مجتمعات منقبة
في النقاش الإسباني والقرار السوري
ياسر أبو هلالة
النقاب أصيل في المجتمع السوري ، بقدر ما هو دخيل في المجتمع الإسباني . ومع ذلك يحظر في الجامعات السورية ويسمح في إسبانيا . في سورية لا يعرف كيف اتخذ القرار ولماذا ، في إسبانيا نقاش موسع ومعمق سبق تصويت البرلمان الإسباني ، وإلى اليوم لم نسمع رأياً لمجلس الشعب السوري في القرار الذي يمس شريحة واسعة من الناخبين .
من المفارقات أن خصوم النظام السوري من الإخوان المسلمين ، هم من بدأ تاريخياً بكشف وجه المرأة . استناداً إلى اجتهاد فقهي بأن وجه المرأة ليس بعورة . وأول من ابتكرت الجلباب الشرعي الحالي هي بنان طنطاوي ، زوجة المراقب العام السابق للإخوان عصام عطار وابنة الداعية والأديب الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله .
الاجتهاد السائد لدى علماء الشام ، هو وجوب غطاء الوجه ، وهو اجتهاد يتوافق مع المدنية العثمانية حيث كانت الحرة المدنية هي التي تغطي وجهها ، وهو ما يميزها عن الأمة أو الفلاحة أو البدوية . ما نزال نذكر صورة المرأة في أول مسلسل سوري " حمام الهنا " ، وهي متنقبة تغطي وجهها .وهي الصورة التي تكررت في المسلسل الأشهر " باب الحارة ".
لست مع عادة غطاء الوجه ، ولكن من تراها عبادة وواجباً فهذا من حقها . وهذا هو جوهر الحرية . ويوماً كان غلاف مجلة " نيويوركر " ثلاثة رسوم لنساء واحدة منقبة تغطي وجهها وتكشف عينيها وأخرى على الشاطئ تكشف جسدها وتغطي عينيها بنظارات شمسية . وثالثة تغطي رأسها وتكشف وجهها .
في النقاش الإسباني ، تعهد الحزب الاشتراكي الحاكم التصويت ضد اقتراح حظر النقاب وصوت ضد القرار بعد نقاش في البرلمان الإسباني 183 نائباً ، فيما صوت لصالح الحظر 162 نائباً ، وامتنع نائبان عن التصويت .
وكان الحزب الشعبي المعارض تقدم بهذا المقترح ، بدعوى الدفاع عن حقوق المرأة ، وصدر قرار غير ملزم بهذا الشأن عن مجلس الشيوخ الإسباني في حزيران (يونيو) ، لكن الحزب الاشتراكي الحاكم عارض حظر النقاب في الأماكن العامة . ونقلت الوكالات عن محللين أن الاقتراح حرص على عدم تضمين كل أنواع الحجاب الذي يغطي الرأس ، حيث إن اللباس التقليدي الإسباني يشمل أغطية ترتدى عادة أثناء تقديم خدمات الكنيسة في جنوب البلاد . ووضعت قيادة الحزب الشعبي المعارض اقتراحاً لدعم حقوق المرأة وحماية النساء المسلمات من إجبار أزواجهن لهن على ارتداء الحجاب ، وفق ما يقول الحزب .
وقال وزير العدل الإسباني فرانسيسكو كامانيو في وقت سابق إن " الملابس نادراً ما تتفق وكرامة الإنسان " ، ولكن الحكومة مع ذلك تعارض تشريع الحظر ، لأن ذلك قد يجبر النساء اللاتي يرتدين النقاب إما على خرق القانون أو البقاء في المنزل .
وقال السكرتير العام للحزب الاشتراكي الحاكم إدواردو مادينا أمام البرلمان " نريد أن نتجنب زج النساء اللاتي يعشن أوضاعاً كهذه إلى سجن مزدوج " . أما خوسيه لويس إيلون النائب عن الحزب الشعبي الإسباني ، فعارض تلك الفكرة الحكومية بشأن المساواة وكرامة جميع النساء في إسبانيا ، وقال إن النقاب " يتجاوز الرمزية الدينية " .
وبنظر محللين ، فإن التحرك ضد النقاب مسألة سياسية ، وإن اليمين الإسباني يسعى إلى الفوز بأصوات الناخبين الإسبان عبر إلقاء أمر الأزمات الاقتصادية على عاتق المهاجرين . وجاء بحث النقاب في إسبانيا بعد أن سبقتها فرنسا وبلجيكا بذلك .
ويقدر عدد المسلمين في إسبانيا بنحو مليون مسلم فيما يبلغ عدد السكان 47 مليون نسمة ، وفق وكالة أسوشيتدبرس . وتمنع بعض المدن الإسبانية وبينها برشلونة بالفعل ارتداء النقاب في المباني العامة .
هل يمكن أن يفتح لنا مجلس الشعب السوري نقاشاً كهذا ، أو أضعف الإيمان أن يجري نقاش في الجامعات نفسها التي ستشهد الحظر . إنها المجتمعات المنقبة التي تخفي وجهها وليست الفتيات اللواتي اخترن أن يخفين وجوههن . ألم يلمز شيخ الأزهر الراحل من شكل فتاة منقبة بعد أن أذعنت لطلبه بكشف وجهها ، فهل نلوم وزير التعليم العالي السوري ؟