فئران في سبطانة بندقية
أحمد الفلو /فلسطين
إن ظاهرة تفشي الحالة الطفيلية داخل صفوف الحركات الإسلامية الدعوية منها والسياسية تبدو آخذة في التنامي خاصةً بعد الانتصارات المذهلة التي حققتها وتحققها تلك الحركات، وحيث أن هذه المشكلة لا يتم تشخيصها ضمن مجموعة من الأشخاص المعجبين أو المتحمسين الذين يركبون الموجة الصاعدة فحسب، لكن المشكلة تكمن في تطلُّع مجموعات من المتسلقين والمنافقين إلى تحسين مواقعهم داخل تلك الحركات وتعزيز تواجدهم باعتبارهم مراكز قوى تظهر بشكل يستحق الثناء والترقية على حساب جهود بذلها غيرهم تصعد فوق جهود المخلصين وتضحيات المجاهدين وكفاحهم.
وإذا كان أساس الأعمال وقبولها لدى المسلم هو ((ابتغاء مرضاة الله فقط)) فإن تلك الفئات المتسلقة في حركة دؤوبة تسعى لتحقيق أهدافها باتجاه دنيوي وشخصي وأقل ما يقال عنه أنه نفعي ومادي يوصل هؤلاء المتطفلين إلى تحقيق هدفين رئيسين أحدهما أو كلاهما معاً أولهما الشهرة والنجومية وثانيهما المنفعة المادية الاقتصادية بعيداً كل البعد عن مفاهيم العقيدة والشرف وخدمة الإسلام خاصة وأنهم لا يرون في مبدأ ابتغاء وجه الله شيئاً ذا معنى في عقولهم أو قيمة في نفوسهم، وبالطبع فإن تلك الأهداف لا يمكن تحقيقها إلاّ بتبوّء المواقع القيادية الإعلامية والسياسية داخل الحركات الإسلامية السياسية والدعوية بل ويشمل ذلك الحراك أيضاً المنشآت الاقتصادية والمصارف التي يطلق عليها اسم إسلامية.
والتطفل أو التسلق عملية يمارسها المنافقون ببراعة متناهية ويتبعون فيها طرق و أساليب من أجل الولوج إلى جسم الحركات الإسلامية برشاقة والسيطرة على مفاصلها ودون أن ينكشف أمرهم، وأولى تلك المهارات هي اختيار الحركة أو التنظيم الهدف حسب نوعية وأهمية تلك الحركة وفرص تحقيق الشهرة أو تحقيق أكبر قدر من الاستفادة المادية من خلال دخولها، ودون بذل أي تضحيات أو مجهودات حقيقية، وقد يتخذ المتسلق طريقاً آخر مختلفاً بحيث يعمل لحسابه الخاص فينشيء منظمة أهلية حقوقية أو إنسانية أو مدنية أو سياسية وربما حلقات دروس دينية، المهم أن تكون برئاسة هذا المتسلق وبعد ذلك يطلب التمويل من الحركة التي يستهدفها وهذا نوع من المقاولات التي تعطي للطفيلي المتسلق زخماً معنوياً أكبر قد تضطرّ الحركات الإسلامية للاستعانة به كنوع من التستر خاصة في أجواء ما يدعى ((حملات مكافحة الإرهاب الأمريكية)) وهذا الأسلوب يؤمّن للطفيلي دخلا ًمالياً كبيراً له ولمنظمته على حساب الحركة الإسلامية الأم.
ولعل ما نراه من انتشار المنظمات الأهلية بمختلف أنواعها وأشكالها وكذلك تفشي ظاهرة الناشطين المتأسلمين الجدد والفضائيات الدعوية المتأسلمة (وليس كلها طبعاً) يدعم ما نقوله بكل وضوح، وهذا يمثّل قفزة نوعية خطيرة وهامة تقوم بنقل العمل الجهادي والدعوي العقيدي الأصيل من عالم الفداء والإخلاص إلى عالم البزنس والأعمال التجارية، وتأتي خطورة ذلك التحوّل أولاً أنه يقتل الروح الجهادية والاستبسال في تلك التنظيمات الإسلامية لأن المتسلق يهمه جداً أن يقوم غيره بالتضحية بينما هو يقطف ثمارها إعلامياً ثم يستثمرها بشكل شخصي سياسياً، وثانياً أن النهج التطفلي هذا يتيح لأصحاب النهج الملتوي الأعوج مجالاً للارتقاء في المناصب القيادية في الحركات الإسلامية دون وجود مقومات تؤهلهم لذلك بل يمكن القول أنه اقتناص ظالم لإنسان منافق يتربع في مكان رجل مؤمن، وقد يكتفي بعض المتطفلين بالتكسب على حساب تلك الحركة فيحقق ثروة مالية كبيرة، وهذا مع الأسف يحدث يومياً بشكل تعاقدي بحت حيث يؤجر هؤلاء أقلامهم لمديح تلك الحركة مقابل أن تمنحهم الحركة مالاً مقابل شهرتهم الصحفية المتألقة، ونحن نعلم أن هؤلاء خبراء في أكل لحم الكتف.
