الأزهر جامع المسلمين وإمامه الأكبر شيخ الإسلام
الأزهر جامع المسلمين
وإمامه الأكبر شيخ الإسلام
أ.د. عبد الرحمن البر
أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر
وعضو مكتب الإرشاد بالإخوان المسلمين
تهنئة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه واهتدى بهداه.
وبعد، فيسعدني أن أتقدم إلى فضيلة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر الشريف وإلى رئيس جامعة الأزهر وإلى كل رجال الأزهر الكريم وإلى عموم شعبنا وأمتنا العربية والإسلامية بخالص التهنئة بقرب حلول شهر رمضان المبارك، سائلا الله أن يعيده على الأمة بالعز والنصر والتمكين واليمن والخير والبركة.
الإعلام والأزهر والإخوان:
يحلو لكثيرين – وبخاصة بعض الإعلاميين- أن يثيروا كثيرا من الغبار على علاقة الأزهر بالإخوان المسلمين، وأن يقدموا الأزهر باعتباره ممثلا حكوميا مهمته تبرير السياسات المتبعة من قبل الحكومات وتقديم التغطية الشرعية لما تمارسه صوابا كان أوخطأ، مشروعا كان أو غير مشروع، في مواجهة الإخوان الذين يتم تصويرهم على أنهم جماعة معارضة للنظام الحاكم لا همَّ لها إلا إسقاطَه وتبريرَ الخروج عليه، وبهذا يحاولون تصوير العلاقة بين الأزهر والإخوان كنقيضين لا يجتمعان.
وربما ساعد في ترويج هذه الصورة الخاطئة بعض التصرفات والعبارات من هذا الطرف أو ذاك، وربما استغل بعض الإعلاميين بعض الاختلافات الطبيعية في الرأي في ترويج هذه الصورة غير الصحيحة.
ومن هنا فقد كان سروري كبيراً باهتمام فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب بالتوضيح الفوري لكل ما ينقل في الإعلام منسوبا إلى الأزهر على غير الحقيقة، وآخر ذلك: ما روجته بعض وسائل الإعلام من أن الأزهر قد شكل لجنة للقضاء على (وفي رواية: لتطهير) أعضاء هيئة التدريس في الجامعة المباركة من الإخوان والسلفيين، ومن وصفوا بحملة الفكر المتشدد.
فبادر فضيلة الإمام الأكبر مشكوراً بنفي هذا الخبر (الوقيعة) جملة وتفصيلا، وقالت المشيخة في بيان لها: «إن هذا الخبر عار من الصحة جملة وتفصيلاً، وإنه لم تنعقد في رحاب الأزهر – جامعاً وجامعة- أية لجنة لمثل هذا الغرض، وأن الأزهر لا يعرف سياسات الإقصاء والاستبعاد، ولا يحجر على فكر، بل إن منهج الأزهر قائم على قبول التعدد في الرأي واحترام الاختلاف في الاجتهاد، وأن التطرف إنما هو نتاج للفكر الأحادي الذي يتعصب لوجهة نظر واحدة ويدعي احتكار الحقيقة، ومواجهة التشدد والتطرف إنما تكون ببيان وسطية الإسلام وسماحته ورحابته في قبول الاختلاف».
نعم، هذا هو الأزهر الذي عرفناه وعرفنا من خلال الدراسة فيه ديننا، وتعلمنا فيه أصول التفكير العلمي الحر النزيه القائم على فحص الحقائق ومناقشة الآراء والدوران مع الحق والدليل حيث دار، فبارك الله لشيخنا الدكتور الطيب، ووقاه وحماه وحمى الأزهر من المتربصين به.
