خالد سعيد .. ومنهجية التعذيب

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

أستأذن القارئ الكريم في قطع حديثي عن الجريمة الطائفية التي يقترفها المتمردون الطائفيون بقيادة زعيم الكنيسة الأرثوذكسية ، وتخطيطه الشيطاني لإلغاء الإسلام في مصر ، وفرض هيمنة الطائفة والنخب الموالية لها ممن يحملون أسماء إسلامية ، بقصد تحقيق الحلم الشرير ( تحرير مصر من الإسلام ) وهو الحلم الذي يتخذ صيغة مخادعة ومراوغة تحمل اسم الدولة المدنية ، أو دولة المواطنة ، أو الدولة العلمانية !

فقد فرضت الجريمة التي تمت في الإسكندرية قرب حي كليوباترا نفسها ؛ حيث قتل شاب اسمه خالد سعيد على يد بعض المخبرين ، بسب فيلم سجله على جهاز الهاتف المحمول يصور ضابطا مع المخبرين في قسم سيدي جابر ، يتقاسمون كميات من المخدرات تم ضبطها في بعض الجرائم ، وهو ما جعل الشاب مستهدفا.

دخل المخبرون ( يقال إنهم اثنان فقط ) إلى مقهى إنترنت في الحي ، وأطبقوا على الشاب الذي كان يجلس أمام جهاز الكمبيوتر ، وضعوا ذراعيه إلى الخلف وقيدوه ، وطالبوه بإخراج ما يبحثون عنه ، وهو الفيلم المصور عن تقاسم المخدرات . كانت مقاومة الفتى أدعى إلى مزيد من الضغط عليه ورطم وجهه في رخامة بالمحل فسال الدم وكسرت الأسنان وشق الوجه ، لم يستطع الجالسون في المقهى أن يدافعوا عن الفتى . وكل ما استطاعه صاحب المقهى أن يطلب من المخبرين الخروج مع الفتي إلى الشارع وترك مقهاه حتى لا يتحمل خسائر هو في غنى عن تحملها !

في الشارع تم سحل خالد حتى مدخل عمارة مجاورة وهناك تم التخليص عليه برطمه في الدرج الخرساني أو الرخامي أو الأرض ، وكان الفتى يستغيث ، ويستعطف ، ويقول : حموت ، ولكن منطق الجلاوزة كان يقول له على ألسنة القتلة " كده حتموت و كده حتموت " !

المفارقة أن القوم بعد أن مات الشاب واصلوا ضربه بقسوة وغل ، ثم طلبوا الإسعاف التي رفضت نقله ، فحملوه في سيارة أخرى ، وعادوا به بعد دقائق لإلقائه في مدخل العمارة !

في شهادتها أكدت  آمال كامل عبد الحميد زوجة حارس العقار المجاور لـمقهى الانترنت  الذي شهد الواقعة أنها "شاهدت المخبرين يعتديان عليه بقوة ويضربان رأسه فى سلم العقار عدة مرات".

وأضافت للمستشار أحمد عمر رئيس نيابة استئناف الإسكندرية أن خالد حاول مقاومتهما، ولكنهما تعديا عليه بالركل فى أماكن متفرقة من جسده، وحين قال لهما خالد "حرام عليكم سيبوني هاموت" رد عليه أحدهم بقوله: "أنت كده كده ميت"

كما استمعت النيابة لأقوال بائع خضار يدعى "خالد" الذي أضاف في شهادته أنه كان بالقرب من موقع الحادث وشاهد اعتداء المخبرين على "خالد سعيد ".

سبق بالشهادة التي تؤكد قتل الفتي على يد المخبرين ؛ صاحب المقهى وعدد من الحاضرين وزملاء الفقيد .. مما يعني أن النية كانت مبيتة على تصفية الفتى مهما كان الثمن ، لأن ما يخفيه ويدين أفراد الشرطة يدفعهم دفعا إلى تصفيته ليذهب اثر الجريمة التي تفضح وتكشف وتقدم إلى القضاء .

في الوقت ذاته كانت جماعات حقوقية ومدونون يفضحون الجريمة عبر البيانات الألكترونية والصحف الورقية والفضائيات ، ولكن المسئولين أبوا أن يقولوا إننا سنحقق في الأمر ، ونقدم نتيجة التحقيق إلى الجمهور ، بل أصدروا بيانا عجيبا يقرر أن القتيل / الشهيد كان من عتاة الإجرام وإدمان المخدرات لدرجة أنه بلع لفافة بانجو (؟) فسدت القصبة الهوائية مما أدى إلى وفاته ! وأشار البيان إلى أن الطب الشرعي قرر ذلك .

