أي مستقبل للتعليم في بلادنا
أي مستقبل للتعليم في بلادنا!
أحاول أن أتخيل، كيف سيكون شكل الطلبة الذين سيتخرجون من جامعاتنا بعد عشر سنوات وعلى يد أساتذة.. بشر، حصلوا ويحصلون على درجات الدكتوراه، كيفما أُتفق وبأي شكل كان.. فنالوا قانوناً وعرفاً شرف صناعة الأجيال.. وأي صناعة.
قالها وزير التعليم العالي بشفافية غير مسبوقة وبعكس الوزراء الذين يعبرون عن أزمات وزاراتهم الآن ببديع التعبير حتى وإن كان شعراً أو سحراً.. قالها الدكتور المعاني عن أساتذة .."دكاترة جامعيين" كان من الواجب منعهم من دخول بوابات الجامعات.
أعادني الدكتور المعاني بالذاكرة إلى صورتين استحوذتا على اهتمامي حتى نسيت أو مللت.. صورة الأستاذ الجامعي (عندنا) الذي كان يقضي ساعات المحاضرة، وهو يقرأ بأعلى صوته من مَلزمة أحضرها معه من القاهرة أو بغداد أو كتاب قرأه في مستهل مشواره مطالباً إيانا بالكتابة من ورائه، حتى النقطة والفاصلة كان يؤديها بدقة متناهية، وإذا ما اعترض أحدنا بأن ذلك ما هو إلا تلقين لا يفيد، تراه يهيج ويصْفََر ليؤكد بأن هذا الأسلوب هو الذي يحقق العلامة الجيدة ويرسخ في عقولنا إلى الأبد.
أما الصورة الثانية فكانت (عندهم) هناك في أميركا، حيث لطالما استغربت أمر الأساتذة الذين كانوا يقضون دقائق معدودة في الشرح ثم يتركون الطلبة كل لشأن بحثه وتقَصِيه للحقائق والمعلومات من المكتبة أو الشارع، تساءلت وقتها طويلاً ما الذي سيرسخ في العقول إلى الأبد، ملزمة ذاك أم أسلوب هذا.
لا أعرف من قال "إنني أزيد ثقة بحملة التوجيهي، كلما اقتربت من بعض حاملي الدكتوراة"، ولست متأكداً من الفرق بين الاثنين في بعض الأحيان، لكنني كدت أن أفعل وقد تابعت عدة لقاءات معبرة وشفافة ومتواضعة وبسيطة للدكتور أحمد زويل..
في كل مرة كان زويل يعرض لأعقد القضايا العلمية ببساطة متناهية، بتعبيرات تعكس مدى التغيير الذي طرأ على دماغ خريج الإسكندرية، المواطن العربي الذي خرج مهاجرا فعاد عالماً كونياً ليصطدم بحقائق مذهلة حول أساليب التعليم والبحث العلمي والتكنولوجيا في العالم العربي.
لا يمكن للبحث العلمي في بلد ما أن ينضج من دون مقدمات.. هو أسلوب التعليم القائم على دفع الطلبة منذ البدء للبحث والتنقيب والتفكير وربط المعطيات والتوصل إلى النتائج.. وإلا فكيف تحققت معجزة الصين التي تحكم العالم طولا وعرضا.
تعرفون ماذا حصل مع الهند عندما وضعت البحث والتنمية أساساً لانطلاقتها منذ أن حمل نهرو شعار العلم والديمقراطية أساسا لفكره، ثم ماذا عن تركيا التي ترفع بشكل مطرد معدلات إنفاقها على البحث العلمي عبر مائة جامعة من أفضل الجامعات البحثية في العالم فغزت البرمجيات التركية العالم أجمع، بل إن البرلمان التركي أقرَ أن التعليم أهم من أي مشكلة سياسية أخرى، ونسأل بم تنشغل برلماناتنا!
إسهاماتنا العربية في العالم اليوم، صفر يا سادة، فيما دول اعتدنا أن ننظر إليها باستعلاء غير مفهوم كالصين والهند وماليزيا وأندونيسيا تُصَدِر للعالم العقول والتكنولوجيا والخبرات والمعرفة.
لماذا نذهب بعيداً..فها هي الصحافة والبرلمان الإسرائيلي تضج وتشطاط غضباً بسبب أن ستا فقط من الجامعات الإسرائيلية هي ضمن أفضل خمسمائة جامعة في العالم ..(أكثرها ضمن أفضل مائتين).
يتساءل زويل مثلنا.. ما الذي يحمله المستقبل للناجحين والخاملين في العالم..؟ وأتساءل بدوري أيُ الدلالات تلك التي تحملها أرقام تقارن بيننا وبين عدونا، لتشير أن براءات الاختراعات الإسرائيلية، في العام الماضي فقط، فاقت براءات اختراعات العرب على مدى تاريخهم، فيما الإنفاق والبحث وحجم العلماء وحجم النشر ومواقع الجامعات بدهيات تشي بشكل مستقبلنا إجابة على زويل.