دفاعا عن شرف المرأة المغربية
دفاعا عن شرف المرأة المغربية
"ظاهرة الدعارة في المنطقة العربية مسؤوليات وأسباب"
نوال السباعي
ترددت في الآونة الأخيرة إلى حد لم يعد من الممكن التغاضي عنه ، الاتهامات الأخلاقية الخطيرة ، المبطنة حينا والمعلن عنها حينا آخر ، للفتيات وللنساء المغربيات ، خارج وداخل بلادهن. فماحقيقة هذه الاتهامات للمرأة المغربية ، وماحقيقة الأوضاع الاجتماعية والسياسية التي تعيشها النساء المغربيات والتي أدت إلى تفشي هذا الوباء ؟ ، وهل هذه حال تخص المرأة المغربية من دون سائر نساء المنطقة العربية ؟! ، وإذا كان الأمر كذلك فلماذا ظهرت هذه القضية على الساحة الإعلامية بمثل هذه الكثافة بينما لايتجرأ أحد على فتح هذا الملف المخزي في باقي الدول العربية ؟.
*** إنه لمن المؤسف أن يتركز الكلام عن بلد واحد فيم يخص هذا البلاء ، بينما وعلى أرض الواقع تشترك كل دول المنطقة بالآفات نفسها والأمراض عينها، فظاهرة البغاء عمّت المنطقة العربية كما غيرها من مناطق العالم في زمن الانهيار الإنساني الذي نعيش، لأسباب على رأسها الحروب والغزوات والاستعمار بكل أشكاله، وسقوط أنظمة فكرية وسياسية وعسكرية "عظمى" لتصبح دولها تابعة للغالب ، وشعوبها متسولة علىأبواب جحيم عالم لايرحم، أما في المنطقة العربية على وجه الخصوص وإضافة إلى هذا السبب الأساس فهناك أسباب خاصة منها :
* الفقر المدقع بشعبه الثلاث المادي والفكري والأخلاقي وهو من أهم الأسباب السياسية الإدارية التربوية التي تدمر البلاد .
* التفسخ الاجتماعي الحاصل بسبب جملة العلاقات غير السوية التي تحكم السلوك العام في مجتمعاتنا في هذه المرحلة بالغة الحرج من تاريخ منطقة تنخرها أوبئة الاستبداد السياسي والظلم الاجتماعي .
* ارتكاس الحسّ الأخلاقي لدى الناس إلى الحضيض بسبب تمسكهم بالعادات والتقاليد وظاهر أوامر الدين بعيدا عن روحه وفلسفته التربوية ومايترتب عنها من رادع أخلاقي شخصي لدى الأفراد .
* عدم احترام الإنسان لنفسه ، وهو الذي لم يعتد أن يحترمه أحد ، فالإنسان في منطقتنا هو مجرد "شيء" على آخر لائحة اهتمام الجميع في الأسرة والمجتمع والمدرسة والمؤسسة الدينية والدولة، وهذا يسهل عليه السقوط في مهاوي الرذيلة والجريمة ، إذا لم يجد من يعزز لديه الشعور باحترام الذات وتقديرها.
* اختلال دور الأسرة في المجتمع ، واضطراب دور كل من الأم والأب في الأسرة ، وخاصة دور الأب الذي أصبح في أيامنا هذه دورا بعيدا عن التأثير على الرغم من السيطرة الذكورية العارية عن الفعل الحقيقي في حياة الأسرة ، إذ يبدو وكأن معظم الرجال قد استقالوا من مهمة القوامة في بيوتهم ، القوامة بما تعنيه من "قيام مادي ومعنوي وتربوي بحق أسرة ، من واجب ربها وراعيها القيام بشؤونها وحمايتها ، وإكرام أفرادها والقيام على خدمتهم وتلبية احتياجاتهم" !.
*** إنه خلل خطير جدا في دور الزوج والأب ودور الأسرة في المجتمع ، أدى إلى انفلات للأمور ، وضياع للأبناء والبنات ، في ظل أوضاع سياسية خانقة وظروف اقتصادية مدمرة ومشهد اجتماعي مؤسف ، ولايمكن لعاقل أن يقول إن هذا وضع تختص به المملكة المغربية من دون سائر بلاد المنطقة العربية!! ، إن أمراضنا من المحيط إلى الخليج واحدة ،وإن معاناة الإنسان في المنطقة العربية واحدة ، وإن الثقافة السائدة في المنطقة هي ثقافة واحدة مريضة مهترئة ، قد آن الأوان لتجديدها وتشذيبها وتحديثها بإعادتها إلى أصول الحضارة العظيمة التي تنتمي إليها هذه المنطقة ، وخاصة فلسفتها الأخلاقية في تعاملها مع الإنسان رجلا كان أم امرأة ، لنستطيع إعادة الأمور إلى نصابها في تحرير إنساننا من الذل والهوان والضياع.
