اللغة العربية في ظلال القرآن

والحديث

زهير المزوق

  من الآراء التي طرحت خلال المناقشات في الآونة الأخيرة حول اللغة العربية ، رأي الأستاذ عودة الله القيسي ، وقد أبداه في مقال منشور في العدد ـ 182 ـ من مجلة المعرفة .

  وفي مقالي هذا ـ اللغة العربية في ظلال القرآن والحديث ـ مناقشة لذلك الرأي الخطير !.

  يقول الأستاذ القيسي :

  ".. فمع أن الذي حرك العرب لجمع اللغة ولوضع نحوها و القرآن الكريم والحديث الشريف ، باعتبار الحفاظ عليهما يستدعي الحفاظ على اللغة التي سجلا فيها .. ومع أن القرآن والحديث ساعدا على التمسك بها .. غير أن اللغة العربية فيها من الخصائص الذاتية ما يبقيها حية ويجعلها قادرة على النمووالتطور واستيعاب روح العصر . من ذلك كثرة مفرداتها التي تعبر عن الحالات المختلفة للنفس ، والصور المختلفة للأشياء ... "

  إن الأستاذ القيسي يجعل من خصائص اللغة العربية درعاً منيعة تقيها شر التغير . أما دور القرآن والحديث في ذلك ، فضئيل كا يفهم من قوله .

  ونحن لا ننكر ما للعربية من خصائص بها نفتخر ونعتز . ولكننا ننكر تقليل الأستاذ القيسي من شأن الدور الذي لعبه كل من القرآن والحديث في حفظ اللغة العربية من ذلك التغير . ونقول بخطأ ذلك الرأي .

  إن كثرة مفردات هذه اللغة واشتقاقها وقيامها على الأوزان ...

  كل هذا ما كان ينفع شيئاً لو أنها وقعت بين أنياب اللهجات المتعددة التي هاجمتها من كل حدب وصوب . وما كان ينفع شيئاً لو أنها جابهت ـ منفردة ـ نكبات الدهر التي مرت عليها . وهنا يتجلى دور القرآن العظيم . فهو الذي " حفظ اللغة العربية من أن تتمزق إلى لهجات . فقد استعصت بفضله على نكبات الدهر ورسخت رسوخ الجبال الشم الرواسي . ولولا القرآن .. لما بقي التفاهم ميسوراً مع فكر أربعة عشر قرناً ، بينما لغات الأمم الآن في العالم كله لا تستوعب إلا فكر قرنين أو ثلاثة ، وخاصة لغات أوربة " . (1)

  ثم إن فصاحة اللغة ـ كما يقول العلامة مصطفى صادق الرافعي ـ ليست في ألفاظها ، ولكن في ترتيب ألفاظها .. أي في طريقة التعامل معها . فإذا سلمنا بهذا ، كان واجباً علينا التسليم بالأهمية القصوى للدور الكبير الذي قام به القرآن الكريم والحديث الشريف في رفع مستوى اللغة العربية عن طريق التعامل مع ألفاظها تعاملاً رائعاً منح اللغة العربية تألقاً في البلاغة والفصاحة والبيان ، ونأى بها عن التحريف والركاكة والرطان .

  هذا ، وإن كثيراً من أمهات قواعد اللغة العربية وكثيراً من بدائع ألفاظها وروائع اشتقاقها محفوظ في القرآن والحديث في صياغة وترتيب قمة في البلاغة والفصاحة . وأعتقد أن هذا بديهي لا يحتاج إلى برهان . كما لا أشك بأن أحداً يشك في صحته إلا إذا كان زنديقاً يتجاهل أو جاهلاً يتزندق ، على حد تعبير الرافعي ، رحمه الله .

  ومن فضل القرآن والحديث على اللغة العربية أيضاً ، أنهما كانا مصدرين أساسيين من مصادر جمع اللغة . حتى إن الطريقة التي بها جمعت اللغة ودونت كان الفضل فيها للحديث  إذ إنها كانت تسير وفق منهج المحدثين في جمع الحديث وهي الطريقة المثلى التي حفظت ـ بجدارة ـ اللغة من كل تزييف وتحريف فما اتبع ي اللغة على نمط الحديث أنهم رتبوا ما ورد فيها ترتيب أهل الحديث . ففصيح وأفصح ، وجيد وأجود ، وضعيف ومنكر ومتروك . (2)

  كان الأستاذ .. إلى جانب ما اعترف به الأستاذ القيسي من أن الذي حرك العرب لجمع اللغة ولوضع نحوها ، والذي ساعد على التمسك بها هو الحديث والقرآن . فهل يحق لنا بعد ذلك التقليل من شأن الدور الذي قام به كل منهما في الحفاظ على لغتنا العربية العزيزة على قلوبنا من التغير ؟!

               

  هوامش :

   1 ـ مجلة حضارة الإسلام . العددان : الخامس والسادس  1975 ، ص 144

  2 ـ اللغة تحت لواء الكتاب والسنة ـ الأستاذ فاروق حمادة ـ مجلة حضارة الإسلام ـ العدد الرابع ـ السنة السابعة عشرة .