الطلاق و الحرب بين المطلقين... خسائر فادحة
الطلاق و الحرب بين المطلقين... خسائر فادحة
(الأبناء أول من يدفعون الثمن)
منى كوسا
هل يدرك الآباء معنى قرارهم و اصرارهم على الإنفصال ؟
النتيجة ليست على الأبناء فحسب فهي ليست مادية أومعنوية أونفسية للطرفين بل أن الخاسر هو المجتمع الذي تشكل الأسرة فيه النواة الأساسية .
الطلاق كالإجهاض و الإجرام و الإرهاب و الفساد و مصائب أخرى عدة ليست إلا مظهراً أخر من مظاهر نقصان وعدم تمام تطور الإنسان .
مجلة أيام الأسرة تعرضت لهذه القضية الشائكة في هذا التحقيق .
يفترض السيد " مراد العلي " أنه من الأفضل أن يلجأ زوجان بالغان نفسياً إلى قطع العلاقة الزوجية بالطلاق شرط أن يشرحا لأبنائهما بشكل مقبول و صريح ماذا يحدث و بضرورة اتخاذ مثل هذا القرار حرصاً على مصلحة الأسرة .
و أكدت السيدة " وئام ابراهيم " أن الأسرة في جميع الأحوال ترتكب جريمة الطلاق في حق ابناءها ,وليت الأمر يتم بالحسنى و يكون التسريح بإحسان لكن العناد يصل إلى درجة تجعل الزوجين المتحابين سابقاً " أعداء " يتذمر كل منهما بالأخرو كأن العشرة التي كانت بينهما مجرد هباء .
أما السيد " عامر العبيدي " يفترض في حال وجود خلافات زوجية يجب أن يبتعد كلا الطرفين عن بعضهما لمدة زمنية معينة بالأشهر مثلاً لإعادة التفكير في اتخاذ مثل هذا القرار و إتاحة الفرصة لرؤية الأمور بحجمها الطبيعي و خاصة في حال وجود أطفال , ويقول : إذا وقع الطلاق وكانت الحياة مستحيلة فلابد أن يفكر الآباء في مصلحة أولادهم فلا يشوه أحدهما صورة الأخر لأن نتاج ذلك سينعكس على الأبناء و خاصة إذا كانوا في مرحلة الطفولة .
و أكد " وائل رزق " أن المشروع الأساسي الوحيد للزواج هو الحب فإذا فقد الزوجان الحب فلا يمكن إجبارهما على التعايش فقط يلزم اتخاذ حلول ملائمة لحماية الأولاد , و إن العلاقة بين المطلقين لا يجوز أن تنقطع أو تنتهي في حال وجود أبناء بينهما فيقول : لا ننسى صلة الرحم و حق طاعة الأبناء لوالدهم فإذا تم الإنفصال لا يعني أن تنقطع الروابط حتى و لو تزوجت الأم مرة ثانية , فالمطلقة الواعية تلجأ إلى أسرة طليقها لكسر الحواجزالنفسية والأولاد لا بد أن يتربوا بأسلوب سليم متكامل و الإعتماد على الأم من دون الأب يفلت زمام الأمور فالمطلقة التي تشوه صورة
زوجها و أهله تورث الكره لأطفالها مما يجعلهم غير أسوياء .
أما " بسمة " ترى أن الحرب تشتعل بمجرد إعلان الإنفصال بين الزوجين و يحاول الزوج أن يدخل نفسه بعد الطلاق في شؤون كان بعيداً عنها قبل ذلك , وتبدأ الأمور تتفاقم و تتعقد وخاصة عند المطالبة بالنفقة الزوجية ونفقة الأبناء , وتقول : إن أغلب المطلقات اللواتي لديهن أطفال لا يفكرن في الزواج مرة أخرى و أن الرجل المطلق يبدأ بالسيطرة على أبنائه بصورة لم تكن من قبل.
