دفاعا عن البابا.. الإلحاد هو العدو

ممدوح أحمد فؤاد حسين

[email protected]

لقد حزن الصحابة رضوان الله عليهم لهزيمة الروم (أهل كتاب) أمام الفرس (وثنين) وقد سجل القرآن الكريم هذا الموقف بقوله تعالى ( غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله) الروم 2-5, وأقتداءا بهذا الموقف الإيماني يكون واجبا أن أقف مؤيدا للبابا شنودة في رفضه تنفيذ حكم القضاء الخاص بالسماح بالزواج الثاني للمطلقين.

تأييدي للبابا في هذا الموقف يثير تساؤلين :

الأول:  إنني في مقالات سابقة حَملتُ علي الكنسية تحالفها مع العلمانيين والإلحاديين وكل القوى ضد الإسلام والمسلمين, فكيف أقف في هذا المقال مع الكنيسة ضد العلمانيين والإلحاديين؟ وخير إجابة علي هذا السؤال, قوله تعالى:(ولا يجرمنكم شنئان قوم علي ألا تعدلوا أعدلوا هو أقرب للتقوي) المائدة:8

الثاني : ما هي العلاقة بين قضية الزواج الثاني للمطلقين المسيحيين بنشر الإلحاد؟

(الزواج عقد مدني) أي لا سلطان للشرائع السماوية عليه, هكذا يؤمن الملاحدة, في حين تؤمن الكنيسة أنه (عقد ديني), ويقف الإسلام موقفا وسطيا فيرى أنه عقد ديني لأنه  له شروطه الشرعية, وعقد شخصي لأنه يترتب عليه حقوق لطرفي العقد, وعقد مجتمعي لأن المجتمع يتضرر من فشله ووقوع الطلاق خصوصا عند وجود أطفال, والإسلام يوازن بين الحقوق الثلاثة فلا يطغى حق على حق.

وفي الدولة المدنية التي يروجون لها _ وللأسف يؤيدها ويطالب بها البابا – يخضع جميع المواطنين لقانون موحد, فجميع المواطنين في الغرب يخضعون لقانون موحد للزواج والطلاق والميراث, وهو قانون يخالف الشرائع الدينية مسيحية كانت أو إسلامية. وهنا في مصر يسعون أيضا لقانون موحد للأسرة, فكيف يتم لهم ذلك؟

يستحيل عمليا أصدار هذا القانون جملة واحدة لأنه سيواجه برفض شعبي عارم. أذن لا بد من اللجوء لسياسة الخطوة خطوة لتقريب وإذابة الفروق بين الشريعتين الإسلامية والمسيحية وهدمهما معا,  وتم البدء بالشريعة الإسلامية, ففي العقود الأخيرة تم اسقاط شرط الولي بحجة أن وجود الولي وصاية من الرجل علي المرأة ولأن كثير من الآباء يتعنتون في تزويج بناتهم, ولو كانوا مخلصين فعلا في دعواهم هذه لتم بالتزامن مع هذا التعديل تجريم ما يسمى بالزواج العرفي حيث لم تعد هناك حاجة إليه بعدما أصبح من حق أي فتاة بلغت 16 عاما – رفعت مؤخرا إلي 18 – أن تزوج نفسها رسميا فتحفظ حقها وحق أبنائها وحق المجتمع.

وتم اعتبار الزني جريمة شخصية لا يعاقب عليها إلا ببلاغ من المتضرر منها وفي السابق كانت جريمة في حق المجتمع يتولي النائب العام تحريكها بمجرد ضبطها, وتم الاعتراف بنسب ابن الزنا لأول مرة في التاريخ الإسلامي, وأصبح الزواج للشباب أقل من 18 عاما جريمة تستوجب السجن للمأذون وأحيانا للوالدين أيضا, بينما الزنى للشباب أقل من 18 عاما ولو في شبكة للدعارة لا عقوبة قانونية عليهم لأنهم أطفال قصر!!!! . ورفض اقتراحين أحدهما خاص بمعاقبة من لا يوثق الزواج, والأخر لتجريم الزنا.

والآن يمهدون لإلغاء تعدد الزواج, ولأنه نص صريح في التشريع, يعلنون أنهم يريدون تقييده فقط لضمان عدم اساءة استخدامه باشتراط أذن من المحكمة, وكذلك تقييد الطلاق واشتراط وقوعه أمام المحاكم, ولا يبالون بالتناقض التشريعي حيث يشترطون لوقوع الطلاق أن يكون أمام الشهود والمحاكم في حين يعترفون بالزواج العرفي ولو بدون شهود وبدون توثيق ويثبتون النسب بدون زواج!!!

وجاء الدور علي الكنيسة, فلا بد من هدم شريعتها, فلنبدأ بالخطوة الأولى وهي الاستناد إلي لائحة 38 للسماح بالزواج الثاني للمطلقين المسحيين, ثم يلي ذلك خطوة وراء خطوة وصولا للهدف المنشود قانون موحد قائم علي قاعدة (الزواج عقد مدني).

أجمل ما في هذه القضية أنها جعلت من الدكتور نجيب جبرائيل والذي اشتهر بمعاداة المادة الثانية من الدستور نصيرا لها, فعلى الرابط التالي

http://www.alyoum7.com/News.asp?NewsID=237244

قال : ((أن هذا الحكم أيضا قد انتهك الدستور وخالف أحكام الشريعية الإسلامية نفسها إذ إن المادة الثانية من الدستور والتى تعتبر الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع فى مصر, وقد حسمت أحكام الشريعة الإسلامية القول بترك المسيحيين وما يدينون به.. "وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه" أى أن المسيحيين يحتكمون إلى كتابهم المقدس بكل ما يتعلق بأحوالهم الشخصية وشريعتهم الخاصة وهو لا طلاق إلا لعلة الزنا )). أخيرا أيقن الأرثوذكس أن المادة الثانية من الدستور هي الحصن لهم ضد الإلحاد.

