ما بين السنة والشيعة
ما بين السنة والشيعة!!
د. ياسر سعد
كان الحديث عن اضطهاد الشيعة في عراق صدام حسين مدخلا أمريكيا رئيسيا لاحتلال العراق, وإسفينا لضرب مكونات الشعب العراقي وبعثرة جهوده وقواه في الدفاع عن أرضه ومقدراته. وإذا كان الإنسان العامي بطبيعته يميل إلى الاندفاع خلف الصرخات التعبوية والعقليات الجمعية, فترى الدماء تسيل والصراعات تشتد من أجل فريق كروي أو لدعم ناد رياضي, فإن المنطق المذهبي والطائفي يجد صدى كبيرا عنده خصوصا إذا ما صاحبته أكاذيب وأساطير تجنح بالخيال وتطيح بالمنطق. الحديث عن طائفية صدام القومي العلماني واضطهاده المذهبي للشيعة استهدف تحييد الطائفة الشيعية وعزلها عن مقاومة الاحتلال. النظام العراقي في عهد صدام كان قاسيا على معارضيه عنيفا في التعامل معهم, ولم تكن تلك الخصلة موجهة لطائفة دون غيرها, فعلى سبيل المثال فإن التجار الذين يحاكم وزير خارجية الأسبق طارق عزيز بتهمة المشاركة في إعدامهم كانوا من السنة, وكثير من التيارات الإسلامية كالإخوان والسلفيين تعرضوا في حكم صدام للملاحقات والعقوبات.
الإدارة الأمريكية والتي تعاطفت ظاهريا مع شيعة العراق في مرحلة ما قبل الغزو وبعده حتى إن جورج بوش في بدايات الاحتلال الأمريكي أعلن عن إعجابه بالطقوس الشيعية, هي الإدارة نفسها التي تعاديهم في لبنان وتستنكر إرهابهم وتجاوزاتهم هناك. استخدام الورقة المذهبية في تفجير الصراعات ونشر الفوضى في المنطقة سيشغل الجميع بالجميع عن الاحتلال الأمريكي ومراميه ويعزز مكانة الدولة العبرية وهيمنتها في المنطقة. بعد أكثر من خمس سنوات على الاحتلال الأمريكي للعراق وإسقاط "هيمنة السنة" عنه كما يحلو للإعلام الغربي والأمريكي ترديده وتكراره, ماذا استفاد الشيعة وما هي المكاسب والمغانم التي حققوها ؟ المستفيد الأساسي هم السياسيون الذي استخدموا الورقة المذهبية تحت ظلال الاحتلال وفي ركابه للتسلط على مقدرات العراق وتكديس ثرواتهم الشخصية. أما الشيعة فهم كبقية العراقيين يقاسون بمجملهم من أحوال معيشية قاسية, فيما تعرض الكثير منهم لحملات بطش حكومة الاحتلال وفتكها في البصرة ومدينة الصدر والنجف وكربلاء وغيرها, وهم يعانون الآن من صراعات شيعية-شيعية وألغام طائفية قد تنفجر في أي وقت.
التيار الصدري والذي اُستخدمت ميلشياته كمخلب متقدم في الاعتداء على السنة ومساجدهم وخطف وقتل الكثيرين منهم, تمت مطاردته ومحاولات إنهائه بعد أن أدى الدور الذي أُريد منه. مدينة الصدر معقل التيار الصدري تعرضت لعمليات عسكرية حكومية شرسة, واللافت أن أبرز من وقف معها في محنتها, هيئة علماء المسلمين في العراق والتي عبرت في تصريح لها -أثناء الاشتباكات وإعلان الحكومة عن خطط لإجلاء سكان المنطقة- عن الخشية من وجود مخطط لاستهداف مدينة الصدر استهدافا خطيرا يؤدي إلى تدمير واسع، كما حدث في مناطق أُجلي أهلها عنها، وألحق بها الخراب والدمار مثل محافظة الانبار ونينوى والنجف وغيرها, حسب بيان الهيئة والذي دعا أهالي المدينة إلى اخذ الحذر، والتضامن لمرحلة ستكون عصيبة حتما على الجميع، لان الحكومة عازمة فيما يبدو على تنفيذ أجندة الاحتلال على حساب دماء الأبرياء وممتلكاتهم. الموقف الحكيم والنبيل لهيئة علماء المسلمين والذين ارتفع عن الجراحات وارتقى عن الحسابات الطائفية المهلكة لم يأخذ حقه من التقدير إعلاميا, في الوقت الذي لاذت فيه قيادات تيارات شيعية منافسة للصدر بالصمت المريب.
ما حدث في لبنان مؤخرا من نزول حزب الله إلى أحياء سنية والسيطرة عليها عبر مقاتلين مقنعين وبأسلوب أساء إلى الحزب وطرحه المقاوم تلقفته وسائل إعلام وأقلام متعاطفة مع الأطروحات الأمريكية لتذرف الدموع على السنة وتحذر من أهانتهم في الوقت الذي تهاجم فيه وباستمرار حركات المقاومة الفلسطينية السنية وتسخر من مواقفها. الصراع المذهبي في المنطقة سيعود بالضرر والدمار على الطرفين. وإذا كان السنة هم أيتام السياسة في هذه المرحلة والحلقة الأضعف مع غياب مرجعية الدولة, فإنهم هم الغالبية في العالم الإسلامي واستفزازهم ومعاداتهم لن يأتي على المعتدين والمنطقة بخير.