وليست هذه السابقة الأولى للإمام الكريم، فبعد أن نشرت الأهرام حواره الممتع مع الأستاذ مكرم محمد أحمد، بادر الإمام حفظه الله بتصحيح ما نسب إليه في الحوار تجاه شيخنا العلامة الدكتور القرضاوي، ليقدم الصورة الحقيقية المثالية الوضيئة لشيوخ الأزهر الذين لا يعرفون غير التقدير لإخوانهم من أهل العلم والفضل والسابقة في الدعوة.
هذا عدا ما يقوم به فضيلة الإمام من جهود تصحيحية لكثير من الأوضاع الخاطئة التي وقف عليها بعد توليه المنصب الكريم، مما يحقق ارتباحا عاما بين عموم العاملين في هذا الصرح الشامخ الكريم، ونسأل الله أن يعين شيخنا على القيام برسالته على الوجه الأكمل، وألا يمرَّ يوم إلا والأزهر على يديه يتقدم للأفضل، وينفض عنه غبار الأغيار التي لحقت به في عهود سابقة.
الإخوان والأزهر :
لا يفتأ الإخوان يكررون في كل مناسبة تقديرهم العظيم لدور لأزهر وشيوخه تاريخا وواقعا، واهتمامهم العظيم بمستقبل هذا الصرح الإسلامي الشامخ الذي تفاخر به مصر، وتفخر جماعة الإخوان المسلمين بأنها تفهم رسالة الإسلام كما يقدمها الأزهر الشريف، وأنها تضم بين صفوفها نخبة من علمائه الفضلاء، وإليك ما قاله الإمام حسن البنا رحمه الله: «والأزهر بطبعه معقل الدعوة الإسلامية، وموئل الإسلام, فليس غريبا عليه أن يعتبر دعوة الإخوان المسلمين دعوته، وأن يعد غايتها غايته, وأن تمتلئ الصفوف الإخوانية والأندية الإخوانية بشبابه الناهض وعلمائه الفضلاء ومدرسيه ووعاظه, وأن يكون لهم جميعا أكبر الأثر في نشر الدعوة وتأييدها والمناداة بها في كل مكان».
ومع هذا الوضوح فإن محاولات الوقيعة بين الأزهر معقل دعوة الإسلام وبين جنود الدعوة المخلصين من الإخوان المسلمين لا تتوقف، وإن كانت دائما تتحطم على صخرة الوعي الأزهري والإخواني المشترك بفضل الله.
تولى فضيلة الإمام الأكبر مشيخة الأزهر حين كنت محبوسا ظلما في إحدى القضايا المفبركة للإخوان المسلمين، وأثناء العرض على القضاء سألني أحد الصحفيين: ماذا تحب أن تقول للأزهريين الذين لم يقف أحد منهم معك كأزهري، بينما وقفت النقابات المختلفة إلى جانب أعضائها؟ وأجبته: بأنني أعرف أن الأزهريين جميعا يقفون مع الحق، وأنني أشد على أيديهم ليظلوا يحملون رسالة النور والتنوير إلى الدنيا كلها، وأنني لا أقيس الأمور بهذا المقياس الذي يراه. ولم ينشر الصحفي السؤال ولا الإجابة، ويبدو أنه كان يستفزني بالسؤال لأسيء إلى أساتذتي وإخواني من علماء الأزهر، حتى يقدم (خبطة صحفية مثيرة)! ولذلك لم تعجبه الإجابة، ولم يشأ نشرها.
وما إن غادرت المعتقل حتى كتبت تهنئة لفضيلة الإمام الأكبر، ثم طلب مني أحد الصحفيين أن يجري حوارا، فطلبت منه أن يرسل الأسئلة مكتوبة على البريد الإلكتروني، ولاحظت أن أهم تلك الأسئلة كان المتعلق بفضيلة الإمام الأكبر، وبفضيلة رئيس الجامعة الذي كان قد تسلم منصبه للتو، ولما أجبت على الأسئلة وأرسلتها إليه لم ينشر الحوار أصلا، ربما أيضا لأن الإجابة كانت تعبر عن حقيقة موقف الإخوان المسلمين التي سبق أن نقلته عن الأستاذ البنا رحمه الله، ولا تصلح لأن تكون مقدمة لـ(وقيعة) بين الأزهر والإخوان.
