأرثوذكس, فكيف يكون حال العامة منهم؟!!

والأهم من ذلك, لماذا تنكر الأول لمبادئ وأسس القانون والدستور والأعراف الدولية, ولماذا تنكر الثاني لمدنية الدولة وسيادتها, ولعلمانيته؟

فتش عن القداسة!! فقداسة رجال الكنيسة لا تقتصر على العقائد والتشريعات الدينية, بل تشمل كل نواحي الحياة سياسة واجتماعية واقتصادية, ولذلك فهم يسمون تاريخهم بالتاريخ المقدس!!... التاريخ الذي هو من صنع البشر, أصبح في عقيدتهم مقدس. لذلك قال البابا في أعقاب الإلتهاب الطائفي بسبب تصريحات بيشوي (المسلمين ضيوف): إن الأقباط الذين هاجموا الكنيسة خسروا كنيستهم وسوف يندمون.  رغم أنها أزمة سياسية يجوز الاختلاف حولها.

فهل يخسر الأستاذان كنيستهما ودينهما وأخرتهما من أجل القانون والدستور والدولة المدنية والعلمانية؟!!

فليسقط القانون والدستور والدولة المدنية, حتى لا يغضب البابا ويخسرا الكنيسة, فلا يجدا عند وفاتهما كنيسة تقبل الصلاة عليهما!!!!.

النائب ضمير الأمة أم ضمير البابا:

لو اقتصرت عقيدة القداسة على الأمور العقائدية والتشريعية الدينية لكان هذا أمرا خاصا بالكنيسة, ولما جاز لأحد – خصوصا من غير أتباعها – أن يناقشه أو يرفضه ويبين فساده, أما وأن القداسة قد امتدت لتشمل كافة أمور الحياة وأصبح الخروج على تعليمات البابا ولو في أمور سياسة خروجا على الكنيسة وخسران لها , هنا تصبح القداسة خطرا على الوطن... لماذا؟

من المعروف  طبقا للأعراف الدولية أن المؤسسات التشريعية (كمجلس الشعب في مصر) مؤسسة قومية يعتبر النائب فيه ضميرا للأمة, ممثلا عن الشعب كله باختلاف أديانه, وليس ممثلا عن الدائرة التي انتخبته, فما هو موقف النائب التي يتبع الكنيسة عند التصويت علي أي قانون؟ هل يصوت بما يمليه عليه ضميره كنائب عن بلده ووطنه ويخسر كنيسته , أم يصبح صوته ضميرا للبابا!!!

"القداسة" و "السمع والطاعة"

رغم أنه لا يجوز المقارنة بين "القداسة" لدي الكنيسة, "السمع الطاعة" لدي بعض التنظيمات الإسلامية لوجود اختلافين جوهريين بينهما, الأول: أن القداسة مطلقة, والسمع والطاعة مقيدان بالمبدأ الإسلامي (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق), والثاني: أن الخروج عن القداسة خروج عن الكنيسة, أما الخروج عن الطاعة فلا ينفي عن المسلم إيمانه بل لا ينفي عنه صلاحه وتقواه أيضا.

سأتجاهل مؤقتا الفرق بين "القداسة" و "السمع والطاعة", واتسأل متعجبا: لماذا تحارب الدولة أتباع التنظيمات الإسلامية التي تؤمن بالسمع والطاعة إما بالاعتقال أو الحظر, وتدلل أتباع الكنيسة التي تؤمن بالقداسة فتعتقل المنافسين لهم في الانتخابات, وتزور الانتخابات لصالحهم  وتعيين بعضهم في المجالس النيابية؟!! بل وترشحهم على قوائم الحزب الحاكم وتطالب بمزيد من إفساح الطريق أمامهم للوصول إلي البرلمان!!!

والغريب أنهم لا يكتفون بذلك بل يصرخون ليلا نهارا مطالبين بأن يكون لهم نصيبا في المناصب الأمنية والعسكرية العليا الحساسة ويقولون إن غير ذلك يعتبر تخوينا للأقباط.

سأتجاهل مرة أخرى أن هذا الطلب لا نظير له في الدول العلمانية الغربية في أوروبا وأمريكا حيث لا يوجد مسلم واحد في هذه المناصب, بل إن جميع هذه المناصب تقتصر على أتباع كنيسة معينة – كنيسة الأغلبية-.

