نظام مبيد بشري

محمد عبد العزيز

[email protected]

الملفت في قصة قتل الشاب "المصري" خالد سعيد – تعذيبا – أنها مباشرة وواضحة لا تقبل أي تبرير، بل على العكس التبرير والتنظير فيها يجلب من السخط والحنق العام أكثر من الواقعة ذاتها!. التباين الرهيب بين صورة خالد الطبيعية وصورته بعد التعذيب وهو جثة هامدة ثم شهادة الشهود جعل أي كلام آخر يقوله النظام – الكذاب بطبيعة تكوينه – مصدر غضب أكبر مما يتخيله!

أهم ما في القصة كما ذكرت أنها مباشرة، فكل من رأى الصورة وعرف القصة قد شعر بالحنق والغضب والسخط أولا، ثم حين تهدأ تلك المشاعر يزحف القلق من المستقبل مكانها. ظلت السياسة لعقود طويلة تمثل فزعا عاما عند المصريين الذين اختاروا المشي جنب الحيط – أو داخله – معتقدين أن هذه الطريقة تجلب دائما السلامة!، لكن ما حدث مع خالد - وهي ليست القصة الأولى ولن تكون الأخيرة – أثبت لنا جميعا أن كلنا تحت التهديد الدائم!، فخالد لم يكن سياسيا، ولم يشترك في مظاهرة قط، مجرد شاب مصري الملامح كالآلاف مما تراهم حولك، يظهر من عينيه براءة ووداعة تشعرك أنه أخوك أو ابنك لكنه لقى حتفه دون أي ذنب!

ولأن فشل أي نظرية يحتم علينا إعادة التفكير فيها وتجربة أخرى، ويتضح جليا الآن فشل نظرية "المشي جنب الحيط" فكلنا مهددون سواء سياسيين أو ماشون جنب الحيط!، ودماء خالد سعيد مثال عملي لا يقبل الشك والتأويل، لذلك أعتقد أننا مقبلون على عصر المشي في وسط الشارع!، وأن مرادفات الخوف والذل تقترب أن تحذف من قواميس المصريين، والتظاهرات الحاشدة في الإسكندرية والقاهرة خير دليل على ذلك، فالآلاف الغاضبون في ميدان كليوبترا بالإسكندرية وإخوانهم الذين تظاهروا أمام وزارة الداخلية في ميدان لاظوغلي ثم تظاهروا ثانيا في ميدان التحرير وخرجوا بالمسيرة حتى نقابة الصحفيين بالقاهرة قد تعرضوا جميعا لاعتداءات وحشية من قبل الأمن، لكنهم قهروا ذلك الخوف وتغلبوا عليه وتحملوا الترويع والاعتقال والضرب لأنهم جميعا شعروا بإمكانية تكرار قصة خالد معهم أو إخوتهم أو أقاربهم وكما يقول المثل الشعبي المصري "ياروح ما بعدك روح"!

الحقيقة أن النظام الذي يحكمنا "قاتل" بطبعه!، احترف القتل الممنهج ودخل في حرب "إبادة" ضد المصريين منذ زمن، فدماء ضحايا الدويقة وعبارة الموت وقطار الصعيد وحريق بني سويف كلها أزهقت لأن نظاما فاسدا قاتلا يحكمنا، فالفساد المتفشي في كل أجهزة نظام مبارك يمثل السبب الرئيسي في كل تلك الجرائم، الأكثر من ذلك أن حرب الإبادة البشرية التي احترفها النظام تعمل أيضا بصورة دائمة وغير مباشرة، مثلا نذكر أنه في عصر مبارك –الطويل جدا والكئيب جدا جدا – بلغ عدد المصابين بالالتهاب الكبد الوبائي فيرس سي 13 مليونا من المصريين ويمثل هذا الرقم ثلث المصابين بالمرض في العالم كله لتحتل مصر – في ظل حكم مبارك – المرتبة الأولى عالميا بعدد المصابين بهذا المرض!. ثم تجد أن أعداد المصابين بأمراض الفشل الكلوي والأمراض السرطانية في تزايد مستمر ومن أكبر المعدلات العالمية أيضا، وكل ذلك نتيجة "إنجازات" هذا النظام القاتل من أغذية فاسدة ومبيدات مسرطنة ومصانع غير مطابقة للمواصفات البيئية ترمي مخلفاتها في النيل، واختلاط مياه الشرب بمياه الصرف الصحي والري بمياه المجاري وغير ذلك من مصائب وكوارث ارتبطت ارتباطا لصيقا بنظام مبارك وحاشيته!

أليس كل ذلك يعد قتلا منهجيا؟! ثم ألا يعد اغتيال الأمل قتلا أيضا؟!، ألا يعد كون عدد الشباب والشابات الذين بلغوا سن الزاج دون زواج عشرة ملايين بالأرقام الرسمية قتلا للحياة الطبيعية التي خلقنا الله عليها؟!. نعلم جميعا أن احتياجات الإنسان الأساسية "للحياة" هي المأكل والملبس والمسكن، ونعلم أيضا أنه مع ارتفاع الأسعار الجنوني والفشل العام في الاقتصاد وعمليات النهب العام المنظم قد أصبحت تلك الاحتياجات "الأساسية"مهددة – بل وغائبة - عند الكثير جدا من المصريين، الذين أصبح أغلبهم تحت خط الفقر بينما تحتكر الثروة القومية حفنة ضيقة من رجال الأعمال القريبين من بيت الرئاسة سواء من الأب أو من الابن الوريث المنتظر!!

هذا النظام بمختلف أجهزته وأمن دولته وأمنه المركزي قد تحول إلى (مبيد بشري) سيقضي على وجودنا إذا استمر يحكمنا أكثر من ذلك أو حتى تم استنساخ نفس السياسة – عبر التوريث- التي أوصلتنا إلى الحضيض، وبتنا في حاجة إلى الصعود حتى الهاوية!. يجب علينا أن نعي جيدا أن وجود هذا النظام "القاتل" يهدد وجودنا.. وأن العصيان المدني والثورة السلمية ليس ترفا نريده من باب الكبرياء .. بل ضرورة من أجل الوجود والبقاء، ليس فقط من أجل الخلاص .. إنما أيضا من أجل دماء خالد وكل ضحايا النظام .. وجب علينا القصاص!