إن الإحصائيات - الموجودة على الشبكة لكل من يريد مراجعتها – والتي تنشرها بشكل دوري الهيئات الاجتماعية والمنظمات الدولية عن أوضاع البغاء في مجمل دول المنطقة العربية لهي إحصائيات مفزعة ، ولاتختص بالمغرب ولابنساء المغرب ، وإن العفة والستر على عباد الله يمنعننا من إيراد أسماء دول أو شعوب المنطقة من التي ينتشر فيها البغاء انتشار النار في الهشيم ولنفس الأسباب المذكورة أعلاه ، ولن نقع في نفس المطب الذي وقع فيه من شهّر بالمغرب ونساء المغرب ، وكأن كل نساء المغرب ينتمين إلى هذه الفئة المسحوقة المظلومة من شعوبنا المغلوبة على أمرها مرة بسطوة الاستعباد الذي ضيع البلاد ، وأخرى بسلطة مجتمعات ظلمت العباد ، وثالثة بحمق هيئات تربوية دمرت شعور الإنسان بالكرامة ، ورابعة هي مؤسسات إعلامية لاتمتلك رؤى حضارية لتوجيه الشعوب نحو النهضة والخروج من النفق ، ولاتكف عن التحريش بين أبناء المنطقة الواحدة ، الإخوة في العقيدة واللغة والتاريخ والهمّ والألم والأمل والحلم بالمستقبل.
إن المراقب والمتابع لهذه النشرات الدورية يعلم حجم المصيبة الحقيقية التي لحقت بأعراضنا المستباحة في المغرب والمشرق على السواء ، ولم تنج من هذه المعضلة واحدة من بلاد المنطقة ، وقد نسينا أمرين على غاية من الأهمية :أولهما اعتبار البغاء مرضاً اجتماعيا ينبغي على الدول والأفراد والمجتمعات والمؤسسات الدينية والاجتماعية العمل الحثيث لاستنقاذ بناتنا منه ، وأقول "بناتنا" لأن هؤلاء النسوة هن بناتنا وأعراضنا ، وقد دفعت بهن الظروف المؤلمة في بلادنا إلى سوق الاتجار بالإنسان ، سوق الرقيق الحديث ، في زمن لم يعد فيه للإنسان أي احترام ولاللمرأة أية قيمة ، ليس في الغرب فحسب – كما يعجبنا أن ندندن- ولكن في الشرق والغرب والشمال والجنوب .
وثانيهما المسؤولية الواقعة على عاتق الرجال وفي عدة اتجاهات في هذه المجزرة ، مجرزة الشرف والأعراض – التي لم تعد مقتصرة على الإناث بل شملت الذكور كذلك !!- ، أولئك الرجال الذين ضيعوا أسرهم ، بالمبالغة في سوء المعاملة حينا والذي يدفع الفتيات والفتيان إلى مغادرة البيوت والهرب ، أو بالاستهتار بالمسؤولية التي كلفوا بها دينيا واجتماعيا وأخلاقيا وإنسانيا وقانونيا ، فضربوا بها عرض الحائط وانصرفوا عنها بعيدا عن البيت الذي دُكّت حصونه وقد بقي مشرع الأبواب دون حارس حريص ولاراع أمين .
*** لايقتصر دور الرجل – المقصود فئة من الرجال وليس كلهم بالطبع- في هذه القضية على التخلي عن مسؤولياته والاسهام بصورة غير مباشرة في دفع أهل بيته إلى البغاء، فهناك فئة من الرجال يُعتبرون مسؤولين مشاركين في هذه الجريمة ، وتقوم بعض الدول المتقدمة بتجريم الرجال الذين يطلبون هذه "الخدمات الجنسية" – كما تسمى في الغرب! - ، فهم الذين يدفعون المال للحصول على مايبتغون ! ، أما في المنطقة العربية والثقافة العربية المعاصرة فإن التجريم واقع وحسب على المرأة ، وقد ثبت تاريخيا أن الغالبية العظمى من هؤلاء النساء هن فتيات مُغرر بهن ، أو قد تم اختطافهن وإرغامهن على ممارسة الدعارة تحت التهديد الذي قد يصل إلى القتل ، فكيف نجرم الضحية ونترك الجلاد ؟!، ولماذا لاتقوم الدول العربية التي تريد منع الفتيات المسلمات من هذه الجنسية أو تلك بدخول أراضيها، بملاحقة ومعاقبة رجالها ممن يفتقرون إلى الضمائر والأخلاق والدين والشرف ؟! ، ولماذا تعتبر هذه الفتيات محرضات على الرذيلة بينما يسكت المجتمع والإعلام والدول عن دور هؤلاء الرجال من زبائن الشيطان ممن لايتورعون عن هتك أعراض المسلمات وغير المسلمات ، ممن يعرفون يقينا أن الغالبية العظمى منهن يمارسن هذه الرذيلة مرغمات مقهورات؟!.