عن الإلحاد والملحدين:

عندما أتكلم عن الإلحاد فإنني لا أقصد الإلحاد العقائدي الذي محله القلب لأنه لا يطلع على القلوب  إلا الله, ولذلك فإن الكلام فيه من المحظورات العقلية والشرعية قبل أن يكون من المحظورات القانونية, ولكنني أقصد الإلحاد التشريعي والثقافي و ... إلخ, فكل هذا مسطور في القوانين وعلي صفحات الجرائد ولا يحتاج إلي التفتيش في القلوب.

الملاحدة القدامي كانوا أشد غباءا, عمدوا إلي نشر الإلحاد العقائدي, ولأنه ضد الفطرة الإنسانية لم ينجحوا في نشره إلا تحت ظلال أنظمة استبدادية شديدة القمع. أما الملاحدة الحاليين فهم لا يبالون بالإلحاد العقائدي فيتركون كل إنسان يؤمن بما يريد من عقائد,  المهم عندهم أن يعيش الإنسان – أي كان دينه – وفقا للفكر الإلحادي الذي نشروه فعلا في أكثر بلاد العالم!!!. ويمكن اختصار هدفهم في جملة (أؤمن بما شئت ومارس حياتك كما نشاء).

ولبيان مدي انتشار الفكر الإلحادي, سأوضح مثالا واحدا, النظرة الإيمانية لجسد الإنسان أنه ملكا لله لا يحق للإنسان أن يتصرف فيه أو يتمتع به إلا وفقا لشريعته, أما النظرة الإلحادية فهي أن الإنسان يملك جسده وبالتالي فإنه يحق له أن يتصرف فيه وأن يتمتع به وفقا لما يريده, لذلك تجدهم يبيحون كل شئ حتي الشذوذ الجنسي.

أنظر إلى العالم ستجد أن معظم دول العالم تبيح الشذوذ الجنسي, وتجد بعض الكنائس في الغرب وأمريكا تقوم بتزويج الشواذ, بل وتجد رجال الدين الشواذ يتقلدون أعلى المناصب الكنسية.  وحتى البلاد الإسلامية وإن كان الكثير منها لا يبيح الشذوذ الجنسي إلا أن معظمها لا يواجهه بما يستحقه من محاربة وعقوبة, بل على العكس تجد دعوات من بعض الكتاب والهيئات تمهد لإباحته.

دور المسلمين والمسيحيين في نشر الإلحاد:

من العرض السابق يتضح أن الإلحاد والملاحدة هم العدو المشترك للدين عامة, ورغم ذلك وللأسف فإنه بدلا من أن يشترك أصحاب الأديان – خصوصا المسلمين والمسيحيين -  في محاربة الإلحاد, نجدهم يقدمون خدمات جليلة لنشره, فعلى سبيل المثال فإن المجازر المتبادلة التي وقعت بين المسلمين والمسيحيين في نيجيريا والتي راح ضحيتها مئات من الأطفال والنساء من الجانبين – بغض النظر عن أسبابها والطرف المخطئ فيها – تقدم ذريعة قوية للإلحاد والملاحدة لكي يعلنوا بكل ثقة للعالم كله: إن كنتم تريدوا أن تعيشوا في أمان, نحوا الدين عامة عن الحياة.

ما لم يتوقف المسلمين والمسيحيين عن الصراع فيما بينهم, وما لم يتعاونوا معا في محاربة الإلحاد والملحديين, فسوف يخسرون في كل يوم أرضا جديدة, ولسوف يتمدد الإلحاد في بلاد لم يسيطر عليها الآن وفي مقدمتها مصر.

عتاب وسؤال :

لا أستطيع أن أعتب على الكتاب العلمانيين والملاحدة صمتهم في هذه القضية لأنهم يحققون ما يريدون ولا يريدون أغضاب الكنيسة بإعلان تأييدهم, وفي الوقت نفسه يخشون تراجع الدولة فينفضح أمرهم أمام الأرثوذكس, ولكنني أعتب على بعض الكتاب الذي يعتزون بانتمائهم العربي والإسلامي الذين أعلنوا تأييدهم لحكم المحكمة وطالبوا الكنيسة بالامتثال له, وأعتبروا رفضها لهذا الحكم بمثابة سقوط في امتحان الدولة المدنية وغير ذلك من المقالات.

ولهؤلاء أقول: ما رأيكم في هذا السيناريوا المقبل, فتاة تحمل اسم من أسماء المسلمين وفكر العلمانيين والملاحدة تقوم برفع قضية لمساواتها بأخيها في الميراث على أساس أن الدستور كفل المساواة بين المواطنين بغض النظر عن الدين أو الجنس, فحكمت المحكمة – مثلما فعلت في قضية الزواج الثاني للمطلقين المسيحيين – بأنها رغم احترامها للعقائد الدينية إلا أن المساواة بين جميع المواطنين حق دستوري يعلو علي جميع الحقوق لذلك تحكم المحكمة بمساواة البنت بأخيها في الميراث.  

وعتاب أخر للأرثوذكس جميعا صغيرهم وكبيرهم, الآن ذقتم من مراراة العلمانيين والملاحدة وجاء الدور عليكم للتلاعب بشرائعكم ومعتقداتكم ولم تجدوا حصنا إلا المادة الثانية من الدستور التي طالما طالبتم بحذفها, ألم يحن الوقت لفك تحالفكم مع العلمانيين والملاحدة, إنكم في حاجة إلى الجلوس على كرسي الاعتراف والإقرار بخطيئة التحالف مع الشيطان مكيدة للإسلام والمسلمين.