أحببته .. ومن أول نظرة

مروة يوسف عاشور

[email protected]

لم أكن أعلم أني على موعد معه..!

فذلك اليوم كان يومًا عاديًا تماما كباقي الأيام، وكانت لحظاته طبيعية.. إلى أن وصلت مع أختي إلى ذلك المركز التجاري لنشتري أغراضا لنا.. هناك فقط، ومن تلك اللحظة فقط.. تحول كل شيء في ذلك اليوم.. نعم..! تحول كل شيء في حياتي, بل انقلبت حياتي كلها, حدث هذا فقط عندما رأيته..!

ولما رأيت -يا إلهي!- نظراته, شكله, هندامه, أظنه يتبسم لي..!! أيقنت فقط وقتها ومن أول نظرة أن هذا هو الذي كنت أبحث عنه.. بل لم أكن أعلم أني أبحث عنه إلا عندما رأيته.. لأول وهلة تجمدت أطرافي، ووقفت مبهوتة مذهولة, شعرت بضربات قلبي تتسارع، وكأن جميع من حولي يسمعها!

بل مضى قلبي إلى حيث لا أدري..

لا أعلم لماذا شعرت بكل هذا تجاهه؟! لا بد إذن أن يكون هو.. نعم هو.. الحب الحقيقي الذي كنت أسمع عنه ولا أعرفه.. لا بد أني كبرت وكبرت مشاعري ولم أكن أشعر بها..

لا بد إذن أن يحدث شيء.. لا يعقل أن يمر الموقف هكذا ليصبح ذكرى تطوى تحت صحائف النسيان القاسية..

لا بد أن أشعره بي.. لا بد.. لا بد أن......

تمهلي يا غالية..!!

أيعقل أن يحدث لكِ هذا من نظرة واحدة؟!!!

لا والله! هذا خداع يخدعكِ به الشيطان، ويزينه لكِ، فتتصورينه أكمل الناس وأجملهم وأرقهم وأنه مبتغاكِ وأنه...

اعلمي يا غالية أنه لا يوجد حب من أول نظرة، فما رأيتِ إلا صورة خارجية لا تمت للجوهر بصلة..

اعلمي أنها بداية النهاية..

وما تشعرين به هو مجرد إعجاب, إعجاب فقط بالمظهر الخارجي لا علاقة له بالجوهر الذي لا تعلمين عنه شيئا.

أختي الحبيبة!

يصور لنا الإعلام الخدّاع أن هناك شيئًا اسمه (حب من أول نظرة)، وهذا غير صحيح،
أنتِ فقط أعجبتكِ الصورة الخارجية، ولأنكِ أطلقتِ لنظركِ العنان فقد تماديتِ في خيالكِ وأحلامكِ التي نسجتِها لنفسكِ في دقائق بل ثوانٍ.. لهذا فقط صدقتِ تلك الأكذوبة التي يسمونها الحب من أول نظرة!

واعلمي أن أغلب تلك الزواجات التي تتم بعد قصة حب لا يكتب لها النجاح؛ لأن كل واحد من الزوجين يكون قد رسم في مخيلته للآخر صورة خيالية كالتي رآها أول مرة، وقرر أن ذلك حبه الذي لن ينساه, ثم بعد ذلك يرى منها ما لم يكن يحسبه، وترى منه غير الذي رأت في ذلك السوق أو في ذلك المركز التجاري أو غيره، فيصاب كل منهما بالإحباط ويشعر أنه كان يجري وراء السراب .

لعلكِ تقولين: وإن لم يكن هو زوج المستقبل, ما المانع أن أعيش مع عواطفي وأتمتع بها, فأنا لم أفعل شيئا من الخطأ، نعم! فلم أكلمْه، ولم ألتقِ معه في خلوة ولا شيء, مجرد نظرات ومشاعر بريئة !

وأقول لكِ: هل يسركِ أن يعلم الناس بذلك؟

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((الإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ))، رواه مسلم.

واسمعي رعاكِ الله لحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم في نصيحته العظيمة: ((لا تتبع النظرة النظرة؛ فإنها لك الأولى وليست لك الثانية)).

فما النظرة الأولى؟

أهي التي يتعمدها المرء ويديمها لدقائق أو ثوانٍ أو غير ذلك؟

لا يا حبيبة.. النظرة الأولى هي التي تقع عن غير قصد مع محاولة صرف النظر وغض البصر قدر المستطاع.

ثم بعد ذلك يصرف البصر تماما عن الحرام.

تيقني أنكِ لو فعلتِ ذلك فلن تتعبي من تلك الأكاذيب إن شاء الله تعالى، وحتى لو زين لكِ الشيطان شيئا فسوف تنسين الأمر بكل سهولة معتمدة عل ربكِ متوكلة عليه سبحانه, كيف لا وقد ملأت قلبكِ وعمرتيه بذكر الله..

ونصيحة من أختكِ المحبة لكِ بصدق كخطوة أولى لتفادي ذلك المنكر، عليكِ بالآتي:

- تعمير القلب بحب الله، وملؤه بهذا الحب بحيث لا يدع مكانا لغيره، إلا أن يكون حبا في الله ولله.

- غض البصر, والمجاهدة في ذلك ليست بالأمر الصعب؛ يقول ربنا عز وجل: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 30-31].

- الابتعاد عن قراءة القصص والروايات التي تكثر الحديث عن الحب، وتغرق قارئها في تلك الأوهام، حتى يصبح كأنه يعيشها, وعدم متابعة مواقع الإنترنت المهتمة بذلك.

- تنشئة الفتاة نشأة صالحة، وتقوية إيمانها، وتحذيرها من إغواء الشيطان في مرحلة المراهقة وبداية مرحلة الشباب، وتحصينها قبل أن تقع فريسة لذلك الوهم, فالوقاية خير وأنفع وأيسر من العلاج.

- شغل الوقت بالأمور المفيدة؛ لأن الفراغ قد يقود إلى الوقوع في الحرام, ومعرفة أهمية الوقت والمحافظة عليه.

- التقليل من الذهاب للأماكن العامة التي يختلط فيها الشباب بالفتيات.

- الصيام، وقد أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء).

- التأمل في سير الصالحات وكثرة القراءة في أحوالهن وما كن عليه من حرص وطاعة ومعرفة بحقيقة الدنيا.

- معرفة أحوال الفاجرات، وما يؤول إليه في الغالب مصيرهن، وكيف يختم لهن بخاتمة السوء، وأخذ العبرة من أحوال أولئك النسوة.

- اختيار صحبة صالحة، تقضين وقتكِ معهن، ويعين بعضكن بعضا على طاعة الله تعالى فالإنسان ضعيف بنفسه قوي بإخوانه, والذئب إنما يأكل من الغنم القاصية.

وأذكركِ بقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور: 21].