مرة ثانية حول "هجوم المصالحة"
مرة ثانية حول "هجوم المصالحة"
عريب الرنتاوي
كنا وعدنا قرّاء وقارئات هذه الزاوية بأن نعرض عليهم حصيلة استقصاءاتنا حول "هجوم الحوار والمصالحة" الذي شنته قيادة السلطة والمنظمة وفتح والرئاسة على حماس حركة وحكومة، وها نحن نفي بوعدنا بالرغم من إلحاح الرغبة علينا، بالرد على بعض التعليقات التي سمعناه وقرأناه على "رسالتنا المفتوحة" للرئيس الفلسطيني محمود عباس التي نشرناها بالأمس.
وأبدأ بالقول أن وضع جميع مَنْ في رام الله والقيادة الفلسطينية في سلة واحدة، أمر يجافي الحقيقة والمنطق، فهناك أطراف وفصائل وأجنحة، ما زالت على التزامها الوطني، وتجتاحها رغبة حقيقية في استعادة الوحدة واستئناف الحوار، على أن صوتها والحق يقال، هو صوت الأقلية في "المقاطعة"، حيث اليد العليا لأنصار "المفاوضات حياة" وأصحاب خطاب "القطع والقطيعة" مع حماس، الذين راهنوا كما كشف نبيل شعث نفسه، على الحصار الإسرائيلي وسيلة لحسم الخلاف مع حماس وأداة للإطاحة بحكومتها.
ونضيف بأن كل من استطلعنا رأيه إن جاز التعبير، من أهل مكة والعارفين بشعابها، شكك في جدية المبادرة شكلاًُ ومضموناً، فمن حيث الشكل، كان تكليف السيد منيب المصري برئاسة وفد يضم أعضاء في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير واللجنة المركزية لحركة فتح وأمناء عامين للفصائل أو من ينوب عنهم، كان هذا التكليف، ومع كل الاحترام والتقدير لشخص "أبو ربيح"، دلالة على عدم الجدية، مثل هذا الوفد كان ينبغي أن يكون بقيادة "أبو ماهر غنيم" أو "أبو العلاء" حتى لا نقول برئاسة أبو مازن نفسه، فالسيد المصري الذي بذل جهوداًُ مقدرة لاستئناف الحوار واستعادة الوحدة، يأتي من خارج أطر الثورة والمنظمة، وليس لديه أية صفة تجعله الشخص الأنسب لقيادة وفد بهذا المستوى.
ثم ومن حيث الشكل أيضاً، فإن معلومات المصادر المختلفة التقت عند نقطة إضافية ثانية مفادها، أن الوفد المقترح إرساله إلى غزة، لم يكن مخولاً بإجراء حوارات أو التمهيد لتسويات أو العمل لتذليل العقبات، برغم مكانته الرفيعة شكلاً، وعظمة المهمة الموكلة إليه مضموناً، لا تفويض شفهياً أوخطياًَ من هذا النوع، الأمر الكفيل بتحويل الوفد، أي وفد، إلى "جاهة" أو "عراضة" ستذهب إلى غزة لالتقاط الصور التذكارية لأعضائها مع أركان حكومة هنية وممثلي الفروع الغزية للفصائل ذاتها، وتتصدر واجهات الأخبار وتعود إلى "قواعدها سالمة" أو كما يقال: "كأنك يا أبو زيد ما غزيت".
أما حين يتعلق الأمر بمضمون مهمة الوفد أو "المبادرة"، وهذا هو الجزء الأهم من المسألة برمتها، فإنه لا يدعو للتفاؤل، فقد أجمع من تحدثت إليهم من مصادر، بأن الوفد كان مكلفاً بالطلب إلى حماس توقيع الورقة المصرية، كما هي من دون زيادة أو نقصان، وهو الأمر الذي رفضته حماس وهي في أصعب ظروف وأقساها، ودفعت ثمن رفضها باهضاً من كيس علاقاتها مع مصر وحلفائها، وهي – حماس – لم تعل ذلك حين كانت والقطاع يمران بلحظات أسوأ، فلماذا الافتراض بأنها ستقبل وهي والقطاع في وضع أحسن، لماذا الافتراض بأن الحركة ستقبل اليوم بما رفضته بالأمس، لماذا الافتراض بأن حماس كان يمكن أن تقبل بـ"بيع" هذا الموقف إن جاز التعبير، لوفد فلسطيني غير مفوض، علماً بأنها قادرة في أي وقت على "بيعه" للرئيس مبارك أو رجب طيب أردوغان أو الملك عبد الله بن عبد العزيز أو الرئيس ميدفيدف أو حتى للولا دي سيلفا؟
لست أعتقد أن القيادة الفلسطينية التي اجتمعت في رام الله كانت تجهل أن اللحظة الراهنة تميل لصالح القطاع المحاصر في الدرجة الأولى ولحركة حماس بالدرجة الثانية، ولكنها مع ذلك فإنها تحاول أن تأخذ اليوم ما عجزت عن انتزاعه بالأمس، فهل هذا نوع من التذاكي والشطارة أم ضرب من الغباء السياسي، أم أننا أمام "هجوم استباقي" و"ضربة وقائية" كما أشرنا لذلك صبيحة اليوم التالي للكشف عن المبادرة وإعلانها، أغلب الظن أن المحرك الرئيس للمبادرة/ الهجوم هو سرقة الأضواء ومنع حماس من قطف ثمار تداعيات ما بعد العدوان على أسطول الحرية، وشق "طريق التفافي"، وما أكثرها في الضفة الغربية، حول التطورات الجديدة في الشرق الأوسط.
ومما يرجح هذا الاستنتاج، حتى لا نقول يؤكده، أن الاتصالات المباشرة السابقة بين فتح وحماس، كانت قد انتهت إلى ما يشبه التوافق على صياغة اتفاق ثنائي تفصيلي بين الفصيلين، يأخذ ملاحظات حماس على الورقة بعين الاعتبار عند تطبيقها، ومن ثم التوجه إلى القاهرة لتوقيع الورقة المصرية، وهو توافق لم يكتمل أو يترجم للأسف، ولقد كان مأمولاً أن توضع مهمة صياغة هذا التوافق وضمان ترجمته على رأس جدول أعمال مهمة الوفد الفلسطيني المكلف بزيارة غزة، لكن تجاهل هذه المسألة، والاكتفاء بطلب توقيع الورقة المصرية من دون قيد أو شرط، أو رفع الرايات البيضاء، كان بمثابة شاهد على انعدام الجدية لدى مطبخ صنع القرار في رام الله.
والحقيقة أن كنا على دراية وبينة بكل هذه الحقائق ونحن نخط رسالتنا المفتوحة إلى الرئيس عباس بالأمس، والتي انتقدها كثيرون ممن كتبوا أو اتصلوا بنا، من منطلق "لقد أسمعت إذ ناديت..." وإلى غير ما هنالك، ولكننا آثرنا كتابة الرسالة، وسنواصل "قرع جدران الخزان" لأننا ببساطة لا نرى في الأفق بديلا عن الوحدة والاتحاد والمصالحة، ولأننا نرغب في وضع الجميع أمام ضمائرهم ومسؤولياتهم، فإن "أصاخوا السمع" كان به، وأن جعلوا بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً، فتلك مشكلتهم مع الشعب والتاريخ، والشعب كما التاريخ، لا يغفر ولا يرحم، يرحمنا ويرحمكم الله.