السيدة " وفاء " تقول : إن منع الطلاق بالقوة يمكن أن يتحول إلى غلاية أو شعالة نار حقيقية للشيطان الرجيم بالنسبة للأسرة حيث أن الأطفال يجدون أنفسهم مجبورين على معاناة تبادل الشتم و الألفاظ و الكراهية بين أبويهم و لمدة أعوام .أشار الدكتور " عادل محمدالعمري "أن هناك شخصيات لا تتوافق بعد الزواج لعدم وجود التقاء فكري أو ثقافي أو اجتماعي أو أن الإرتباط لم يخطط له جيداً و هنا لا بدأن يدرك الشخص مسؤوليته و عليه أن يتحملها , ومع وجود الطباع السيئة كالعناد و الأسلوب الجاف في المعاملة و غيرها تظهر صراعات و هذا ليس مرضاً و لكن إذا كثر يتحول إلى
اضطرابات في الشخصية , و إذا استمرت فوق العشر سنوات فيكون هذا الطرف المتصارع شخصية غير سوية ولا بد في حالة طلاق أن يحظى كل من الطرفين بمساعدة و مساندة من حولهما في المجتمع .
من يستخدم الأطفال كسلاح ضد الأخر هو شخصية متجردة من الضمير و ليس لديه رحمة وهم بذلك يدفعون أبنائهم إلى أن يكونوا نسخاً من سلوكياتهم و هذا ما سيقودهم إلى العنف و تعاطي المخدرات و غيرها .
ويرى المحامي "ابراهيم عبد الرزاق" أن أغلب الرجال يسعون لضم حضانة أبنائهم ليس حباً بهم وإنما للتخلص من النفقة وأشار إلى أن الفتاة في سن الثالة عشر تحتاج إلى حضن أمها خصوصاً في هذا السن الحرج وهي أحوج إلى أمها من والدها و أوضح أن القانون في بعض البلدان كمصر والسودان مثلاً قاما بتعديل سن الحضانة حتى الزواج و هذا أصلح للأولاد .
المهندس" أشرف بركات " يقول : تبدأ الحياة الزوجية بالتقدير و الإحترام ومن ثم تتحول إلى المقارنة وكل زوج نال مراده ثم تأتي مرحلة الصراع ما قبل الطلاق و يستمر إلى ما بعده و إذا مات الحب بين الزوجين وساد العلاقة الزوجية حالة الفتور ينفر كل شخص من الأخر و تصبح العلاقة مبنية على الناحية المادية و المصالح الشخصية و هذا بداية الصراع و يؤدي بهما النزاع إلى المحاكم في الأغلب مما يجعل الأولاد في حيرة عاطفية ونفسية وو جدانية .
تجارب واقعية بين المطلقين :
بإلقاء الضوء على نماذج من التجارب الواقعية بين المطلقين و مشكلاتهم نجد أن الفرد يصعب عليه الخروج من دائرة أناه .
طلاق سريع :
السيدة " هيام " أخبرها زوجها بعد أسبوعين من الزواج أنه على علاقة مع فتاة أخرى تعرف عليها عن طريق الهاتف و أنها أجمل منها و قد حاولت بجهودها أن تقترب من زوجها و تحسن معاملته لكن للأسف لم تنجح و هي تعاني من حالة اكتئاب لسبب ما حصل لها من طلاق سريع بعد شهرين من الزواج علماً أن مدة الخطبة بينهما كانت طويلة ست سنوات و هي تتعالج حالياً عند طبيب نفسي .
وفي التعليق على قصتها هذه لا بد أن نشير إلى أن الخطبة الطويلة لم تساعد على تعارف الزوجين أو تفاهمهما بشكل معقول بل حدث أن الزوج قد أصابه الملل و الإنزلاق بعلاقة مرفوضة أدت إلى فشل الزواج بسرعة و هنا لابد من التأكيد على المضمون دون الشكل في الخطبة الطويلة و قصة " هيام " تدل أن زوجها أناني و متهور و ضعيف الخلق و يجب عليها أن تكون سعيدة لأنها تخلصت من مثل هذا الرجل و أنه انكشف على حقيقته و أن تحمد الله أنه لا يوجد أبناء بينهما ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خيراً لكم ).
استخدام الشائعات كوسيلة للإنتقام :
السيد "ابراهيم" يحكي تجربته مع مطلقته التي استخدمت الشائعات كوسيلة للإنتقام فيقول :لقد قررت الزواج بأخرى بعد عشر سنوات من زواجي الأول حيث قرر الأطباء استحالة الإنجاب من زوجتي التي عشت معها قصة حب دامت أعوام قبل الزواج ليس له مثيل بل إنني لم أقدم على الزواج مرة أخرى إلا بعد موافقتها نظراً للعشرة بيننا و بعد زواجي من الثانية بأيام قليلة فوجئت بأنها هي و أهلها مصرين على الطلاق فلم يصدق عقلي و اتهمتني هي و أهلها بأنني شخص منافق وأنا بحالة من الحزن الشديد .