كانت جماعات الردح الفاجر في صحف السلطة وأجهزة الإعلام تؤكد ضمنا على أن الشهيد يستحق القتل بسبب جرائمه التي أحصتها ، وسخر بعضهم من الشهيد فوصفه بشهيد البانجو .. ولكن جاءت الرياح يما لا يشتهي السفن ، فقد انتشر الخبر في أنحاء العالم ، واستنكرت جماعات دولية حقوقية ما جرى ، وتحركت الولايات المتحدة دعما لحقوق الإنسان (؟) ، وأدانت السلطة المصرية ، مما اضطر الأخيرة أن تعيد فتح التحقيق وتقوم نيابة الاستئناف في الإسكندرية بطلب تشريح الجثة مرة أخرى ،واستدعاء الشهود ، وسؤال الأطراف المعنية بالموضوع ، ومازال الناس ينتظرون بيان النائب العام حول الجريمة !

بعد أيام أعلن عن موت مواطن آخر في رحاب الشرطة اسمه صابر عبد السميع – 59 سنة –  لقي مصرعه بعد تعذيبه في قسم شرطة أول مدينة نصر !

وعلى مدار السنوات الماضية قتل العديد من المواطنين في أقسام الشرطة بسبب التعذيب ، وقد سجلت عدسات الهواتف المحمولة صورا للتعذيب ، ترتب عليها محاكمة بعض الضباط والجنود .

كان التعذيب في بداية الأمر قاصرا على المعتقلين السياسيين وخاصة من الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية الأخرى ، ولكنه امتد في العقود الأخيرة ليشمل جميع الفئات ( السياسيين وغيرهم ) وصار الناس يتحاشون دخول أقسام الشرطة ، لدرجة التفريط في حقوقهم خشية التعرض لما لا يحبون !

في العهد الثوري كان التعذيب في السجن الحربي ، وكان من يستشهد بسبب التعذيب يدفن في صحراء مدينة نصر، ويدون أمام اسمه " فرار " ! ، وأغلب من استشهدوا كانوا من الإخوان المسلمين ، وهناك شيوعي اسمه شهدي عطية قتل بسبب التعذيب أيضا ، وسبب حرجا دوليا لجمال عبد الناصر ، ولكن التعذيب استمر في معتقلات الواحات والقلعة وأبي زعبل ، وطره ، وغيرها .

وكان أبرز من ماتوا في التعذيب تحت الحكم الحالي الشهيدان كمال السنانيري وعبد الحارث مدني ، وخرج الجلادون على شاشات التلفزيون يدافعون عن الجريمة ، ويحملون الضحايا مسئولية الموت(!)، وينفون أن يكون التعذيب ممنهجا !

بالطبع لن يستطيع أي شرطي مهما ارتفعت رتبته أن يتعرض لأجنبي ، وخاصة من أميركا أو أوربا ؛ بأي أذي ولو بالإشارة ، لأنه يعلم الثمن الذي ستدفعه السلطة .

 إن السلطة حين وقعت أحداث الأقصر ، وكان الضحايا من أصحاب العيون الزرقاء ، فإن وزير الداخلية آنئذ لقي توبيخا علنيا شاهده الناس على شاشة التلفزيون ، وبعد أن كان مسافرا في الطائرة بجوار الرئيس ؛ فإنه قد عاد وحده بالقطار يعدّ الفلنكات ، لأن الضحايا كانوا من جنس أفضل !

ولكن الأمر اختلف حين وقعت جرائم التفجيرات في دهب وشرم الشيخ ، فلم يحدث شيء ، لأن الضحايا كانوا من أبناء البطة السوداء ، أي من المصريين التعساء أصحاب الدم الرخيص جدا . أرخص دم في العالم كله !

ولذا لا نستغرب أن يصدر بيان من السلطة يتحدث عن شهيد البانجو ويصوره شيطانا رجيما ، يستحق ضمنا أن  يقتله الأشاوس والنشامي من جيش الداخلية الموقر.، ويطهروا الوطن من رجسه وأثره !

