هل يغني العلاج بالقرآن عن الطب
هل يغني العلاج بالقرآن عن الطب؟
د. نعيم محمد عبد الغني
العلاج بالقرآن مسألة قديمة جديدة، فقدمها يرجع إلى عهد النبوة حيث نزل القرآن، وجدتها تتمثل في استثارة كثير من القضايا حولها، من مثل هل يعالج القرآن الأمراض العضوية أم النفسية أم كلاهما؟ ومن مثل ضوابط العلاج بالقرآن،...إلى غير ذلك من القضايا.
والذي أريد أن أركز عليه يتمثل في بعض الإشارات القرآنية والنبوية التي تتحدث عن الشفاء والعلاج، فالله سبحانه قال: "وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين"، فخص القرآن بعلاج المؤمنين دون غيرهم، ثم قال عن العسل، وهو مادة طبيعية: (وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا، ومن الشجر ومما يعرشون، ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا، يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس). فالعسل باعتباره مادة ملموسة تتجمع من خلال غذاء النحل على النباتات بحيث يمكن أن نعتبر النحل معملا لتصنيع أدوية أثبت الطب الحديث نجاعتها إلى اليوم فيه شفاء للناس كلهم، مسلمهم وكافرهم، أما القرآن فهو شفاء للمؤمنين فقط؛ لأن المؤمنين (إذا ذكر الله وجلت قلوبهم) خوفا منه، وكذا (تطمئن قلوبهم بذكر الله) فلا يخافون سواه، ومن كانت هذه حاله كان القرآن شفاء له؛ فبه الراحة النفسية التي تعالج مثلا خوفهم من الناس؛ لثقتهم بالله، وتعالج أمراضا عضوية بتأثير القرآن على حياتهم؛ إذ أثبت الطب الحديث أن أكثر من 50% من أمراض الناس نفسية وليست عضوية، وأن المرض العضوي يأتي في إثر المرض النفسي، فإذا استقبل المريض الحياة، واطمأن قلبه بذكر الله، وأقبل على الدواء آخذا بالأسباب، وصابرا على البلاء وراضيا بالقضاء، فإن فرصة شفائه باتباع تعاليم القرآن عالية مؤكدة إن شاء الله.
ويخطئ من يظن أن القرآن مجرد آيات تتلى فقط لشفاء المرضى دون الأخذ بالأسباب المادية التي شرعها الله، بحيث راح البعض يدعي أنه يعالج بالقرآن، واستغلها الآخرون لشن حملة دجل على الناس باسم القرآن وهو منهم براء، فالعلاج بالقرآن يكون مرافقا للعلاج المادي فهما يتساندان ولا يتعاندان، يقول الدكتور القرضاوي: "لا يكفي المسلم أن يذهب الإنسان إلى شخص يقول له أقرأ عليك القرآن أو المعوذات أو آية الكرسي، ويكتفي بهذا. كيف ذلك إذا كان يعاني من مرض عضوي؟ فلا بد من علاج هذا المرض العضوي، وإذا كان مصابًا بفيروس، لا بد من علاج هذا الفيروس، فهذا هو الذي شرعه الإسلام وعاشه المسلمون، فنحن لم نرَ في الصحابة مَن فتح بيته، وقال"أنا متخصص في العلاج بالقرآن، حتى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو سيد المعالجين وسيد أطباء الروح، لم يفعل هذا، وإنما شرع الطب وشرع التداوي بما يعهده الناس".
إن من شفاء القرآن أنه يرشدنا إلى كيفية التداوي، فمن العلاج القرآن مثلا أنه يرشدنا إلى أن العسل شفاء، ولذا عندما جاء رجل لسيدنا عمر بن الخطاب يشتكي من استطلاق بطن أخيه قال له سيدنا عمر اسقه عسلا، فسقاه عسلا، فشكى إليه ثانية فقال سيدنا عمر: صدق الله وكذب بطن أخيك اسقه عسلا.