وفي الحالة الثالثة يصبح الرجل مسؤولا رئيسيا مباشرا، حيث يلجأ بعض "الرجال" إلى دفع نسائهم إلى ممارسة البغاء طلبا للمال ، وهذه حقيقة لايمكن الإغضاء ولا السكوت عنها! ، لأنها معروفة لدى كل مُطلع ، وليس إلا مراجعة ملفات الشرطة الاجتماعية وهيئات المساعدة الاجتماعية في الغرب والشرق على السواء لنتأكد من حجم الفاجعة! ، وكثيرا ماعرضت الأفلام والمسلسلات والروايات العربية لهذه الحقيقة الاجتماعية المرعبة في محاولة منها لكشف المستور الجارح المؤلم ، وليس في هذه الفنون ولا الآداب مايختص بأهل المغرب ونسائهم ، بل إنها صادرة متحدثة عن دول أخرى وشعوب أخرى في المنطقة العربية لايجرؤ كثيرون على ذكرها في هذا الباب الذي لامرحبا بداخليه.
*** لقد عشت في اسبانيا ثلاثين عاما ، تعرفت خلالها على أبناء الشعب المغربي بكل طبقاته وفئاته الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية ، ولاأستطيع أن أشهد بما تتناقله وسائل الإعلام وبعض الجهات الحكومية اليوم من اتهام فتيات المغرب بنواياهن المشبوهة المبطنة ومن التشهير بهن وبشرفهن !.
لقد عرفت ورأيت وعاينت حياة المئات من الفتيات المغاربة ممن يلتزمن الدين أو لايلتزمنه ، ومن طالبات الدراسات العليا الاختصاصية أو الأميات الجاهلات ، من بنات الأسر الغنية غنىً فاحشا ، كما من بنات الفقر والحرمان ، فلم أر وخلال ثلاثين عاما مايؤشر إلى أن الشعب المغربي شعب يسمح بالدعارة !، ولا أن نساءه وفتياته ممن يتساهلن في مسألة الشرف والعرض ، ولكنه شعب منفتح مثقف حر ، وفي المغرب لاقيود على الحريات الشخصية للأفراد والمجتمع مما يعطي انطباعا بأنه شعب متفلت ، وهذه حقيقة منقوصة ، فليست الحرية رديفا للفساد ، ولكنها تعبر عن فلسفة دولة تفهم أن فرض القيود على الناس لايعني أنهم لايمارسون "حرياتهم" في الخفاء ، وإن انتشار البرقع وفرض الحجاب بالقوة ومنع الاختلاط في العلن وتشجيع جرائم العار – والتي يسميها المجتمع جرائم الشرف- في بعض المجتمعات العربية و "الإسلامية" لايمنع من انتشار الفاحشة حتى في بعض الأماكن المقدسة ، حتى صارت الرذيلة خبرا متواترا يسير به الركبان في عصر الصاروخ والانترنيت والفيس بوك!.
ليس من الحصافة والحكمة اتهام شعب كامل بمثل هذه التهمة بسبب حفنة من أبنائه سقطوا في مهاوي البغاء لأسباب سياسية واقتصادية وتربوية أخلاقية عمّت المنطقة العربية كلها ، تتعلق أولاً بفشل دولنا في تأمين فرص العمل للملايين من شبابها ، مع اختفاء الخطط التنموية التي تستطيع استيعاب ماتدفع به الأرحام من عشرات الأبناء لكل أسرة تفتقر إلى الحد الأدنى من أسباب العيش الشريف!!، وليس من الإنصاف أن توجه كل السهام إلى الشعب المغربي وحده من بين شعوب المنطقة المتلبس معظمها بنفس الأعراض والأمراض ، لالشيء ولكن لأن لشعوب أخرى حصانة دبلوماسية وإعلامية لايتمكن معها أحد من الإشارة إليها إلا بكل جميل .
دفاعا عن الشعب المغربي ، وعن شرف غالبية نسائه وفتياته المؤمنات ينبغي أن نترك شهادتنا للتاريخ ولهذه الأمة ، هؤلاء الفتيات اللاتي يزلزلن ساحات مدريد وباريس وروما وبروكسل بحناجرهن الندية تهتف لفلسطين والعراق ، تهتف بحب الرسول ودفاعا عنه في كل ملمة وحدث جلل ، تهتف دفاعا عن الحجاب ونصرة للإسلام ، تهتف لأمة لم تتردد في اتهامهن!، وبأي شيء ؟؟ بأغلى ماتملكه أمة!! ، شرفها! ، فإن شرف الأمم لايقاس بسقوط فئة من أبنائها بين براثن الذئاب البشرية ، ولكن شرف الأمم يعرف بقدرتها على حماية أبنائها من السقوط ، والوقوف إلى جانبهم إذا سقطوا وانتشالهم من الهاوية وردهم إلى الحياة.