على الحركات الإسلامية أن تحذر كل الحذر من هؤلاء المتطفلين الذين يندسون في صفوفها خلسةً كمتحمسين للنصرة تارة أو متمسحين بثوب الطهارة تارة، فلا نلبث بعد أعوام أن نجدهم يحتلون مفاصل الحركة ويسيطرون على توجهاتها ثم يقومون بعد ذلك بإقصاء وطرد المخلصين من أبناء الحركة الإسلامية، فيشوهون نقائها وطهرها وهو ما حصل تماماً خلال خمسينيات القرن العشرين عندما اندس المئات من ضباط الجيش الفرنسي ومن العلمانيين الجزائريين في صفوف جبهة التحرير الجزائرية (التي كانت أكبر حركة إسلامية تحررية في العالم) ليتحول أولئك الضباط ومعهم العلمانيون بعد الاستقلال إلى مخالب تغوص عميقاً في لحوم الجزائريين وتكون سلاحاً لمحاربة الإسلام و وأد جبهة التحرير ذاتها كما فعل المجرم خالد نزار ورفاقه، ثم تكررت التجربة ذاتها في جبهة الإنقاذ الجزائرية عندما شرعت الباب لانضمام الكثير من المتسلقين في صفوفها الذين فاوضوا الحكومة العلمانية بينما القادة المخلصون مدني وبلحاج في السجن.
لعل ظاهرة الفئوية والشللية بدأت تطفو على السطح في بعض الحركات الإسلامية الجهادية منها والدعوية وهي تبدو على شكل تكتلات فئوية يصطبغ بين أفرادها بلون معين بدأت ملامح سيطرتها على المجال الإعلامي والثقافي تتبلور حيث يتناغم أعضاء ذلك التيار ويقومون باحتكار الكتابة في صحف معينة ويكررون ذلك الاحتكار في مواقع إعلامية معينة بينما يتم منع آخرين من النشر في تلك الصحف أو المواقع، كذلك تمارس الفضائيات التي تسمى دعوية ذلك الفرز المقيت والمجحف عندما يسيطر عليها مشايخ معينون غير مؤهلين للتحدث بإسم الإسلام من خلال الدروس مدفوعة الأجر بآلاف الدولارات والتي تمارس التسطيح الديني بعيداً عن الوعي القويم عبر سرد قصص تاريخية تساهم في تجميد عقول الجماهير المسلمة وهدفها الأول والأخير ملء الأرصدة بأرقام خيالية من الدولارات، فكيف يمكن إقناع أجيال الشباب المسلمين الفقراء بمواعظ أشخاص اغتنى أكثرهم من التكسّب وراء الوعظ الديني؟.
إن حرصنا على استمرارية النهج الإسلامي وأن يكون الله غايتنا، وكذلك ولاءنا للحركة الإسلامية الوليدة في فلسطين وفي بقية أقطار الإسلام والتي تمكنت خلال أقل من ربع قرن أن تحقق ما عجزت عن تحقيقه حركات إسلامية كثيرة خلال سبعين عاماً، ربما كان أولها وأهمها هو استعادة الطبيعة الحقيقية لمسيرة الجهاد الفلسطيني بعد أن عبث البعض بطبيعة ذلك الصراع، وتمكنت تلك الحركة المباركة من الإطاحة باللصوص والمتاجرين من فتح ويسار ومتاجرين، ولهذا فإنني أشهد الله على ما أقول من تحذيرات ربما لا تعجب البعض داخل الوسط الإسلامي الفلسطيني وربما ترفض بعض المواقع الإسلامية نشر هذا المقال لأنه يكشف حقيقة بعض المنافقين، ولكن لا يهمني أبداً أن أصدع بقول الحق والله من وراء القصد
وختاماً نتمنى أن نكون قد أجبنا على جانب بسيط جداً ولكنه مهم أيضاً من الأسئلة الكبيرة(( لماذا تنتصر الحركات الإسلامية أحياناً و تخفق في أغلب الأحيان؟)) وكيف نحافظ على استمرارية الانتصارات التي تحققت ونحول دون النكوص بالعمل الإسلامي مع تصاعد وتيرة تناسل جموع الفئران التي تقرض منجزات العمل الإسلامي من كل جانب.