وفي هذا إشارة إلى أن جرعة الدواء تتكرر حتى يشفى المريض، وكل ذلك بهداية القرآن لنا، والشرع من هذا المنطلق ليس كما يرى البعض أنه يحتوي على دليل إرشادي للأمراض وأدويتها، بل يشمل إشارات ضمنية مجملة تتجدد بتجدد الحدث، فلقد سمعنا عن أمراض لم تكن في الوقت الذي نزل فيه القرآن ورغم ذلك قد يهتدي الأطباء إلى إعجاز الشرع في الإشارة إلى كيفية الدواء منها، وذلك بوضع القواعد الكلية للوقاية من الأمراض، فمثلا قوله صلى الله عليه وسلم: (نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع) قال عنه الأطباء والفلاسفة منذ القدم لقد جمع الطب كله في كلمتين، ونسمع كثيرا من الأمراض يكون سببها المعدة التي قيل إنها بيت الداء والتي قال عنها صلى الله على وسلم: (ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه، وثلث لنفسه)، وهو صلى الله عليه وسلم يرشد صحابته إلى أن تعذيب الإنسان نفسه بالجوع فترات طويلة قد يؤثر على صحته، ومن ثم نهاهم عن صوم الوصال، حتى لا تضعف أبدانهم، لأنهم لا يتمتعون بما يتمتع به صلى الله عليه وسلم من أن الله يطعمه ويسقيه ومن ثم يستطيع صوم الوصال، أما صحابته فإنهم لا يطيقونه. وحثهم على أن يعطوا كل ذي حق حقه، فإن لله حقا للبدن حقا وللأهل حقا. وبهذا يكون الشرع يشير إشارات ضمنية لما يحفظ به الإنسان صحته، ولا يغفل في الوقت نفسه أن يشير إشارات صريحة إلى ما يصلح حال الإنسان وصحته، فقال صلى الله عليه وسلم: "إنما الشفاء في ثلاث: في شربة عسل، أو شرطة محجم، أو لذعة بنار". فذكر الأنواع الثلاثة للدواء الذي يتناول عن طريق الفم، والجراحة، وهي شرطة المحجم أو المشرط، والكي، وذلك هو العلاج الطبيعي، والنبي صلى الله عليه وسلم تداوى وأمر أصحابه بالتداوي، وكان يقول لبعض أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين:"اذهبوا إلى الحارث بن كلدة الثقفي"، وهو طبيب مشهور منذ الجاهلية عرفه العرب، فكان النبي صلى الله عليه وسلم ينصحهم بالذهاب إليه، بل جاءه رجلان يعرفان الطب من بني أنمار فقال لهما:"أيكما أطب؟"، يعني أيكما أحذق وأمهر في صنعة الطب؟ فأشاروا إلى أحدهما، فأمره أن يتولى هو علاج المريض، يعني أن الإنسان يبحث عن أمهر الأطباء وأفضلهم ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.
ولقد فهم الصحابة رضوان الله عليهم هذا الهدي ففرقوا بين الدواء الروحي والدواء المادي وأن القرآن دواء روحي يساعد في شفاء النفس من أمراضها وعللها، وينبغي الأخذ بالدواء المادي معه، وتنبهوا إلى أن الله لما شرع الدواء جعله في الطيبات ولم يجعله في الخبائث، كالخمر التي هي أم الخبائث ففي الحديث أن رجلا أتى عبد الله فقال: إن أخي مريض اشتكى بطنه وإنه نعت له الخمر أفأسقيه؟ قال عبد الله: سبحان الله، ما جعل الله شفاء في رجس، إنما الشفاء في شيئين: العسل شفاء للناس، والقرآن شفاء لما في الصدور " .
نخلص من هذا كله أن القرآن شفاء لما في الصدور وهو الذي يدعونا إلى الطب والأخذ به، وهو يساعد المؤمنين في الشفاء من الأمراض التي يلعب العامل النفسي دورا كبيرا في الشفاء، كما يذكر ذلك الأطباء.