رأي علم النفس:
الدكتورة "إيناس المصري"مستشارة علم النفس و مديرة مركز رعاية الأسرة ترجع أسباب فشل الزواج إلى الإختيار الخاطىء و تقول أن هناك سببان يؤديان إلى فشل الزواج الأول هو الإرتباط بهدف إشباع الإحتياجات أو لفقدان الحب أو لجرح من علاقة سابقة أي من دون نضج و السبب الثاني هو التفكير الأناني لإثبات الرجولة أو الأنوثة , ومن المفروض أن يقاوم الزواج السليم الفشل و أن يبقى خارج الذات أي لا يهدف إلى تحقيق مصلحة ما على حساب الطرف الأخر , ويأتي الفشل نتيجة الإصطدام بالواقع و بدلاً من أن يتحدا لمواجهة الحياة يتحولان إلى معسكرين متضادين متحاربين و كل
منهما يحاول أن يكون الأبرز و يمارس السيادة على الآخر و إذا رضخ طرف ما سارت الحياة و إذا ظهر التعنت تتكسر كل المبادىء أمام العناد و تضخم الذات و يحدث الإنفصال أو التهديد به .
وتؤكد على أن صدمة الطلاق تحطم توقعات الطرفين نتيجة لجهل كل منهما بالأخر و كيفية التعامل معه و بمسؤوليات و مستجدات هذه الكلمة فيحدث التضارب للشخصية و فتور المشاعر مما يؤدي إلى الإنتقام و استخدام الشائعات .
نوبات الهياج و تكسير الأشياء بعد الطلاق :
" ريما "وهي فتاة عمرها (18) سنة تقول إنها تصاب بنوبات تكسر فيها كل شيءأمامها بعد طلاقها من زوجها و هي لا تحبه أبداً لأنها تزوجت حسب إرادة واختيارالأهل لها بحجة أن ميسور علماً أنها كانت على علاقة عاطفية قبل الزواج مع شاب وسيم تحبه و يحبها و لكن اهلها رفضوه لأنه لا يناسبها من حيث الحسبو النسب والجاه و النتيجة كانت الطلاق لأنها كانت تعاني من المعاملة السيئة و الضرب المبرح نتيجة عدم وجود الحب بينهما . وهي بعدالطلاق تتصرف بعدوانية فهي تكسر الأشياء راجعت مشايخ وأطباء و أخذت علاجات مختلفة شعبية ودينية و أدوية لتعديل سلوكها .
أهل ريما أجروا لها تخطيط دماغي و تأكدوا من عدم وجود صرع عصبي .
أما عن رأي الطب النفسي في حالة" ريما "يرجع أن تكون حالتها نوعاً من السلوك التحويلي الهستريائي و الذي يتم من خلال تفريغ مشاعر الغضب و الإحباط و التوتر نتيجة لصراعاتها و معاناتها و لا بد من مراعاة الأهل ومن هم حولها و زيادة الوعي و الإدراك لديها و توجيهها نحو القيام بأعمال و هويات مفيدة و الأهل هم أول من يمكنهم مساعدتها بضبط سلوك العنف و إتاحة الفرصة لها للتعبير الإنفعالي الطبيعي من خلال لغة الحوار و التفاهم معها و لا بد لها أن تتابع الإرشادات النفسية من طبيب نفسي لكي لا تتفاقم حالتها .
الهجر بين الزوجين يسبب الطلاق :
السيدة " كوثر "تقول : زوجي يهجرني و يغضب علي دائماً و على أولادنا الثلاثة و هذا يؤثر على دراستهم فهم تراجعوا , و أحياناً يشتمنا و يمتنع من الكلام معنا لفترة زمنية و هكذا أصبحت الحياة لدي جحيم لا يطاق و أنا أطلب منه الطلاق بشكل دائم و سأكون سعيدة و فرحتي لا توصف لأنني أريد الراحة لأولادي .
رأي الدين حول قصة " كوثر " أن الهجر الزوجي يعني الإبتعاد عن الممارسة الجنسية و هو توجه قرآني كريم ( واهجروهن في المضاجع ), يمكن للزوج أن يقوم به تعبيراً عن انزعاجه من سلوك الزوجة وتصرفاتها و هو نوع من العقاب أو العتاب يمكن أن يحدث الأثر المطلوب في الزوجة و هو أن تراجع نفسها و تعترف بأخطائها أو على الأقل أن تصبح أكثر ليناً و إيجابية مع زوجها و لا بد من ضوابط للهجر الزوجي فهو دواء إن أحسن استعماله و ينقلب إلى داء إذا خرج عن حدوده ..
