أوهام في صدر فرّاج إسماعيل

بسم الله الرحمن الرحيم

لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

محمد جلال القصاص

[email protected]

الأستاذ فراج إسماعيل مدير تحرير موقع العربية نت ، ويظهر على شاشة قناة العربية متحدثاً عن بعض الأخبار المنشورة في موقع القناة ، ويكتب مقالاً يومياً في جريدة المصريون الإلكترونية . قضى أعواماً يكتب عن الكورة ، ثم خرج من ( الملعب ) وراح يتجول :، يوماً في السياسة ويوماً في الدين ، ويوماً في الاقتصاد .. ( يرصد ) و ( يحلل ) و ( ينصح ) وربما ( يتهكم ) ، وتبدو شخصية الأستاذ فراج محبة للخير ، ذات خلفية إسلامية ، تهوى السباحة عكس التيار .. أي تيار .. فأطروحاته الكروية والسياسية والدينية نقدية  أو هجومية استفزازية ، وتعلوه حالة من النشوة حين يستفز القراء أو من يتلقى كلماته .!!

بعد أن هجر الملاعب وحال تجوله في ميادين الحياة نزل الأستاذ فرَّاج إسماعيل ميدان ( الإصلاح الديني ) ، ونادى بأن ( لا كهنوت ) ، و( لا للإنعزال والكنتونات المغلقة ) وأن ( لا حرمة لعالم ) ، يزعم أن ثم حالة من ( التخندق والتمترس ) حول الدين للحفاظ عليه  ، ( وأن الفقه الواعي غاب من عند العلماء ولذا غابت عنهم حقائق الأمور ) وأن ( مصر لم تصبح غزيرة الإنتاج الثقافي والفكري وقادرة على استيعاب التنوع الحضاري والاجتماعي ومميزة عربياً وإسلامياً إلا بهؤلاء الذين اختلطوا بالآخر أو ذهبوا إلى الغرب واستفادوا منه ) !! .

وهذه أوهامٌ في صدر فرَّاج إسماعيل ولا وجود لها في الحقيقة .. صورٌ ذهنية مغلوطة تسكن بصدر كثيرين وليس فقط فرَّاج إسماعيل .. دندنةٌ لا تنقطع هنا حتى تظهر هناك !!

 أين الكهنوت في ديننا ؟؟

أين أولئك ( المقدسون ) الذين يطاعون ولا يعصون ؟!

 أين حالة ( التخندق والتمترس ) حول العلماء ؟

إن كل من شاء تكلم في الدين على أن يتكلم بعلمٍ وعدل ليس عندنا أسرار دينية ، ولا الدين لهؤلاء دون هؤلاء .

وإن كل عالمٍ من علماء الشريعة الإسلامية في الماضي والحاضر يؤخذ من قوله ويرد عليه .. لا يوجد استثناء لهذه القاعدة لا في الماضي ولا في الحاضر .

وقصة الكهنوت في الدين  جاءت من عند غيرنا ، تمردت أوروبا على النصرانية نقمت عليها لأن بها ( كهنوت ) .. ( مقدسون ) ، لا يُرد قولهم ، مع وضوح خطئهم وسوء فعالهم . وظهرت العلمانية على أنقاط تدين فاسد ( النصرانية ) ، وحين جاء العلماني محتلاً لديارنا راح يطبق ما وجده في بلاده عنوة على ما عندنا ، فزعم أن رجال الدين .. كل رجال الدين أصحاب كهنوت وتسلط على عباد الله .. ووقف على رأس الناس يحرضهم على المتدينين ، والعجيب أنه وجد من يسمع له ويردد كلامه .

وحين تواجههم يحتجون عليك بأفرادٍ معدودة  هم في حقيقتهم بين المنتسبين للسلف الصالحين من عداد ( المخبرين ) ، وأصح ما يقال في وصفهم أنهم صنعة يد السلاطين ، وأن عامة المتدينين ممن هم ضمن ( تصنيفهم ) يخالفهونهم ويتبرؤون من صنيعهم ومتضررون منهم .. فلا يدخلون على ذي سلطان ، بل ويتواصون بعدم الدخول على ذي سلطان إلا لقضاء حاجة الناس ، وعامة المتدينين  ممن هم ضمن تصنيفهم  في سجون السلاطين تجلد ظهورهم ويحاربون في أرزاقهم ، ويقفون بأقلامهم وغير أقلامهم في وجه مَن تسلطوا على عباد الله موقفاً أشد من أدعياء المشاكسة .. يخطون بالأفعال واقعاً جديداً يزحف على الواقع الرديء الذي تعاني منه الأمة .