ترى لو كان خالد سعيد من الأقلية الطائفية المحظوظة التي تنتمي إلى دولة الكنيسة السوبر ؟ ماذا كانت ستفعل القيادات الأمنية وغير الأمنية أمام ما يطلبه زعيم الكنيسة ، والمتمردون في الداخل والخارج ؟

أتذكرون نائب مدير أمن بني سويف الذي فتح قسم الشرطة أمام قطعان الكنيسة المتعصبين الذين تظاهروا لأن فتاة نصرانية أسلمت وظنوا أنها اختبأت في القسم ودعاهم للتفتيش عنها بداخله في واقعة غير مسبوقة تهز هيبة الأمن ، بل تعصف بهيبة النظام ؟

الذي يتناساه الشعب المصري أنه يستحق حكومته الحالية ،وكل حكومة سبقت ، فهو يعلم جيدا أنه لا قيمة له عند هذه الحكومات ، وأنه لا يساوي جناح بعوضة ما لم يكن من أبناء الطبقة المحظوظة التي تحكم وتهبر، ومع ذلك فهو خانع وصامت ، بل يصفق لها في كثير من الأحيان ، وهو الشعب الوحيد في العالم الذي يعيش في ظلال حكم الطوارئ لمدة ثلاثين عاما !

لقد رضي الشعب بعزله منذ زمان عن قضاياه ومشكلاته وتقرير مصيره  ، حتى صار إلهاب ظهره بالضرائب والإتاوات وإطعامه بالفاسد من القمح والأغذية واللحوم ، ونهب أمواله وأراضيه  فريضة واجبة على المستويات الحكومية كافة !

ومع وصول الفساد لدرجة غير مسبوقة ، لا مثيل لها في العالم ، فإن الداخلية صار لها أكبر وأقوي جيش أمني في العالم ، يبلغ مالا يقل عن مليون وربع مليون عنصر ، معظمهم من مجندي القوات المسلحة فيما يعرف بالأمن المركزي ، ومهمتهم الأساسية قمع الشعب البريء بأبشع الطرق التي لا تعرف الرحمة .. ومع ذلك فإن أمن الناس أو ما يعرف بالأمن الاجتماعي لا وجود له ، حيث تكاثرت الجرائم وعرف المجتمع أنواعا شاذة من الجرائم لم تكن معروفة من قبل . وأضحت وظيفة جهاز الأمن سياسية وانتخابية وثقافية وصحفية وإعلامية وجامعية وتعليمية وصناعية ونقابية ورياضية واجتماعية ودينية وغير ذلك من شئون المجتمع ، ليس بقصد الحماية والتأمين ، ولكن بقصد فرز من هو مع النظام ، ومن هو ضده من أبناء مصر، والتعامل مع كل طرف بما يستحق من النظام المستبد ! وتلك لعمري مهمة تنوء بها الجبال ، ولا تمثل الواجب الحقيقي لأية وزارة داخلية في العالم !

الشعب المصري يستحق حكومته بامتياز ، لأنه قبلها ورضي عنها بالصمت ، ولا تخدعنّك " الهو هوة " في الصحف التي تعمل تحت سيطرة الأمن ؛ سواء كانت تابعة للشورى أو رجال القروض أو أصحاب الأحزاب الورقية ، فالأمن يعرف نهاية كل قلم ، وسيرة كل كاتب ، وهو جاهز بما يلائم كل حالة عند الضرورة .

لذا ، فالإنسان المصري كما ذكرت ، وأذكر دائما أرخص إنسان في العالم ، والتعذيب الممنهج مسألة مفروغ منها ، لأنها تلائم الشعب الراضي الصامت !

في الكيان النازي اليهودي على أرض فلسطين المحتلة شنوا حرب إبادة ضد قطاع غزة ، من أجل جندي واحد اسمه شاليط تم أسره في غزو يهودي نازي ضد غزة ، وفرض النازيون اليهود الغزاة حصارا قاتلا ضد السكان الفلسطينيين التعساء ، ووقفوا ضد العالم كله ، ومنعوا السفن وقوافل الإغاثة التي توجهت لإنقاذ الشعب الفلسطيني الأسير في غزة .. ولكن الحكومة المصرية لم توقف التصفيق والهتاف لحظة واحدة في كأس الأمم الإفريقية وأخبار ألف وثلاثمائة غريق مصري في عبارة السلام 98 تصك آذان العالم وتعشي بصره ! ولم تقم لهم السلطة وزنا ، بل هربت القاتل مع أهله وأمواله من صالة كبار الزوار ، وأرسلت إليه مذيعا من تلفزيون الريادة على حساب دافع الضرائب الفقير ليبيض وجهه الكئيب ، ويبرئه من الجريمة النكراء !!

هل عرفتم الآن لماذا قتل خالد سعيد وراح بلا ثمن ؟