خطر السُخرية بالإسلام وأهله

خطر السُخرية بالإسلام وأهله

موسى بن سليمان السويداء / السعودية

[email protected]

قد صح أن سبب نزول قول الله تعالى : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ .. }(1) هو أن رجلاً في غزوة تبوك قال : " ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب يطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء – يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه القراء – فقال له عوف بن مالك : كذبت ولكنك منافق لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فذهب عوف بن مالك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره فوجد القرآن قد سبقه فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أرتحل وركب ناقته فقال : يا رسول الله إنما كنا نخوض ونتحدث حديث الركب نقطع عناء الطريق !

فقال ابن عمر ( وهو راوي الحديث ) : كأني أنظر إليه متعلقاً بنسعة (2) ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن الحجارة تنكب رجليه وهو يقول : إنما كنا نخوض ونلعب ، فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ .. } وما يلتفت إليه وما يزيده عليه " .

بلا شك أن هذا خطر عظيم يغفل عنه كثير من الناس ، حتى أن القاسم بن قطلوبغا الحنفي من علماء القرن التاسع الهجري , قد ألّف كتاباً سماه " من يكفر ولم يشعر " , وذلك بسبب جهل كثير من الناس بهذا الأمر أو عدم مبالاتهم به .

وحول تفصيل الاستهزاء بالدين وأهله , قسَّم العلماء الاستهزاء إلى قسمين :

الأول : صريح كالذي نزلت فيه الآية , أو كالاستهزاء بالصوم أو الحج أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو تقصير الثياب أو إعفاء اللحية أو الحجاب الشرعي وما أشبه ذلك مما هو من أوامر الشرع .

والثاني : غير صريح مثل غمز العين , وإخراج اللسان , ومد الشفة إلى غير ذلك من الأعمال التي هي متعارف عليها عند الناس أنها من السخرية , كما قال تعالى : { وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ }(3)(4).

ومن المهم التنبيه عليه أن المستهزأ حينما يستهزأ بشيء من الدين , لا يقع بمفرده في وحول الردة والكفر , بل كل من حضر ذلك المجلس يلحقه الكفر إذا رضي به , ولم ينكره على الشخص الذي يتكلم به أو يفارق ذلك المجلس , كما قال تعالى : { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا }(5)لأن معنى السكوت هو الرضا بما يُقال .

ومن وسائل نشر هذا المنكر الخطير ما تبثه بعض القنوات الفضائية , التي تنشر وتذيع أعمال وأقوال تسخر بالإسلام وتعاليمه والقائمين عليه , من علماء ودعاة يقف خلف هذه البرنامج جيش من المنافقين الزنادقة , الذين يسعون إلى إفساد الدين وزعزعته في قلوب المسلمين , وهذه هي حقيقة العلمانية العربية .

فأف لهم مما يقولون وتباً لهم مما يفعلون ..... فليحذر المسلم الناصح لنفسه ولأبنائه ولإخوانه , بأن يقع في شِراك كفرهم ونفاقهم من خلال برامجهم القذرة التي يبثون في رمضان وغير رمضان , فماذا يُرجى من أُناس قد تنكبوا لمجتمعاتهم ولدينهم وأمتهم الإسلامية , وسخروا منها بعد إن كانوا محل آمالهم , وصدق القائل :

ونَـديمٍ  محَضْتُهُ صِدْقَ iiودّي
ثـمّ  أولَـيـتُـهُ قَطيعةَ iiقالٍ
خِـلـتُهُ  قبلَ أنْ يجرَّبَ iiإلْفاً
وتـخـيّـرْتُـهُ كليماً iiفأمْسى
وتـظـنّـيْـتُهُ مُعيناً iiرَحيماً
وتـراءَيْـتُـهُ مُـريداً iiفجلّى
وتـوسّـمْتُ  أنْ يهُبّ iiنَسيماً
بِتُّ من لسْعِهِ الذي أعجزَ الرّا
وبَـدا  نـهـجُهُ غَداةَ افترَقْنا
لـم  يكنْ رائِعاً خَصيباً iiولكِنْ









إذْ تـوهّـمْـتُهُ صَديقاً حَميما
حـيـنَ  ألفَيتُهُ صَديداً iiحَميما
ذا ذِمـامٍ فـبـانَ جِلْفاً iiذَميما
مـنـهُ قـلْبي بما جَناهُ iiكَليما
فـتـبـيّـنـتُهُ لَعيناً iiرَجيما
عـنـهُ سَبْكي لهُ مَريداً iiلَئيما
فـأبـى  أن يهُبّ إلا iiسَموما
قـي  سَليماً وباتَ مني iiسَليما
مُـستَقيماً والجسمُ مني iiسَقيما
كان  بالشرّ رائِعاً لي iiخَصيما

               

(1) سورة التوبة /65و66

(2) النسعة : الحبل المفتول الذي يقاد به الجمل .

(3) سورة المطففين / 30

(4) رجع حول تقسيم الاستهزاء " كتاب التوحيد " للشيخ صالح الفوزان , و مجموعة التوحيد النجدية .

(5) سورة النساء /140