ولكنني أتساءل فقط: كيف يمكن أن يؤتمن إنسان ما علي أمن دولة ما, وهو يأتمر بأوامر من رجل دين مسلما كان أو كنسيا, وينتهي بنواهيه؟ وخصوصا إذا كان هذا الرجل يسمع في دار عبادته من رجال كنيسته: أن بلاده محتله وأنه هو وحده صاحب البلد الأصلي وأن غيره هو غازي محتل أو بالتعبير المهذب مجرد ضيف!! (1) – ضيف ثقيل لا يريد أن يغادر رغم كرم الضيافة الذي امتد إلي أكثر من ألف عام-.

المسلمون أنفسهم يحرموا من هذه المناصب في حالة الشك – مجرد الشك- في أنهم يحملون أفكار متطرفة أو لهم صلة قرابة بمن يحمل هذه الأفكار. رغم أن تطرف بعض المسلمين لا يصل إلى حد إقصاء غير المسلمين ونفي المواطنة تماما عنه – كالتطرف الأرثوذكسي-, غاية تطرف بعضهم أنهم ينظرون لغير المسلمين علي أنهم مواطنين من الدرجة الثانية ينتقص من بعض حقوقهم.

الدولة وإعلامها شريكان في تقديس البابا:

منذ عام 1981 وحتى الآن لا تجد ذكر للبابا في جميع وسائل الإعلام الحكومية إلا وسبقه لفظ القداسة, ولا تجد مقالا واحد أو خبر ينتقد ولو بأسلوب رقيق للغاية موقفا للبابا في أي مجال من مجالات الحياة, حتى في أحاديثه السياسية يطفون عليه القداسة!!. رغم أنهم من دعاة فصل الدين عن السياسة حاملين شعار (لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة) وحجتهم في ذلك أن الدين مقدس والسياسة متغيرة, ترتبط بالمصالح لا بالقيم والمبادئ.

أما والحال أصبح كذلك فعلى المسيطرين على وسائل الإعلام الحكومية والسائرين في ركابهم من الصحف المستقلة المدعومة برأس المال الطائفي, وهم جميعا من العلمانيين دعاة الدولة المدنية وحقوق المواطنة أن يجيبوا على هذا السؤال:

هل الأستاذ المستشار لبيب حليم نائب رئيس مجلس الدولة نائب رئيس مجلس الدولة الذى طعن المواطنة في مقتل بإقصائه المسلمين وإسقاط حقهم في المواطنة بتمجيده لبيشوي عقب تصريحاته التي أعتبرهم ضيوف, هل هذا الإنسان جدير بالجلوس علي منصة القضاء؟ وما هو الموقف لو تقدم أحد المتقاضيين بطلب رد هذا القاضي – أو أي قاضي أو وكيل نيابة أرثوذكسي  أو أي محامي محقق في أي مصلحة حكومية- لأنه لا يقر بحقه في المواطنة كونه مسلم, ولأنه كاره له لأنه ينظر إليه على أنه غازي محتل؟ وكراهية الغازي المحتل ووجوب محاربته حتى تتحرر البلاد من رجسه أمر متفق عليه فى الأعراف والمواثيق الدولية.

هل نحرم الأرثوذكس من هذه الوظائف فتسقط الدولة المدنية؟.

أم نعين الأرثوذكس في هذه الوظائف - فيكونون خصما وحكما – وتتعرض الأغلبية المسلمة للظلم؟

هل نسقط المواطنة والدولة المدنية من أجل عيون قداسة رجال الكنيسة؟!!!

وختاما أرجو أن يوفقني الله إلى مقال (القداسة تخريب للدين ذاته).

               

(1) إنهم يطالبون بمكاسب -لا حقوق- لا نظير لها في أعرق البلاد الديمقراطية وأكثرها تقدما في مجال حقوق الإنسان, فإن استجيب لهم فخير وبركة, وإن رفضت شحنوا أتباعهم بالشعور بالإضهاد المولد للحقد والكراهية فيتحولون عامة أو نخبة إلى عرائس متحركة – عقول مبرمجة أو عقول مغسولة كما يقول البابا ورجاله - يسوقونهم حيث شاءوا, وقد وضح ذلك من المثالين المذكورين في متن المقال.