الاستيطان .. والغزو الديموغرافي
الاستيطان .. والغزو الديموغرافي
د. لطفي زغلول /نابلس
نشرت صحيفة:"يديعوت أحرونوت" العبرية تحقيقا عن الإستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، في ظل بقاء أيام على انتهاء سريان مفعول التجميد الشكلي للبناء الإستيطاني في الضفة الغربية، وتحديدا السادس والعشرون من شهر إيلول/سبتمبر من العام الحالي.
إستعرضت الصحيفة العبرية المذكورة المعطيات التالية حول الإستيطان معتمدة على أرقام جمعتها من"المجلس القضائي لما يسمى أرض إسرائيل" "السلام الآن" "الإدارة المدنية":
· ما ينوف عن ثلاثمائة ألف مستوطن يعيشون في الضفة الفلسطينية.
· ثلاثمائة وتسعون مبنى جديدا، بدأ بناؤها خلال أشهر التجميد الثمانية الأخيرة.
· ما ينوف عن ستمائة مبنى صادقت الحكومة الإسرائيلية على إقامتها كتجاوزات لقرار التجميد.
· حوالي سبعمائة مبنى بدأ بناؤها قبل بدء التجميد، واستمر بناؤها خلال التجميد.
· المعدل العام السنوي لإقامة الوحدات السكنية الإستيطانية في الضفة الفلسطينية هو ألف وسبعمائة وحدة سكنية.
في ذات السياق كشفت حركة "السلام الآن" أن المستوطنين يستعدون لاستئناف البناء الإستيطاني على نطاق واسع في الضفة الغربية فور انتهاء "التجميد". وأشارت هذه الحركة أنه من المتوقع بدء العمل في بناء حوالي "15" ألف وحدة سكنية، بينها "2066" وحدة في "14" مستوطنة.
يضاف إلى هذه الوحدات أكثر من "11" ألف وحدة، كانت الحكومة الإسرائيلية قد صادقت على إقامتها مسبقا. وهكذا فإن بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية يناور في محاولة مكشوفة لإرضاء المجتمع الدولي "بحل وسط" لضمان استمرار العملية التفاوضية، وإرضاء اليمين المتطرف في حكومته الذي يشكل الركيزة الأساسية لائتلافه الحكومي.
إنها معطيات مدعومة بأرقام تفضح النوايا والممارسات الإستيطانية للحكومة الإسرائيلية الحالية التي تسعى جاهدة لتغطية هذه الممارسات الإستيطانية في الأراضي الفلسطينية أمام المجتمع الدولي وحليفتها الولايات المتحدة الأميركية.
فيما يخص هذا التوجه الإسرائيلي فهو يضعنا أمام المحاور الرئيسة والمعهودة للسياسة الإسرائيلية، أولها أن أية عملية سلمية من منظور إسرائيلي تقوم أساسا على مرتكزات حددتها هذه السياسة ولا تنوي التنازل عنها، والإستيطان بكل أشكاله واحد رئيس منها.
ثاني هذه المحاور أن السياسة الإسرائيلية حتى تظهر للعيان إقليميا ودوليا أن لديها أفقا سياسيا، فهي لذلك دأبت على إعلان أن هناك استيطانا غير قانوني ستعمل على تفكيكه. وما دام هناك استيطان غير قانوني، ففي المقابل هناك"استيطان قانوني" خارج نطاق أية تسوية سلمية، وهذا الإستيطان يضم الكتل الإستيطانية الكبرى في الضفة الغربية والقدس.
المحور الثالث، إن الحكومة الإسرائيلية في هذا الصدد تستند إلى أنها تفرض منظورها فيما يخص الإستيطان مستندة إلى عدة عوامل تعمل جميعا لصالحها. وانطلاقا فهي تعتمد على قوتها العسكرية وبصفتها محتلة للأراضي الفلسطينية بقوة السلاح. ثم إنها تمارس سياسة فرض الأمر الواقع، وكذلك فهي تستند إلى ظروف إقليمية وعربية ودولية مواتية. لعل أفضل هذه الظروف هو التأييد الأميركي المنقطع النظير لها.
أو بمعنى آخر الإنحياز الأميركي المطلق للسياسة الإسرائيلية والذي قام بتتويجه الرئيس الأميركي السابق بوش الإبن بوعده إلغاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وتأييده عدم الرجوع إلى ما وراء حدود العام 1967، وحق الإسرائيليين في استبقاء المستوطنات الكبرى تحت ظلال إدارتهم وسيادتهم.
وها هي إدارة الرئيس الحالي باراك أوباما، تحاول إيجاد حل وسط يكمن في تمديد آخر مدته ثلاثة أشهر، بغية القول بأن المفاوضات المباشرة قد صمدت، ولم يكن مصيرها الفشل، وكأن المطلوب هو التمديد لا التفكيك لكل أشكال الإستيطان.
المحور الرابع والأخطر منها جميعا، يتمثل في هذا السؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح: هل الحديث عن تجميد الإستيطان هو الحل النهائي، أم أن الحل النهائي الذي لا تتحدث عنه الولايات المتحدة الأميركية، أو الأنظمة السياسية العربية يكمن في تفكيك كل أشكال الإستيطان؟.
كلمة أخيرة. إن الإستيطان في الأراضي الفلسطينية المغتصبة من أصحابها الشرعيين، إضافة إلى كونه غزوا جغرافيا منظما، ومخططا له، فهو في الحقيقة غزو ديموغرافي، يهدف إلى إفراغ الأرض من أصحابها، وإلى استعمارها. إن هذا الإستيطان بكل أشكاله لا يؤسس لأية عملية سلمية لا في المستقبل المنظور، ولا البعيد.