أخلاقيات الجيش المحتل

جميل السلحوت

[email protected]

أثارت المجندة الاسرائيلية التي نشرت على"الفيس بوك"صورة لها مع فلسطينيين مكبلي الأيدي معصوبي الأعين، لا حول لهم ولا قوة، لتعبر عن "أسعد أيام حياتها في الجيش" ردود فعل اعلامية واسعة كمثال على بشاعة تصرفات الجيش المحتل مع الشعب الواقع تحت الاحتلال، وردة الفعل هذه تأتي ليس من باب الدفاع عن ضحايا الاحتلال بمقدار ما صاحبها من دفاع عن"أخلاقيات" الجيش المحتل، والتي كانت في المحصلة أنه"لو كانت المجندة في الجيش الآن لحاكمها على فعلتها"، ومع بشاعة الجريمة المتمثلة في تقييد الأيدي وتعصيب العيون، وتصوير ذلك ونشر الصور للتعبير عن سادية الجيش المحتل، وهو في غالبيته ولد وتربى وترعرع في دولة تمارس احتلالها لأراضي غيرها ولشعب آخر، الا أن هذه الجريمة الانسانية تكاد تكون الأقل والأبسط في ممارسات الجيش المحتل، فانتهاك حقوق الانسان الفلسطيني من قبل المحتلين هي القاعدة وليس الاستثناء، ولعل منظمة "بتسيلم" الاسرائيلية وغيرها من المنظمات المحلية والدولية التي توثق الانتهاكات الاسرائيلية لحقوق الانسان الفلسطيني لديها آلاف الشواهد على ذلك، فالحواجز العسكرية الاسرائيلية في الضفة الغربية منعت نساء فلسطينيات من الوصول الى المستشفيات وهن في حالة المخاض، مما اضطرهن الى الولادة على الحواجز في الشوارع العامة أمام الجنود وأمام المارة، مما عرض حياتهن وحياة مواليدهن الى الخطر، اضافة الى الأضرار النفسية الهائلة التي تلحق بهن وبغيرهن، واغلاق الحواجز وحشر من يريدون عبورها لساعات طويلة تحت لهيب الشمس الحارقة صيفا، وسياط البرد القارس شتاء حالة مستمرة ومعروفة، وكذلك تكسير ايدي أشخاص وهم مقيدون، أو اجبار بعضهم على شرب البول، واطلاق النار بطريقة عبثية تصل الى درجة اصطياد الأطفال ايضا قضية معروفة، وقد تزامن مع نشر المجندة الاسرائيلية لـ"بطولاتها" على الفيس بوك أن أدانت المحكة العليا الاسرائيلية جنودا من حرس الحدود لقتلهم طفلة المواطن بسام العرامين في مخيم شعفاط في القدس، وألزمت شرطة حرس الحدود بدفع تعويضات لذويها، لكن الأطفال الذين قتلوا بدم بارد هم بالآلاف، وأسماؤهم وتاريخ اعدامهم  موثقة، وبالتأكيد فان حادثة اصطياد الطفل محمد الدرة  وهو في حضن والده لم تغب عن بال أحد لأنه جرى توثيقها بالتصوير التلفزيوني، كما أنه جرى توثيق حالات اطلاق نار من مسافة صفر على فلسطينيين مقيدي الأيدي ومعصوبي العيون، أما قضية اقتحام حرمات البيوت ودور العلم والمساجد، وخلط الطحين بالأرز والسكر والزيت وغيرها فقد حدثت كثيرا اثناء التفتيش، وقد سجلت حوادث قتل تحت التعذيب في المعتقلات اثناء التحقيق، وفي حوادث كثيرة ومنها عمليات قتل مدنيين عزل، أو استعمال المدنيين كمتاريس للجنود، شكلت قيادة الجيش المحتل لجان تحقيق، وكانت النتائج في غالبيتها أن الجنود تصرفوا حسب القوانين، ولم يخالفوا التعليمات، وهذا يعني أن هناك تعليمات رسمية للجنود باطلاق النار على المدنيين وقتلهم، ولعل شهادة الجنرال اشكنازي في الايام القليلة الماضية، أمام لجنة التحقيق الاسرائيلية في قضية مهاجمة سفينة مرمرة التركية وقتل تسعة أشخاص على متنها تشير الى ذلك عندما قال: "نعم كانت هناك مخالفة فقد تأخر الجنود في اطلاق النار" أي أن المخالفة كانت في عدم التسريع بالقتل.

والشهادة لله وللتاريخ ومن خلال تجربتنا تحت الاحتلال الذي زاد على ثلاثة وأربعين عاما، فان الجيش الاسرائيلي جيش نظامي ومنضبط ، وينفذ الأوامر التي تصدر اليه، وقد شاهدنا مرات ومرات خصوصا في الانتفاضة الأولى بعض دوريات الجيش تتعامل بطريقة لائقة، لكنها بعد ساعات تتعامل بطريقة وحشية مع أن جنود الدورية هم نفس الجنود، مما يعني انهم ينفذون الأوامر التي تصدر لهم، وهذا يتطلب رفع قضايا أمام المحاكم المحلية والدولية ضد قادة جيش الاحتلال وضد القيادة السياسية في اسرائيل، لأنهم هم المسؤولون عن هكذا تصرفات.

وما الحديث عن أخلاقيات جيش الاحتلال الا مدعاة للسخرية، لأن وجود الاحتلال نفسه هو عمل لا أخلاقي، ومن يرتضي أن يسلب حرية الآخرين لا يمكن أن يكون هو نفسه حرا، وقد أثبتت دراسات أن ممارسات جنود الاحتلال للعنف غير المبرر في الأراضي المحتلة تنعكس على تصرفاتهم في بيوتهم، ومع زوجاتهم وأبنائهم.

ان انتهاكات سلطات الاحتلال بمن في ذلك المستوطنون الذين يعتدون على الأرض ويعتدون على المزارعين ويحرقون المزروعات ويحظون بحماية الجيش اكثر من أن تحصى، مما يتطلب ضرورة وضع الأراضي المحتلة تحت حماية دولية، والتسريع في حلول لكنس هذا الاحتلال بكافة مخلفاته، وتمكين الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير مصيره، واقامة دولته المستقلة بعاصمتها القدس الشريف.