فأينا يعمل لإصلاح الواقع ؟

إن دعوى ( الاتهام بالكهنوتية ) و( التمترس حول العلماء ) و ( عدم فقه العلماء للواقع ) دعوى نسمعها ممن يريد منا أن نركب خلف المجرمين من الكافرين والمنافقين ، أو أن نلتقي معهم على مشترك ونترك مهمتنا الأولى في هذه الحياة وهي عبادة الله وتعبيد الناس لله .. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

والخلل عندهم هم . يظنون أننا جئنا هنا لتعمير الأرض بالبنايات ورصف الطرق ، والتقنيات الحديثة ، وما لهذا خلقنا ، خلقنا لعبادة الله ، وعمارة الأرض تأتي ثمرة طبيعية لاستقامة الناس على شرع الله {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }الأعراف96 ، {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقاً }الجن16 . ووصف الله الكافرين بالمفسدين  {فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ }آل عمران63 {وَمِنهُم مَّن يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُم مَّن لاَّ يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ }يونس40، والتعبير جاء بالألف واللام ، وكأن من لم يؤمن هو المفسد لا غيره .

وسمى الله سعي المنافقين فساداً مع أنهم كانوا مصلحين عند أنفسهم  {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ . أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ } [ البقرة : 11 ـ 12] . وأهل التفسير على أن الفساد هنا هو المعصية . سمى الشيء بسببه .

 فوجود الصالحين المصلحين سبب مباشرة لعمارة الأرض ، وغني عن الذكر أن الصالح المصلح ليس هو الذاكر المصلي فقط ، وإنما ذاك المؤمن الذي يسعى في مناكبها تاجراً ومجاهداً وباحثاً . ووجود العاصي سبب مباشر في فساد الأرض . فالعصاه هم الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ، وهم الذين يرجفون في المدينة ، وهم الذين يظلمون . فوجودهم وجود للفاحشة وتخويف لعباد الله .

وشيء يغيظ :                        

هل سبب التأخر الذي نحن فيه هو المتدينون ؟!

هل تأخرنا لأننا أسلمنا قيادنا للمتدينين ؟!!

أبداً . إننا الآن في ذيل القافلة مع أننا نبذنا الدين من حياتنا العامة من قرون لا من سنين !!

ما هو حصاد العلمانيين الذين لا يعرفون ( الكهنوت ) ولا ( التمترس حول العلماء ) و ( يفقهون الواقع ) ؟

الجوع والخوف والقتل في كل مكانٍ بالحروب وبغير الحروب . والواقع ثرثار لا يكف الحديث ، في فلسطين والعراق والأفغان والصومال ، وأفريقيا ، وجوانتنامو والسجون المحلية ... الخ .

إن أوهاماً تسكن بصدر فراج إسماعيل وأمثاله ، جعلته يظن أننا تطورنا وارتقينا حين اتصلنا بالآخر ، أين هذا التطور يا فراج ؟؟

وأين هذا التسامح وقبول الآخر ، والناس تجلد ظهورها وتحارب في أرزاقها ، والفتيات يخطفن ويتم تسليمهن للكنيسة ؟

كأنك لم تقرأ التاريخ . ولا ترى واقعنا الذي نعيش فيه .

أولى بفراج إسماعيل وغير فراج إسماعيل أن يقفوا على رؤوس الأشهاد وينادوا في الناس بأن كفى بعداً عن الدين فقد نزعت البركة من حياتنا فقد نزعت البركة من حياتنا ، وحل البؤس بمعاشنا حين بعدنا عن شرع ربنا .

ليست دعوة لسلفية ولا إخوانية ولا أيٍّ من هذه الأطر فكلها أطر للعمل للدين ولن ينحسم الخلاف بينها ونحن مستضعفون ، هي فقط دعوة لأن نرجع لديننا وسنة نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأن نعي جيداً أن صلاح حالنا في اتباع شرع ربنا .. في أن يتولى قيادة أمرنا الصالحون المصلحون . وأن نعي جيداً أن لا كهنوت ولا ( تمترس حول علماء الدين ) ، وأن هؤلاء المتشدقين بالحرية والانفتاح والتربع على موائد الغرب والشرق بأيديهم مقاليد الأمور من قرنين أو يزيد وما جنت أيديهم غير الخراب .