وإلى حضراتكم السؤال الصحفي وإجابتي عليه:
«س: ما رأي الجماعة في أداء شيخ الأزهر الجديد الدكتور أحمد الطيب وهجومه العنيف على الجماعة؟
ج: لم أسمع بما تسميه الهجوم العنيف من فضيلة الإمام الأكبر على الجماعة، وما سمعته –إذ كنت حينذاك محبوساً– أنه قال: إنه لا علاقة له بالجماعة، ونحن نقول لفضيلته: لكننا لنا بك أمتن العلاقات، فأنت إمام الأزهر وأستاذ لنا، وأنت رأس علماء السنة، ومن حق كل المسلمين أن تربطهم بفضيلتك علاقات الحب والتقدير والاحترام، ونحن نرجو للأزهر فى عهدك رقياً وسمواً ومشاركة فعالة فى قضايا الأمة الكبرى، وتطويراً مناسباً يعيد للأزهر دوره وقيمته الكبرى والسامية.
ونحن نستبشر خيراً بفضيلته فى هذا الموقع، وقد بادر فضيلة المرشد العام بتهنئة فضيلته، وما إن غادرت الحبس والاعتقال حتى كتبت تهنئة لفضيلته، وكذلك غيري من الإخوان.
ونحن فى الجماعة نعتبر أنفسنا جنوداً لدعوة الإسلام التي يحمل الأزهر الشريف رسمياً عبئها بكل اقتدار.
س: ما رأي الجماعة في أداء الدكتور عبد الله الحسيني رئيس جامعة الأزهر الجديد؟
ج: فضيلة الأستاذ الدكتور عبد الله الحسيني أحد العلماء المرموقين، ونحن إذ نهنئه بتولي جامعة الأزهر فإننا نرجو أن تأخذ الجامعة دورها حاملة لدعوة الوسطية في العالم، وناشرة لرسالة الإسلام العظيم فى أنحاء الدنيا.
وأحب أن ألفت النظر إلى أن الإعلام والصحافة يجب أن تعطي لكل من يتولى مهمة ما أن يؤدي دوره لفترة مناسبة قبل أن تطرح الأسئلة لتقويمه، أو تدعو لاتخاذ مواقف مسبقة منه.
وفى هذا الإطار فإننا نرجو خيراً للجامعة برئاسة فضيلة الدكتور عبد الله الحسيني إن شاء الله».
وأخيرا أقول: إن محاولات الوقيعة بين الأزهر الشريف والإخوان محكوم عليها بالفشل، فالأزهر كان وسيبقى بإذن الله المنارة العلمية المشرقة الحاملة لدعوة الإسلام بوسطيتها واعتدالها وسماحتها ومرونتها وشمولها وتوازنها، واستيعابها للآراء الحرة والرؤى المخلصة، وتقديرها للحرية الفكرية، ونبذها للجمود والتعصب والتقليد. وسيبقى الإخوان المسلمون من الأزهريين وغير الأزهريين حملة لهذه الرسالة، جنودا أوفياء ودعاة مخلصين لها، ينقلونها من الأطر النظرية إلى الواقع العملي، برهاناً حياً على أن هذا الدين دين واقعي، وليس أفكاراً مثالية عَصيَّةً على التطبيق في الواقع، وأنه قادر على إسعاد البشرية بما فيه من مبادئ وتشريعات من لدن حكيم خبير. ولن يتوانى الإخوان عن تقديم كل ما في وسعهم من جهد لينجح الأزهر الشريف في القيام بدوره الكبير محليا وعربيا وإقليميا وعالميا، بإذن الله.
وفق الله الأزهر والإمام الأكبر لما فيه خير الإسلام والمسلمين.