أما المهتمون بعلم النفس يضيفون أن المتضرر من الطلاق هم الأطفال لذلك يجب التفكير باتخاذه وأن يعي الزوجين مدى خطورته على الأبناء خصوصاً مرحلة الطفولة الحساسة جداً التي تتميز بالنمو الجسدي و العقلي و الأخلاقي و هذه المرحلة لها أفراحها و أحزانها و مشكلاتها إذ أن بعض الأطفال أكثر قلقاً من غيرهم نتيجة لظروفهم الأسرية القاسية .
ويشيرون أن سيكولوجية الطفل تتكون من التعليم اللا إرادي من خلال احتكاكه بالأب و الأم و اللذين يمثلان له المثل الأعلى و عندما يقذف كل منما الآخر بأفظع الإتهامات يقف في الوسط فلا يعرف من يصدق ؟ ومن هو الصح . و النتيجة تنعكس على تحصيله الدراسي , ومن خلال سماعه للإتهامات و معايشته للمواقف التي يتراشق فيها أهله بالشتائم تسقط لديه القيم و الخلق و الأمانة و تضعف لديه الثقة بنفسه و بالآخرين و يصبح فرداً غير سوي , وهنا يحتاج الأبناء إلى تعديل سلوكي و بشكل سريع لكي لا يصابون بالعقد النفسية أو الكبت و إظهار عكس ما بداخلهم و على الأهل أن يراعوا
التوازن في التعامل مع أبناءهم و أن يحلوا مشاكلهم بعيداً عن أبناءهم لأن الأبناء هم أول من يدفع الثمن .
خطر الطلاق :
يؤكد الخبراء في مجال التربية و الرعاية الأسرية أن الأطفال يصابون بأمراض و عقد نفسية و معظمهم تصبح تصرفاتهم سلبية و شاذة مع الأخرين و يتراجعون في تحصيلهم الدراسي , و الطب النفسي يؤكد أن جو المشاحنات و المنازعات و القلق و ضيق العيش لدى الأبناء في جوغير سوي سببه لهم طلاق أبويهم تظهر نتائجه السلبية مثل التبول اللاإرادي و الخوف في الليل و التشنجات والتراجع عن فعل أشياء إيجابة في حياتهم , و يؤكد الخبراء و مستشاري الأمراض النفسية و العصبية و الوراثة في لندن أن الخلاف المتجذر القديم بين الزوجين الذي تتبعه عداوة بعد الطلاق حكماً ستكون
ثمرته أبناء غير أسوياء من كافة النواحي سواءً الإجتماعية أو الصحية إضافة إلى الشذوذ و السلوك العدواني و الأمراض النفسية المعقدة .
الإسلام نهى عن الشتم و التباغض :
يؤكد الشيخ " عباس الخطيب " أن الطلاق هو الفرجة السماوية من رب العالمين و هو الحل الأمثل و الدواء الناجح و الشافي للزوجين اللذين استحالة متابعة العشرة بينهما , فيقول : لا بد أن يسبق الإنفصال بحدوده الشرعية بخطوات , الخطوة الأولى : وهي تدخل الأهل لكلا الطرفين للمساهمة في الإصلاح بينهما , قال الله تعالى : ( فابعثوا حكماً من أهلها و حكماً من أهله إن يريد إصلاحاً يوفق الله بينهما ).
و الخطوة الثانية قوله تعالى : ( فاهجروهن في المضاجع )
و الخطوة الثالثة قوله تعالى : ( فاضربوهن ) وبعد استنفاذ هذه الحلول الثلاثة يأتي قوله تعالى ( فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) , أما إذا بني الطلاق لا على شيء من هذه الأمور السماوية فهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه و سلم :( أبغض الحلال عند الله الطلاق ) وهو الذي يهتز له عرش الرحمان لأنه أسس على ظلموعدوان سواء كان السبب فيه الزوج أو الزوجة , و أضاف فإذا وقع الطلاق يجب على كلا الزوجين أن يحفظا سرهما الذي كان بينهما .
فلقد جاء رجل مطلق إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يشكو مطلقته فقال صلى الله عليه وسلم : ( يا هذا أمسك عليك لسانك ) و هذا تصريح واضح ألا يذكر مطلقته بأي سوء .