السودان.. ضحية النهج الاستسلامي العربي
السودان.. ضحية النهج الاستسلامي العربي؟!
أسعد العزوني
أما فلسطين فقد ضاعت وها نحن نشهد ولادة دولة يهودية في مرحلة أعلن فيه النظام الرسمي العربي تبنيه خيار " السلام " الاستراتيجي ، ولا رجعة عن ذلك ،ولبنان اصبح عصيا على الضياع لأن الدولة " المارقة " ايران وضعت لها مواطىء أقدام فيه ، ولم يعد هو النقطة الأضعف في المساحة العربية الممتدة من الماء الى الماء .
اليوم نحن امام ضياع عربي جديد يتمثل بفقدان سلة الغذاء العربي وهو السودان الذي اقدم على " فعله " لم يجرؤ عليها اي بلد عربي وهي توجيه صفعة قوية لأمريكا ونسج علاقات صداقات مبنية على المصالح مع منافسي امريكا واستفاد من نفطه ، وفتح أبوابه وابواب أفريقيا امام الصين التى بدأت بصماتها التنموية تلمع في القارة السوداء .
منذ تأسيس اسرائيل ومعول الهدم الاسرائيلي يتحرك يمنة ويسرة في الوطن العربي ويسجل نجاحات في الأطراف على طريقة "خنجر اسرائيل " للمؤلف الأمريكي اليهودي ألفريد لليلنتال ويتمثل في نسج علاقات مع غير العرب المحيطين بالدول العربية وبالأقليات غير العربية التي تعيش في الدول العربية .
لقد سجلت اسرائيل نجاحات باهرة وأقامت علاقات مع أثيوبيا ( مصر ) وايران ( العراق ) وتركيا ( سوريا ) وقد أنفصمت عرى الصداقة مع ايران بعد خلع الشاه الذي جعل من ايران بئر نفط وبنكا مركزيا ومنطلق تجسس على العراق لاسرائيل ، وها هي علاقاتها تشهد توترا مع تركيا التى أفادت اسرائيل كثيرا ، ولو ان العرب استخدموا عقولهم مع تركيا لقطعوا حبل الود التركي المشوب بالطلاق مع اسرائيل ، ولكنها مستمرة مع اثيوبيا وحول منابع حوض النيل ليتعاظم الخطر على مصر والسودان معا .
القصة لا تكمن في هذا الموقف او ذاك ، بل هي نتاج تقصير العرب تجاه أفريقيا بشكل عام ، ما فتح الأبواب على مصراعيها لاسرائيل كي تغرق القارة السوداء ببؤر التجسس تحت غطاء الخبراء الزراعيين والتنمية والمياه .
معروف ان السودان قد حباه الله بنعم كثيرة ، ولكنها بحاجة لجهد ومال ، ولم يجد هذا البلد العربي عونا من اشقائه العرب ، ووقع فريسة يهود الذين اشعلوا نار الفتنة في الجنوب وكانت حربا اهلية ضروسا استمرت عشرات من السنين ، وعندما اتفق السودان مع نفسه، فجر اعداؤه بؤرة دارفور التى ما تزال مشتعلة حتى يومنا هذا حتى لا يتفرغ السودان لاعادة بناء نفسه .
لو ان الله وهب العرب بعضا من وسائل التفكير السليم لما تركوا السودان فريسة همومه ، يعبث فيه الأعداء شرقا وغربا وجنوبا ، وذات زيارة لوفد رسمي مصري ، عرضت الحكومة السودانية عليه اختيار وتحديد اي بقعة من الأرض في السودان لاستغلالها في زراعة القمح لصالح مصر ، وان السودان لا يريد حبة قمح واحدة ، وعند ذلك طلب الوفد عرض الأمر على صانع القرار في القاهرة ، وبعد يومين جاء الرد : آسفون لرفض العرض لأن أمريكا ستغضب منا ان وافقنا عليه !!
هذا هو حال السودان ، وهذا هو حال العرب ، ففي العام 2007 حظيت بدعوة لحضور مؤتمر استثماري عربي في الخرطوم لدعم السودان ، وخلال المؤتمر كنت متشوقا لمعرفة قيمة الدعم ، وكنت أظنه بالميارات ، لكني فوجئت بأن كل ما قدمته الجهات العربية مع الجهات المحلية السودانية .بلغ فقط 250 مليون دولار ، وهذه الاشارة تكفي .
السودان يدفع ثمن انتمائه العربي ، ومواقفه الوطنية والقومية ، وقد قامت الخرطوم رغم واقع الحال بخطوة يعجز عنها من هم اكُثر امكانيات من السودان .فعندما أيقن الأمريكيون ان هناك نفطا في السودان بعد التقارير النهائية لشركات التنقيب الأمريكية وشريكاتها الغربية ، اصدرت الادارة الأمريكية امرا بعدم استخراج هذا النفط لأسباب امريكية بحتة، لكن الخرطوم حركت بوصلتها شرقا واتفقت مع منافسي أمريكا الأقوياء وهم الصين و ماليزيا والهند وغيرها منة الدول ، الأمر الذي أثار حنق امريكا .
كانت واشنطن تظن ان الصينيين والسودانيين سيعجزون عن استخراج النفط من الآبار المحفورة امريكيا وقد طلبوا من الشركة الكندية الانسحاب من السودان ، لكن الأمور سارت على خير ما يرام وتنعم السودانيون والصينيون والماليزيون والهنود بالنفط الذي اكتشفه الأمريكان ، وكانت صفعة قوية لواشنطن ، ولذلك بيتت امرا مع شريكتها اسرائيل ،وهذا يعني ان انفجار بؤره دارفور لم يكن صدفه بل هو نار اشعلها اعداء السودان ومايزالون يصبون عليها الزيت لادامة الاشتعال ، وما هو ابعد من ذلك ان الاعلام الغربي المتصهين قد أغلق كافة ملفات الصراعات في العالم وركز على ما يدور في السودان الى درجة ان دارفور اصبحت قضية دولية وتحظى باهتمام الجميع ، علما ان المجتمع الدولي عاجز عن الضغط على اسرائيل لتمنح الفلسطينيين ما هو اقل من الحد الأدنى من حقوقهم .
الآن يعيش السودان محنة ما بعدها محنة وهي اجواء نفصال الجنوب ، والذي ان تم لا سمح الله ، فان الانفصال الثاني سيكون في دارفور وستتبعه انفصالات عديدة ، كما أننا نعيش العبث الاسرائيلي في حوض النيل الأمر الذي سينعكس سلبا على كل من مصر والسودان ، بمعنى ان مياه النيل سوف لن تتدفق على أراض مصر والسودان ، بل ستذهب بطريقة او باخرى الى اسرائيل لري وزراعة النقب .
القصة الأخطر في موضوع تقسيم السودان تكمن في أن انعكاسة ذلك ستكون في مصر التى سلخت نفسها عن امتها العربية بتوقيع السادات معاهدة كامب ديفيد .
وهذا يقودنا الى ملف آخر وهو أن المحراث الأمريكي الذي فشل في تشكيل خارطة الشرق الأوسط الجديد بسبب المقاومة العراقية والمقاومة في لبنان سيستأنف نشاطه في السودان ، وبعد ذلك سينتقل الى مصر ،وما يزال العراق هو الهدف !!
" ليس كل ما يعرف يقال ،ولكن الحقيقة تطل براسها "؟!