نشر الغسيل الوسخ
جميل السلحوت
يتهيب كثيرون من انتقاد الظواهر السلبية التي تحدث بين ظهرانينا نحن الشعب الفلسطيني، ونحاول أن نظهر وكأننا ملائكة، ويغيب عن بال كثيرين منا أننا شعب كبقية الشعوب، فينا الصالح والطالح، والصادق والكاذب، والأمين واللص، والتقي النقي الورع، والزنديق المارق ... الخ ، وهذه طبيعة الشعوب، ولا يضيرنا أن يظهر من بيننا منحرف أو لص، أو متعاطي مخدرات، لكن الضير في السكوت عليه او محاولة التغطية على سلوكه المشين، ويحضرني هنا ما يروى عن بن غوريون أول رئيس وزراء لاسرائيل بعد قيامها في منتصف أيار العام 1948 عندما جاءه وزير الشرطة هلعاً، ليخبره بإلقاء القبض على مجموعة من اللصوص ومروجي المخدرات، وسبب هلع الوزير هو أنهم كانوا يهوداً، ويبدو أنه كان من المؤمنين بأن اليهود شعب الله المختار، وكان رد بن غوريون عليه: " الحمد لله نحن الآن شعب كبقية الشعوب، افتحوا المحاكم والسجون " .
ويحضرني هنا ما يجري التكتم عليه ، أو محاولة التعامي عنه في القدس الشريف ألا وهو بيع العقارات للمستوطنين من قبل مقدسيين فلسطينيين، مع التذكير بأن اسرائيل قامت بضم القدس الشرقية قبل مرور ثلاثة أسابيع على احتلال المدينة في حرب حزيران 1967 بقرار من الكنيست الاسرائيلي، ومن جانب واحد دون رغبة مواطنيها المقدسيين ، وفي مخالفة واضحة للقانون الدولي، ولقرارت مجلس الأمن الدولي، ومع ذلك فقرار الضم باطل، لأنه لا مكاسب للمحتل الذي لا يجوز له تغيير الطابع الجغرافي والديمغرافي للمناطق التي تقع تحت الاحتلال .
ومنذ ذلك التاريخ واسرائيل تمارس سياسة التهويد في المدينة المقدسة بشكل معلن وواضح ، فعندما هدمت حارة الشرف وحارة المغاربة وحيّ النمامرة وقامت ببناء حيّ استيطاني يهودي مكانهما، لم تحاول وليس باستطاعتها أن تخفي ذلك، تماماً مثلما أحاطت المدينة بسوار استيطاني على اراض عربية فلسطينية مصادرة، بعد أن حصرت البناء العربي الفلسطيني في 14 %من مساحة المدينة البالغة 70 كيلو متر مربع، بل قامت بتسليم مالكي الأراضي المصادرة أوامر بالمصادرة .
لكن اللافت للانتباه هو تسريب عشرات العقارات الفلسطينية للمستوطنين اليهود في القدس القديمة، وبعض المناطق المحيطة بها، عن طريق البيع من فلسطينيين باعوا انتماءاتهم الدينية والقومية والوطنية، وليس عن طريق المصادرة، ويستطيع الزائر لتلك المناطق أن يرى الأعلام الاسرائيلية ترفرف فوق هذه العقارات، كما يستطيع أن يشاهد الحراسة المشددة عليها وعلى مستوطنيها، وتجري بعض التظاهرات عند تسليم هذه العقارات لمشتريها المستوطنيين، ويكون على رأس المتظاهرين باعة هذه العقارات الذين يدلون بتصريحات نارية أمام الصحفيين، بحجة الاستيلاء على عقاراتهم بالقوة المسلحة، وبعضهم تصل به الوقاحة الى طرق أبواب بعض مكاتب السلطة الوطنية الفلسطينية طالباً المساعدة المالية لتوكيل المحامين للدفاع عن حقوقة، مختلقاً الأكاذيب وملصقاً التهمة بغيره.
ويجب التنوية أن هناك عمليات مصادرة واستيلاء على العقارات، وهناك بعض عمليات التزوير في عمليات البيع، لكن المهم الانتباه الى أنه ليس كل عمليات البيع مزورة، ولا حتى نصفها ولا ربعها. ويأتي الاعلام المحلي والأجنبي لينقل الأخبار النارية مثل:" المستوطنون يقتحمون بناء في موقع كذا تحت حراسة الشرطة الاسرائيلية، ويلقون بمالكيه وأثاثهم خارج البيت، وينقلون عائلات يهودية للسكن فيه، وهكذا، ثم تهدأ الأمور حتى عملية بيع جديدة وهكذا.
والسؤال هو: لماذا لا يتم الاعتراف بالحقيقة، وهي أن مالك العقار أو مالك حق المنفعة فيه قد باعه؟ وألا نعلم بدهية معروفة أنه اذا أردت انهاء ظاهرة سلبية عليك أن تقوم بكشفها وفضحها؟ وأن التستر عليها يزيدها استفحالا، ولا يُفهم هذا باعطاء شرعية للاستيطان عن طريق بيع العقارات من مالكيها، خصوصاً وأن المدينة لا تزال تحت الاحتلال، فلا مكاسب للاحتلال كما قلنا سابقاً، تماماً مثلما لا يفهم هذا بأنه موقف شوفيني ضد اليهود كيهود، فاليهود كانوا ولا تزال أعداد منهم موجودة بحق المواطنة الكاملة في بعض الدول العربية والاسلامية، كالمغرب ومصر وسوريا واليمن وايران وغيرها، وهناك دعوات رسمية وشعبية بالسماح لليهود الذين تم تضليلهم كي يهاجروا الى اسرائيل للعودة الى مواطنهم الأصلية في الدول العربية وغيرها من الدول، لكن الأراضي العربية المحتلة في حرب حزيران عام 1967 لا مشروعية للاستيطان اليهودي فيها، لأن هذا الاستيطان مخالف للأعراف والقانون الدولي والشرعية الدولية، ولأن المستوطنين يستوطنون هذه الأراضي كمظهر من مظاهر الاحتلال، وبالقوة العسكرية في محاولة لفرض سياسة الأمر الواقع، ومن خلال اقتلاع شعب من أرضه واحلال آخرين مكانه.
ومعروف ايضا ان قادة اسرائيل - ورغم أطماعهم التوسعية في القدس تحديدا – هم أول من يعلم علم اليقين انهم لا يستطيعون الاحتفاظ بالمدينة المقدسة الى الأبد، فأي حلول للصراع ستتخلى فيها اسرائيل عن القدس الشرقية، والكل يذكر طروحاتهم وعلى لسان اكثر من مسؤول اسرائيلي رفيع، القائلة باعادة الاحياء العربية في المدينة الى الدولة الفلسطينية العتيدة.